يتأكد يوميا الجواب المعروف عن السؤال الشائع بين الشعوب العربية، وهو : ما الفائدة من وجود مبنى قرب ميدان التحرير في القاهرة ويحمل اسم ( جامعة الدول العربية؟ ). ماذا أنجزت أو حققت هذه الجامعة منذ تأسيسها بأوامر وتخطيطات بريطانية عام 1944 ؟. هل حقققت الوحدة العربية ؟ هذا أمل طموح وفاشل، فلنكن متواضعين في أسئلتنا: هل حققت السوق العربية المشتركة؟ هل ألغت تأشيرات الدخول بين الدول العربية؟. لماذا يخاف العرب من بعضهم البعض، ولا بد من الحصول على تأشيرة مسبقة خاصة لدول الخليج العربي، وبالطبع الأمل في دخول الجنة أسهل من الحصول على هذه التأشيرة ووجود السيد الكفيل؟. وحامل وثيقة السفر للاجئين الفلسطينيين من أية دولة عربية دخول الشيطان لكافة الدول العربية أسهل من دخوله فهو ممنوع مسبقا . هذا بينما 27 دولة أوربية منذ سنوات يتنقل مواطنوها بدون تأشيرة وفي أغلب الأحيان والأحوال بدون إبراز جواز السفر؟. هذا رغم أنّ العرب يتكلمون لغة واحدة هي لغة القرآن الكريم التي يفتخرون به شكلا وتصفيقا دون أن ينفذوا نسبة من تعليماته، بينما هذه الدول الأوربية تتكلم 27 لغة، ورغم ذلك بينهم من التكامل والتفاهم أكثر مما بين أية دولتين عربيتين. وكم تفزع هذه الدول الأوربية لمساندة بعضها خاصة في الأزمات، كما لاحظنا الاستنفار الأوربي منذ سنتين لإنقاذ الاقتصاد اليوناني، بينما نحن العرب طبقتين: مرفهة وفقيرة، ولا أحد يفكر في الآخر إلا إذا طرأت مصلحة عابرة لفترة من الوقت. لذلك لم تفاجىء توصيات اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الأخير بخصوص الوضع في سوريا أي مواطن عربي خاصة السوري الجريح والقتيل بعصابات ومرتزقة نظام الأسد المتوحش على شعبه فقط.
خيبة أمل الشعب السوري
هذا القتل اليومي الذي يمارسه نظام الوحش في سوريا منذ اندلاع ثورة الشعب السوري من مدينة درعا في الخامس عشر من مارس الماضي، حيث أصبح شبه روتين يومي سقوط ما بين ثلاثين وأربعين قتيلا، وخطف واعتقال ألاف من المواطنين، وتقطيع الأصابع وتمزيق الحناجر، وقتل الأطفال، كل هذا لم ينتج من أجله قرار صارم من اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة مساء الأحد بتاريخ السادس عشر من أكتوبر الحالي. ما معنى التوصية التالية الصادرة عن هذا الاجتماع؟.
( إنّ الوزراء العرب يدعون إلى إجراء الاتصالات اللازمة مع الحكومة السورية وأطراف المعارضة بجميع أطيافها للبدء في عقد مؤتمر لحوار وطني شامل بمقر جامعة الدول العربية، وتحت رعايتها خلال 15 يوما اعتبارا من صدور هذا القرار من أجل تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري والتغيير المنشود).
إنّ هذا البيان مجرد إنشاء رغم أنّ بعض مضامينه لو تمّ الافصاح عنها بشجاعة، لقلنا هذه بداية سير جديد لجامعة الدول العربية. أي حوار بين النظام القاتل المتوحش والشعب الفريسة لهذا الوحش؟. كيف يمكن المساواة بين الجلاد والضحية ؟ وما هي تطلعات الشعب السوري المشروعة؟ ألم يسمع وزراء خارجية العرب هتافات ملايين السوريين طوال ما يزيد على سبعة شهور: الشعب يريد إسقاط ورحيل النظام. هذه هي تطلعات الشعب السوري، وكذلك كافة تجمعات المعارضة التي اجتمعت أغلب هياكلها في المجلس الوطني السوري المعارض برئاسة الدكتور برهان غليون، والهدف واحد، هو رحيل وسقوط هذا النظام المتوحش.
