من تابع المؤتمر الصحفي لوليد المعلم وزير خارجية النظام السوري الذي أعقب توقيع ممثل النظام فيصل المقداد في القاهرة يوم الإثنين التاسع عشر من ديسمبر الحالي، على ما سمّي ( البروتوكول المحدد للإطار القانوني ومهام بعثة المراقبين العرب إلى سوريا)، لا يملك إلى الضحك على هذا المستوى من أداء وليد المعلم واستخفافه بالجامعة العربية والنظام السوري الذي يمثله. وأية متابعة لأداء وزراء الخارجية العرب والأجانب لا يمكن أن يوجد أداء أكثر كذبا وقلبا للحقائق من أداء وليد المعلم ، وهذه صفات كل أداء يدافع عن الباطل والظلم وديكتاتورية تقتل الشعب وتسرقه أرضا ووطنا منذ ما يزيد على أربعين عاما.

مواطن الضحك والمراوغة في التوقيع
من المهم جدا ملاحظة أنّ توقيع النظام السوري على هذه المبادرة التي تمّ تمييعها، جاء بعد مماطلات ومراوغات طويلة، كان دوما يتخذ مسألة التعديلات والمناقشات ذريعة لها مما دفع الجامعة العربية لاتخاذ خطوات خاصة بعقوبات اقتصادية وسياسية ضد النظام، بالطبع أغلبها لم يتخذ حيز التنفيذ من غالبية الدول العربية، أي بقيت مجرد قرارت شكلية كعادة قرارات الجامعة العربية. وأول مظاهر الاستهزاء بالجامعة العربية قول المعلم ( لو لم تدخل تعديلاتنا على مشروع البروتوكول لم نكن لنوقع مهما كانت الظروف ) أي أنّه فرض مطالب نظامه التي حتما ليست في مصلحة حيادية المراقبين وحرية تحركاتهم. وقد كشف المعلم تفاصيل هذه الطبخة الفاسدة في جملة واحدة حيث قال: ( إنّ السيادة السورية أصبحت مصانة في صلب البروتوكول والتنسيق مع الحكومة السورية سيكون تاما ). وهذا التنسيق التام يعني استجابة هذه الطبخة للتعديلات التي سبق أن طلبها النظام وتقضي بعرض أسماء المراقبين مسبقا على النظام ليوافق على ما يريدها ويرفض ما لا يريدها، كما طالبت تعديلات النظام بضرورة تحديد الأماكن التي سيذهب لها المراقبون مسبقا، والمسبق هذا يكفي أن يكون عدة ساعات ليهيء النظام المناطق هادئة نظيفة مزدحمة بالمصفقين والمطبلين له، وهم عادة من طوابير قوات الأمن والجيش بعد إلباسهم ملابسهم المدنية، و كذلك إجبار العديد من طلاب المدارس والجامعات والموظفين على الخروج في مظاهرات التصفيق والتزمير تحت طائلة التهديد، وكل من عاش في سوريا يعرف هذا الأسلوب القديم الجديد لدى أجهزة النظام.

الاستقواء مجددا بالموقف الروسي المراوغ أيضا
ولم يخجل وليد المعلم أن يعلن أنّ نظامه ما زال يشترك مع حكام روسيا في نفس أسلوب المراوغة لكسب الوقت، إذ أكدّ أن توقيع النظام على بروتوكول هذه الطبخة جاء بناءا على أوامر موسكو التي أطلق عليها اسم (نصيحة). ومن الواضح أنّ هذه النصيحة الروسية تهدف أيضا لإعطاء النظام المزيد من الوقت لاحتواء الثورة الشعبية أو القضاء عليها، وإلا ما معنى قول المعلم ( إنّ التنسيق مع الروس يتمّ بشكل يومي )، وهل نسّق الروس مع نظام المعلم في ردهم على مظاهرات الشعب الروسي التي اندلعت ضد تزوير الانتخابات الروسية الأخيرة؟. لذلك من المفيد ملاحظة أنّ أول من أشادوا بتوقيع النظام بعد دقائق معدودة هما روسيا وإيران حليفتا النظام دون أن تصدر عنهما طوال الشهور التسعة الماضية أية مبادرة دعم لمطالب الشعب السوري.

