الفكرة التي أطلقها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الخاصة بإرسال قوات عسكرية عربية إلى سوريا، فكرة لا فائدة منها ولن تتمكن هذه القوات من ممارسة أي دور يتمكن من وقف الدور القمعي الذي تمارسه قوات الجيش التي ما زالت غالبيتها موالية لبشار الأسد، حيث بلغ هذا القمع والقتل مستوى وحشيا لا يمكن الاستمرار في السكوت عليه. والتأكيد بعدم جدوى هذه القوات العربية، ينطلق أساسا من أن نظام بشار الأسد لن يوافق على الفكرة، وفي حالة موافقته ستكون ضمن الشروط التي يضعها كما حدث في موافقته على بعثة المراقبين العرب، وبالتالي سيكون دور هذه القوات كرتونيا ديكوريا لتجميل صورة النظام وتمديد بقائه، لأنّ السؤال المركزي هو: هل ستنسحب قوات بشار الأسد وتترك حماية المتظاهرين للقوات العربية؟ وهل ستقوم القوات العربية بمواجهة جيش بشار والاشتباك معه إذا تعرض للمتظاهرين والمحتجين كما يفعل منذ مارس 2011 ؟. إذا سيكون دور هذا القوات شهود زور كما كان دور بعثة المراقبين العرب، الذين سكت أو تواطأ أغلبهم على القمع الوحشي الممارس ضد الشعب السوري، كما مارس النظام حسب شهادة بعض ذوي الضمير من هؤلاء المراقبين دورا تمثيليا بسيناريو فاشل أمام هولاء المراقبين. ويكفي ما صرّح به السفير فتحي الشاذلي مساعدُ وزير الخارجية المصري الأسبق، حول عمل هذه البعثة ودور النظام السوري في التعامل معها حيث قال: (إن السلطات السورية كانت تعترض حرية المراقبين وكانت تماريء وتناور في ادارة زياراتهم خاصة عندما يتجهوا إلى إحدى المدن تخفى الدبابات وتسحب القوات من الشكل المرئي إلى شكل مختبيء وبالتالي أظن أنه حتى التقرير الذي أعده فريق المراقبين لا يمكن أن يكون دقيقا في رفضه للواقع المرير الذي تجرع شعبنا في سوريا مرارته).
التذكير بتجربة القوات العربية في لبنان
تلك القوات التي اتخذت اسم قوات الردع العربية، وأرسلت إلى لبنان إبان الحرب الأهلية عام 1976 بناءا على طلب الرئيس اللبناني آنذاك سليمان فرنجية، وتكونت من قوات ستة دول عربيه هي: سوريا،لبنان، السعودية،السودان، اليمن الجنوبي،و الإمارات العربية المتحدة. وكانت تتكون من ثلاثين ألف جندي عربي، خمسة وعشرون ألفا منهم من الجيش السوري، بقيادةالضابط اللبناني سامي الخطيبب الذي كان يوصف آنذاك في الإعلام اللبناني ب (رجل سوريا في لبنان). وقد قال عنه مذيع قناة الجزيرة سامي كليب في حلقة برنامج (زيارة خاصة) بتاريخ الخامس والعشرين من أبريل 2009: quot; سوريا حافظ الأسد فتحت لسامي الخطيب أبواب القيادة والزعامة في لبنان فهو صار بدعمها قائدا لقوات الردع العربية ووزيرا للداخلية وفي مدارسها تلقى علومه الأولى قبل أن يصبح ضابطا، لا بل أن أصول عائلته تعود إلى إحدى ضواحي دمشق). وتدريجيا بدأ يتضح أنّ الدور الأساسي لهذه القوات موكول للجيش السوري وبقية الجيوش العربية الخمسة لا حول لها ولا أي دور، فبدأت بالانسحاب احتجاجا، كان آخرها انسحاب القوات السودانية عام 1979، فبقيت قوات حافظ الأسد ومن بعده نجله بشار، تحتل لبنان احتلالا فعليا حتى هبّة الشعب اللبناني عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، فخرجت هذه القوات بشكل مخزي للنظام بعد احتلال فعلي للبنان شعبا وأرضا وثروة وسياسة طوال ما يقارب ثلاثين عاما.
دورها في سوريا سيكون مختلفا
في الحالة السورية أجزم أنّ غالبية الدول العربية ستعتذر عن إرسال قواتها لتكون في مواجهة عارمة بين جيش بشار وعائلته والشعب السوري، وعدم تمكنها من مواجهة جيش بشار كما تساءلت سابقا، وبالتالي فالفكرة أساسا غير قابلة للتحقيق، وإن تحققت ستكون من قوات الدول المؤيدة لبشار ونظامه مثل السودان والجزائر، وهذا يعني أنّ دورها سيكون ليس شكليا فقط بل داعما لجيش بشار في مواجهة الشعب المنتفض ضده وعائلته وأصهاره الحاكمين منذ 42 عاما فقط لا حسد!!!.
