يزداد الوضع في سوريا تعقيدا كل يوم، خاصة بسبب قلة آليات ووسائل التحقق من خلفية بعض الأحداث والوقائع، مما يعطي الفرصة لكل طرف أن يقدّم الحدث نفسه من وجهة نظره المخالفة تماما لوجهة نظر الآخر، وتبدو أحيانا وجهتا النظر مقنعتين رغم تناقضهما. فمثلا التفجيران اللذان حدثا يوم الجمعة الثالث والعشرين من ديسمبر في مدينة دمشق مع وصول طلائع بعثة المراقبين العرب، عليهما العديد من علامات الاستفهام التي تحتاج لمناقشة وتحليل موضوعيين بغض النظر إن كنت من معارضي النظام السوري أو مؤيديه. وحسب أغلب الروايات فقد أوقع التفجيران حوالي أربعين قتيلا وأكثر من مائة وخمسين جريحا ومصابا من المدنيين وقوات الأمن والجيش. وقالت الرواية الرسمية للنظام أنّ التفجيرين حدثا بواسطة سيارتين مفخختين استهدفتا إدارة مبنى المخابرات العامة ومقر جهاز أمن الدولة في حي كفر سوسة بدمشق. وأنا هنا في هذا التحليل معتمدا على ما نشر من معلومات وعلى معرفتي الميدانية بحي كفر سوسة حيث مقار أغلب الأجهزة المخابراتية والأمنية للنظام السوري، سأقدم وجهتي النظر المطروحتين لنحاول مع السادة القراء الوصول إلى ترجيح أي من الروايتين، ومن حقي أيضا أن أعطي رأيي الترجيحي لأي الروايتين أكثر معقولية ومنطقية.

وجهة نظر النظام الرسمية

الملاحظة التي يجب عدم القفز عنها أنّ التفجيرين جاءا مترافقين تقريبا مع وصول طليعة بعثة المراقبين العرب المختلف حولها أساسا من قبل قوى المعارضة السورية، وفورا جاءت ردود فعل النظام الرسمية لتربط بين الحدثين، وبنفس الإسلوب الإعلامي السطحي الذي عرف عن الناطقين باسم النظام، فقد قال نائب وزير الخارجية فيصل المقداد: (في اليوم الأول من وصول المراقبين العرب، إنّها أكبر هدية من الإرهاب والقاعدة، لكننا سنسهل إلى أبعد حد مهمة الجامعة العربية). والسؤال المنطقي هو: كيف عرف المقداد بعد ساعة من وقوع التفجيرين أنّ القاعدة وراء هذا الإرهاب؟. المقداد وليس مسؤولا أمنيا؟. وكيف أمكن خلال ساعة الاتصال برئيس بعثة المراقبين العرب سمير سيف اليزل واصطحابه على الفور بهذه السرعة لموقع التفجيرين؟. في هكذا ظروف إرهابية ألا يتوقع أي مسؤول أو شخص عادي حصول تفجيرات أخرى؟ فكيف يتجرأ المقداد على اصطحاب ممثل الجامعة العربية إلى موقع التفجيرين؟.

وما أضعف رواية النظام السوري هذه، أنّ لبنان الرسمي تم الزج به على الخط من خلال تصريح جهاد مقدسي المتحدث باسم وزرارة الخارجية، حيث إدّعى (أنّ السلطات اللبنانية حذرت سوريا قبل يومين من أنّ مجموعة من مقاتلي القاعدة تسللت إلى الأراضي السورية عبر بلدة عرسال اللبنانية الشمالية).
طالما أنّ السلطات اللبنانية كان لديها هذه المعلومات الدقيقة، من حيث هوية الإرهابيين و نقطة تسللهم داخل سوريا، ألم يكن من السهل تتبعهم وضبطهم، خاصة أنّ الحدود السورية اللبنانية السورية في الشمال، مضبوطة بشكل لا تستطيع نملة من التسلل، فكيف يمكن لسيارتين مفخختين وفيها عناصر إرهابية من الدخول بهذه السهولة، من بلدة عرسال اللبنانية وتسير بأمان من شمال لبنان وصولا إلى حي كفر سوسة حيث أهم الأجهزة المخابراتية السورية، وتدخل السيارات هذا الحي وصولا للمقرات المخابراتية ليحدث التفجيران؟ وعلى الفور يتصل الرئيس اللبناني ميشيل سليمان بالرئيس الأسد معزيا، وكأنّه بهذه التعزية السريعة يؤكد دخول السيارات الإرهابية من شمال لبنان.

أما حزب الله اللبناني،
الحليف القوي الأمين للنظام السوري فقد حلّق بعيدا عابرا للقارات متهما الولايات المتحدة الأمريكية بالقيام بهذه التفجيرات وما سبقها من تفجيرات في بغداد، وحسب بيان الحزب ف (إنّ ذلك انتقاما لهزيمتها في العراق)، متناسيا أنّ الولايات المتحدة هي أكثر دول العالم من عانت وقدمت ضحايا بسبب إرهاب القاعدة، والأهم هل معلومات حزب الله الاستخباراتية أقوى من معلومات الأمن والجيش اللبناني اللذين إدعيا أنهما حذرا سوريا قبل يومين من دخول سيارات مفخخة من القاعدة كما ذكرت؟. هذا مع أنّ الولايات المتحدة الأمريكية رغم خلافها مع النظام السوري أدانت العملية الإرهابية كإرهاب فقط دون أن تشير إلى من يقف خلفه.