مهزلة آلية تنفيذ البروتوكول غير الجاد أساسا
إنّ هذه الآلية التي تضمنها البروتوكول وحدها كفيلة بتوضيح أسباب موافقة النظام السوري على هذا البروتوكول، إذ أنّها آلية تعطي النظام المزيد من مبررات المماطلة وإضاعة الوقت أملا في إخماد ثورة الشعب السوري، فهذه الآلية تنصّ على:
_ سيتم خلال يومين أو ثلاثة ايفاد مقدمة من المراقبين وبمشاركة مراقبين أمنيين وقانونيين وإداريين. السؤال الكارثة: كيف سيمكن خلال يومين أو ثلاثة اختيار هؤلاء المراقبين ضمن شروط تؤكد حياديتهم ونزاهتهم؟.
_ سيتبع هذه المقدمة من المراقبين بعثات كل منها تضم عشرةمراقبين متخصصين في حقوق الإنسان والنواحي القانونية والأمنية. وأيضا دون تحديد آلية اختيارهم ومن سيتولى هذا الاختيار، خاصة إذا عرفنا أنّ بعض دول الجامعة مؤيدة للنظام القمعي في سوريا، فما هو نوع عمل هؤلاء المراقبين إذا كانوا من تلك الدول ويتلقون تعليمات طريقة عملهم من دولهم تلك؟.
_ أما النكتة المضحكة التي لا أعرف هل ستسكت عليها الجامعة العربية أم لا؟ هي ما وردت في مؤتمر المعلم الصحفي حيث قال: ( إنّ المراقبين سيذهبون إلى المناطق الساخنة، لكن من المستحيل زيارة أماكن عسكرية حسّاسة ). ومن سيحدد المناطق الساخنة أو العسكرية؟. إنها أجهزة النظام بالطبع، فإذا طلب المراقبون الذهاب لمنطقة علموا أنّ فيها قمع وقتل للشعب، وقال النظام إنها منطقة عسكرية فمن الحكم عندئذ؟ إنّه النظام فقط وليس المراقبون. وهذا يعني أن أجهزة النظام لن تأخذ المراقبين العرب إلا للمناطق الخالية من التظاهرات الشعبية المناوئة أو التظاهرات المحشودة من قبل النظام كما أوضحت سابقا. والأخطر هو تهديد المعلم المبطن بوضوح لبعثة المراقبين قبل وصولهم، إذ تعهد ب ( أنّ وزارة الداخلية ستوفر الحماية الكاملة لهؤلاء، غير أنّه إذا تعرضت البعثة لمكروه فإنّ هذا لا يسبب حرجا لسوريا، ولكنه سيبرر موقفنا إزاء وجود عناصر إرهابية ). لذلك فليبشر أعضاء بعثة المراقبين العرب بموت العديد منهم من قبل بلطجية وشبيحة النظام، وسيهرب بعضهم و يتمّ إلقاء القبض على بعضهم ليقدمهم المعلم في مؤتمر صحفي أمام البعثة يعترفوا فيه أنهم عصابات إرهابية، كما حصل في فبركات وأكاذيب مؤتمراته الصحفية السابقة التي اكتشف الجميع كذبها وتلفيقاتها.
_ وآخر بند من البروتوكول هو دليل مراوغة النظام لكسب الوقت، إذ تحددت مهمة المراقبين في شهر قابل للتمديد، ويمكن تخيل ماذا سيفعل النظام في هذا الشهر وحتما ما سيليه من تمديد. إذ أنّ عشرات من المراقبين يتحركون ضمن شروط النظام، وبالتالي يمكن تخيل مضمون ما قاله بسام جعارة، الناطق باسم الهيئة العامة للثورة السورية، إذ اعتبر الجامعة العربية شريكة في الجريمة التي ينفذها النظام السوري عبر موافقتها على هذا البروتوكول ( إنّ المعلم يريد تحويل البعثة إلى شهود زور..فإذا كانت كوسوفو قد تحملت ثلاثة ألاف مراقب فإنّ سوريا تحتاج إلى ثلاثين ألف مراقب كي يتابعوا ماذا يجري على الأرض ). ولنا أن نتخيل كيف سيراقب عشرات ما يجري من قمع ضمن الشروط التعجيزية التي وضعها النظام ووافقت عليها الجامعة العربية.

ردّ الشعب السوري (الجامعة العربية تقتلنا)
لذلك جاء ردّ الشعب السوري سابقا لهذا التوقيع على البروتوكول المراوغ، فقد رفع هذا الشعب الصامد منذ تسعة شهور يوم الجمعة السادس عشر من ديسمبر في كافة مظاهراتهم الشعار الذي أطلقوه على تلك الجمعة ( الجامعة العربية تقتلنا ). وكذلك جاء ردّ المجلس الوطني السوري المعارض بعد التوقيع، إذ اعتبره مجرد مراوغة من النظام لكسب الوقت ولمنع إحالة الملف السوري على مجلس الأمن.

إنّ كل معطيات المؤتمر الصحفي لوليد المعلم تؤكد بشكل واضح أنّ هدف النظام هو كسب الوقت لعدة شهور من خلال وضعه هذه الشروط التي تشلّ عمل البعثة العربية، عندما لن يؤخذوا إلا لمناطق يحددها النظام، وأية مناطق تعمها المظاهرات سيعتبرها النظام مناطق عسكرية، وبالتالي ضمن هذه الشروط فلا فائدة من هكذا بعثة سوى إعطاء النظام الوقت للمراوغة والمزيد من القتل وشهود زور أو ( شاهد ما شافش حاجة ) لأنّهم فعلا لن يؤخذوا لأية مناطق يشاهدوا فيها مظاهرات مناهضة للنظام، ويردّ عليها النظام بالقتل اليومي كما يعيش الشعب السوري منذ تسعة شهور. ورغم ذلك فالشعب السوري مستمر في ثورته وهذا وحده مؤشر أنّه لا تراجع عن سقوط ورحيل حكم العائلة الواحدة، فهذا لا يليق بالشعب السوري بكافة مكونات نسيجه الاجتماعي. واكتشاف مراوغة النظام من خلال هذا التوقيع هو ما حدا ببعض أطراف المعارضة السورية بعد رفضها لهذا البروتوكول إلى حث الجامعة لإرسال قوات ردع عربية لحماية المدنيين كما طالب المعارض المعروف هيثم المالح، أو كما أشار الدكتور برهان غليون بعد التوقيع إلى أنّ المعارضة ربما تلجأ لاستخدام القوة حتى وإن كان في نطاق محدود، لأنّ المعارضة لن تترك مصيرها في أيدي آخرين، وهذا يعتمد على المعلومات المؤكدة من مصادر عربية وغربية حول تزايد عدد الانشقاقات في جيش النظام، لأنّ احرار هذا الجيش رغم التجييش الطائفي الخادع لن ينجروا طويلا وراء قتل شعبهم لإدامة نظام عائلي ديكتاتوري.

[email protected]