إذن ما الحل؟
من منطلق حرصي على سوريا شعبا وأرضا ووطنا وثروة، أرى من وجهة نظري أنّ المتاح لوقف إراقة الدماء السورية واستمرار نهب الثروة السورية هما حلان فقط:
الأول: هو أن يتحلى بشار الأسد بالحكمة ويتعظ من مصير من سبقوه من طغاة كالقذافي وزين الهاربين بن علي و حسني مبارك وعلي عبد الله صالح وشاوشيسكو، ويعلن فورا تنحيه عن السلطة خلال أسابيع قليلة، يليها تنظيم انتخابات رئاسية جديدة نزيهة كما حصل في تونس، ويتلازم ذلك مع تنحيه و وقف عمل كافة عسكريي وسياسيي العصابة التي تورطت في دماء الشعب السوري واعتقالاته طوال 42 عاما، خاصة ضباط أجهزته الأمنية السياسية والعسكرية التي من الصعب إحصاء عددها، وإلغاء كافة الأجهزة والفروع الأمنية التي كانوا يشبحون من خلاله، ,ايضا الإفراج الفوري عن كافة المخعتقلين منذ عام 1970، ومن يتخيل أنّه ثبت من تمّ اعتقالهم منذ 15 مارس 20111 يرقى إلى سبعين ألفا حسب شهادات موثقة من مننظمات دولية. وكذلك لا بد أن يتلازم مع هذا إعادة الأموال المليارية التي نهبتها عائلته و أصهاره (آل مخلوف)، ليعود كل هؤلاء السارقين كما كانوا مواطنين عاديين لا يبقى معهم ولهم إلا ما يتناسب مع رواتب وظائفهم العادية التي كانوا سيتولونها لو لم يكونوا من عائلة الأسد وأصهاره. هذا الحل لو احتكم له بشار الأسد سيبقى في سوريا هو وعائلته معززا مكرما محترما من الشعب السوري، فهو أفضل كرامة له من منظر حسني مبارك وأولاده وهم يقادون للمحكمة مذلولين أيا كان مستوى السجون التي يعيشون فيها، وأفضل من المصير الذليل الذي لاقاه الطاغيتان القذافي وشاوشيسكو رومانيا وهما يستحقان ذلك المصير. إنّ أي طاغية وديكتاتور يتذكر مصير القذافي وحسني مبارك وشاوشيسكو تحديدا سوف يلجأ لهذا التنازل السلمي الذي يحفظ له كرامة وبقاء في وطنه وبين شعبه، وأنا متأكد أنّ بشار الأسد أذا اقتنع بحكمة هذا الحل سيخرج الشعب السوري يتظاهر تأييدا له وتشجيعا على هذه الخطوة التي أعادت للشعب السوري حريته وكرامته وثروته المنهوبة طوال 42 عاما. أنا أتمنى حصول هذا الحل صونا للشعب والوطن السوري، وكي لا أرى مصير بشار الأسد كمن سبق أن ذكرتهم، وصراحة من قلبي أتمنى أن لا أراك يا بشار في ذلك المنظر، ولن تكون وتصل إليه إذا سارعت في تلبية مطالب الشعب السوري التي ذكرتها.
الثاني: هو ما لا مفر منه في حالة رفض بشار الأسد الحل الأول، وهو إحالة الملف السوري لمجلس الأمن الدولي ليتخذ القرارات المناسبة لوقف حقن الدماء السورية رغم معارضة النظامين الروسي والصيني المتوقعة، وفي هذه الحالة يمكن لمجلس الأمن الاعتماد على طلب الجامعة العربية بالتدخل الفوري، ولا أقصد من التدخل نفس الطريقة التي تمّ فيها التدخل في ليبيا، فيمكن اللجوء إلى ما يسمى القوة الناعمة حيث يتم فرض حظر جوي وبحري فوق الأراضي وحول المياه السورية يمنع حتى الطيران المدني مما يضيق الخناق على النظام ويمنع أية إمدادات داعمة له. ويترافق هذا مع مزيد من العقوبات الدولية الاقتصادية والسياسية تشمل ما يشبه المقاطعة عبر طرد سفراء النظام الذين يرفضون الانشقاق عنه، وسحب السفراء العرب والأجانب خاصة بعد تصريحات العديد من الدول الغربية أنّ الوضع في سوريا لم يعد يطاق، وكانت آخرها تصريحات وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبييه، وقد لمّحت الولايات المتحدة الأمريكية إلى احتمال إغلاق سفارتها في دمشق، فليتها وكافة الدول الأوربية والعربية وغيرها تسارع لتنفيذ هذه الخطوة التي ستشكل ضربة قاصمة لظهر النظام. وهذا الحل يجب أن يتلازم مع إقامة منطقة عازلة ربما على الحدود السورية التركية لحماية للاجئين والمطاردين السوريين، وهذا سيشجع على مزيد من الانشقاقات في صفوف النظام. وهذا الحل من شأنه اسقاط نظام بشار الأسد والعصابة العائلية الحاكمة مهما طال الزمن الذي حتما لن يطول، لكن عندئذ سيلاقي بشار الأسد وأزلامه إما مصير القذافي أو حسني مبارك أو شاوشيسكو رومانيا، وعندئذ سيصبح اسمه (شام شيسكو) كما قال المواطن السوري الدكتور محمد نجيب مراد في قصيدته التي سيقرأها على الجماهير السورية والعربية ليلة مصرع (شام شيسكو)، ومطلعها:
ليس بالموت يشمت الأحرار إنما مصرع الطغاة انتصار
فبأي حل من الحلين السابقين سوف يتحقق انتصار الشعب السوري؟. والفرق أنّ الحل الأول الذي طرحته لن يتصاحب مع مصرع الطاغية (شام شيسكو) بل سيحتفظ باسمه كمواطن سوري(بشار الأسد)، الذي استجاب لمطالب شعبه بعد ظلم وقتل وطغيان وفساد 42 عاما.. وهاهو المجلس الوطني السوري يعمل في اتصالاته مع الجامعة العربية الآن على التعجيل بإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن. فهل يتعظ بشار الأسد ويقرّر أيا من الحلين أو الإسمين المتاحين سيختار؟.
[email protected]
التعليقات