أمّا وجهة نظر المعارضة السورية،

فهي مع التأكيد المطلق أنّ هذين التفجيرين الإرهابيين من إعداد النظام السوري، وهي كانت معدة للحدوث مع وصول طليعة المراقبين العرب كرسالة لهؤلاء المراقبين انّهم سيواجهون عصابات إرهابية كما يدّعي النظام منذ مارس الماضي، ولا تستبعد بعض مصادر المعارضة انّ تحديد هذين المكانين للتفجيرين أي قرب مراكز استخباراتية للنظام، قد تم الإعداد له بحيث يبدو أمام العالم بأنّه ضعيف أمام هذا الإرهاب الذي ينجح في الوصول لحي كفر سوسة المحصّن، وأيضا ليس بعيدا أنّه قد تمّ حشر العديد من المعتقلين في المظاهرات السورية في زوايا تلك الأماكن ليكونوا هم ضحية هذين التفجيرين المعدّين بعناية من أجهزة النظام.

أمّا وجهة نظري فهي أنها من تدبير النظام للأسباب التالية:

1 . من المستحيل دخول سيارتين مفخخختين بمن فيها من الإرهابيين أيا كان عددهم، وتسير بأمان من بلدة عرسال شمال لبنان مخترقة الحدود السورية اللبنانية التي أعلن النظام نفسه أنّه قام أخيرا بتلغيمها، ونحن نعرف عدد النقاط العسكرية والاستخباراتية على الحدود السورية اللبنانية خاصة في منطقة الشمال اللبناني حيث هناك أغلب الأحيان احتقان بين الطائفتين العلوية والسنّية.

2 . ولنفترض أنّ السيارتين نجحتا في اختراق الحدود، فكيف تمكنتا من السير على الأقل مائة وخمسين كيلومترا من الشمال اللبناني إلى قلب مدينة دمشق؟. جيد تمكنتا من ذلك، ولكن كيف استطاعتا وهي حتما من مظهرها سيارات غريبة أن تدخل حي كفر سوسة المليء بالحواجز العسكرية وصولا للمقرات المخابراتية، ونحن من عشنا في دمشق وكنا نشاهد تلك المقرات قرب إدارة الجمارك العامة، نعرف ويعرف السوريون أنّه لا يسمح لأية سيارة بعبور تلك الحواجز وتقف بعيدا عنها، ومن المستحيل اختراق تلك الحواجز الاسمنتية الضخمة.

3 . هذه العملية الإرهابية تذكرنا بعملية اغتيال المسؤول العسكري لحزب الله عماد مغنية في نفس منطقة المخابرات بكفر سوسة عبر تفخيخ سيارته أثناء أن كان في اجتماع مع مسؤول مخابراتي سوري، وبعد نزوله من الاجتماع وتشغيل سيارته انفجرت به ميتا؟. لقد جاء عماد مغنية للاجتماع بسيارته فلماذا انفجرت بعد نزوله من الاجتماع وليس عندما شغّلها أول مرة عند قدومه من شقته للإجتماع؟. وقد تسرب ما يشبه أن يكون معلومة مؤكدة أنّ حسن نصر الله في إحدى اجتماعاته مع مسؤولي حزبه فور حدوث العملية، اتهم النظام السوري وشتم بعض مسؤوليه، ولكن تمّ التعتيم على ذلك لمصلحة الحزب وفائدته من النظام السوري التي هي أهم من اغتيال عماد مغنية أو اي مسؤول آخر من الحزب.

4 . إنّ تاريخ النظام السوري منذ عام 1970 حافل بالعديد من الاغتيالات التي كانت دوما تقدّم على أّنها محاولات انتحار، وقد سبق في إحدى مقالاتي أن قدمت قائمة بهذه الاغتيالات التي ليست أولها اغتيال محمود الزعبي رئيس الوزراء الأسبق في مايو عام 2000 وليس آخرها اغتيال غازي كنعان في أكتوبر 2005 ومن بعده شقيقه علي كنعان. وضمن نفس السياق عمليات القتل العديدة التي قام بها حافظ الأسد ضد رفاقه البعثيين قبل انقلابه وبعده عام 1970 .

كل تلك المعطيات من وجهة نظري تؤكد أنّ النظام هو من قام بإعداد وتنفيذ التفجيرات الإرهابية هذه، ليبدو للعالم أنّه هو ضحية الإرهاب وليس من يقوم بإرهاب أودى بحياة ما يزيد على خمسة ألاف سوري حتى الآن، على الأقل مائتين في الأيام الأربعة الماضية. لذلك تسارعت العقوبات الدولية ضد النظام، إذ أعلنت سويسرا تجميد خمسين مليون فرنك سويسري (حوالي خمسة وخمسين مليون دولار) عائدة لشخصيات سورية من بينها الرئيس بشار الأسد شخصيا ووزير داخليته إبراهيم الشعار وضباط كبار في وزارة الداخلية وأجهزة المخابرات. وشملت العقوبات السويسرية 19 شركة و74 شخصية من الشخصيات اللصيقة بالنظام. وكذلك قامت كندا بسلسلة جديدة من العقوبات ضد النظام بسبب القمع الدامي لحركة الاحتجاجات، وتشمل هذه العقوبات حظر جميع الواردات السورية باستثناء المواد الغذائية، ووقف تصدير أية معدات مراقبة هاتفية أو معلوماتية للنظام السوري. فهل كندا وسويسرا متحالفتان مع القاعدة أيضا ضد النظام السوري؟.

هذه هي المعطيات المطروحة حول التفجيرات الإرهابية في دمشق، فمع أية معطيات يميل القراء؟
[email protected]