ماذا سيفعل وزراء العرب بعد مهلة إل 15 يوما؟
بداية رفض المندوب السوري في الجامعة العربية هذه التوصيات، ووصفها بأنها غريبة ومريبة. وهذا يعني عدم سماع النظام السوري المتوحش لأية توصيات عربية مهما كانت مسالمة ولينة ولا تلبي رغبة الشعب السوري، ورغم ذلك فالسؤال قائم كما ذكرت، ماذا سيفعل وزراء العرب بعد نهاية مدة إل 15 يوما، وهي تعتبر منتهية فور رفض النظام السوري لهذه التوصيات. الرد المطلوب أعلنه المتظاهرون السوريون على أبواب الجامعة العربية أثناء اجتماع الوزراء العرب، وهم يطرقون أبواب الجامعة ويطالبون بتعليق عضوية النظام في الجامعة العربية، وهي مجرد خطوة تضامنية مع الشعب السوري، لن تردع النظام الوحش عن الاستمرار في جرائمه وعمليات القتل اليومية التي يمارسها. والمثير أيضا هو لماذا سارعت نفس الجامعة فور بدء الثورة الليبية، وعلقت عضوية نظام عميد الطغاة العرب القذافي، بينما تتلكأ بالنسبة لنظام الوحش المفترس؟.
وأين جرأة سفراء العرب قياسا بالسفراء الأجانب
العديد من السفراء الغربيين في دمشق، قاموا بزيارات ميدانية لمدن سورية للإطلاع على حجم القتل الذي يمارسه الوحش ضد المتظاهرين. والعديد منهم زاروا الفنان السوري العالمي علي فرزات الذي كسّر بلطجية النظام أصابعه. بينما السفراء العرب في مكاتبهم لا حس ولا خبر. بالطبع لا ننسى تجميد بعض دول مجلس التعاون الخليجي العربي لعمل سفاراتها، واستدعاء بعضها للسفراء كوسيلة احتجاج ناعمة صامتة، بينما لم تستمع أية دولة عربية لدعوات شعوبها بطرد سفراء الوحش من عواصمها.
مصداقية الجامعة مشكوك فيها منذ تأسيسها
هذا وقد تسربت أنباء عن تقدم دولة قطر بورقة لتجميد عضوية النظام، رفضتها بعض الدول العربية خاصة اليمن التي يطالب شعبها أيضا بسقوط ورحيل نظام علي عبد الله صالح. هذا بينما إدّعى نبيل العربي أمين عام الجامعة أنّه التقى كافة أطراف المعارضة السورية، وأنّها تعارض تعليق عضوية سورية، ولم يحدّد العربي أية أطراف معارضة التي التقاها، والكل في المجلس الوطني السوري المعارض يطالب برحيل وسقوط النظام، فكيف يرفض تعليق عضوية النظام من يطالب برحيله وسقوطه؟
لذلك فأمل الشعب السوري الوحيد هو في إصراره واستمراره في الثورة رغم كل هذه التضحيات، فالقتل ليس غريبا على نظام نشأ على جثث الضحايا السوريين من حماة عام 1982 إلى مجازر السجون السورية المتكررة إلى المجازر الحالية. فنظام شيمته القتل لن يسقط إلا بالإصرار الشعبي على سقوطه، فمن غير المنطقي ولا الأخلاقي أن يستمر حزب العبث هذا في قتله منذ الأسد الأب عام 1970 إلى الأسد الوريث حتى اليوم أي ما يزيد على أربعين عاما. وهذا يعني أنّه لا أمل في أية وعود إصلاحية حقيقية من هذا النظام، فهي مجرد استغلال للوقت لمزيد من القتل والفساد والنهب لثروة الشعب السوري، والبقاء في السلطة والكرسي، فقد أصبح شعار هذا النظام ( البقاء في السلطة أو القتل كلما أمكن ذلك ). فمن تمتع بنهب الثروة السورية وقمع الشعب طوال أربعين عاما، لن يتازل عن الكرسي بطرق ديمقراطية، لأنّ أية طرق ديمقراطية حقيقية ستعني زواله وسقوطه. ألا يستحق الشعب السوري بعد كل هذه التضحيات الخلاص من أربعة عقود من القتل والمجازر والسجون والفروع الأمنية التي هي أكثر من عدد الجامعات والمستشفيات السورية؟.
[email protected]
التعليقات