أود في البداية أن اشير إلى العديد من رسائل القراء والأصدقاء التي تسألني عن رأيي في الوضع الأردني ضمن هذه الثورات العربية المنطلقة ضد أنظمة الفساد والديكتاتورية. وقد سبق أن كتبت عن بعض هذه الجوانب في مقالتي بعنوان (موقع الأردن من ثورات الغضب العربية) بتاريخ الخامس والعشرين من مارس 2011، أي بعد حوالي ثلاثة شهور من اندلاع الثورات العربية، وبدء حراك شعبي أردني رافعا شعار الإصلاح في كافة ميادين الحياة السياسية والاقتصادية الأردنية. وأعود من جديد للكتابة عن الحالة الأردنية بعد العديد من المستجدات، مذكّرا أنني أبدي وجهة نظري بصفتي مواطنا ومتابعا عربيا، فأنا لست أردنيا ولا أحمل الجنسية الأردنية، ولا توجد لي أية مصالح شخصية أو عامة في الأردن تماما مثل وضعي في سوريا أو أي قطر عربي، فأنا منذ ما يزيد على عشرين عاما مواطنا نرويجيا، وأتحرك وأكتب ضمن ما يكفله لي القانون النرويجي الذي يسمح بنقد البرلمان والملك وأي وزير أو مسؤول طالما هذه الانتقادات موثقة ومبنية على حقائق ومعلومات دقيقة، وإذا حصل ضرر لأحد من هذه الانتقادات فالحكم هو القضاء وليس مباحث أمن الدولة أو دائرة المخابرات كما هو في أغلب الأقطار العربية. ومنذ البداية أود القول أنّ من يعتقد أنّ الأردن هو جنة أفلاطون المثالية فهو مخطىء، وأيضا من يعتبر أنّ الأردن يعيش واحد بالمائة من الجحيم الذي يعيشه الشعب السوري منذ 42 عاما فهو مخطىء أيضا.

ما هي أهمّ مشكلات الأردن المعيقة للإصلاحات الحقيقية؟
في البداية من المهم التذكير بأطروحات جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، أكثر الجماعات والأحزاب حضورا في الشارع الأردني أيا كانت الملاحظات على سلبيات مواقفها أو ايجابياتها التي لا يمكن إنكارها، التي تؤكد دوما على أنهم ليسوا ضد استمرارية النظام الملكي حاكما للأردن ولكنهم مع إصلاح النظام، وهذه مطالب عقلانية تدرك خصوصية نسيج المجتمع الأردني، هذه الخصوصية التي لا تضع مسؤولية إعاقة الإصلاح الجدي على كتف النظام وحده، بل إنّ المجتمع بنسيجه الحالي عبر ما يزيد على ثمانين عاما أيضا يتحمل مسؤولية ربما تكون نسبتها أعلى من نسبة مسؤولية النظام، لأنّ من يرتكبون هذه الأخطاء والسلبيات لم ينزلوا على الأرض الأردنية من مجرات سماوية، بل هم من أبناء هذا الشعب، فقبل تحميل النظام أيا كانت هويته مسؤولية هذه الأخطاء بما فيها الفساد، فلماذا أساسا فكّر ذلك المواطن في ممارسة الفساد، وهو يعرّف أنّ كل ما سيسلبه هو من ثروة الوطن والمواطن، خاصة أنّ القياس العالمي يقول ما معناه (ظهور كل مليونير يكون على حساب أكثر من مليون فقير ومسلوب الحقوق)، وهذا يضع مسؤولية مهمة على عاتق كافة الجهات الحكومية بضبط ومراقبة مصروفاتها، لأنّ أية تجاوزات مالية تؤدي لفساد ما في أي حقل من الحقول الاقتصادية مسؤولية كل موظف ومواطن، بمعنى عدم إلقاء اللوم دوما على النظام بمجمله ككتلة واحدة، لأنّ النظام هو مجموع المواطنين من أصغر موظف إلى أكبر وأعلى موظف.

1 . التنامي الواضح لمسألة الإقليمية من حيث الأصول، خاصة بين (أردني من أصول فلسطينية) و (أردني أردني). وللأسف الشديد فإنّ هذه المسألة يتم التعبير عنها بطرق مختلفة وبشكل لا يليق بمسيرة ديمقراطية ومساحة حريات تعبيرية وصحفية متوفرة في الأردن منذ انطلاقة التعددية الحزبية التي بدأها المرحوم الملك حسين بن طلال عام 1989 بعد الحراك الجماهيري في محافظة الكرك، فتمّ ترسيخ الانتخابات البرلمانية والتعددية الحزبية السياسية. والسؤال هنا: من الذي يثير هذه النعرة الإقليمية؟. ولماذا هذه النعرة تتناسى أن نسيج المجتمع الأردني هو خليط تمّ انصهاره عبر ما يزيد على ثمانين عاما، من أصول شامية وكردية وشركسية وشاشانية وفلسطينية وحجازية، فإذا نحن أمام مجتمع فعلا استطاع أبناؤه بناء وطن تميز بمؤسساته المتقدمة في أغلب المجالات خاصة التعليم والجامعات والمستشفيات والمؤسسات الطبية وغيرها. فلماذا النفخ في هذه النعرة الإقليمية خاصة بين الأصول الفلسطينية والأردنية، لأنّه إذا أردنا الحقيقة التاريخية والحدود الجغرافية المفتوحة في زمن الدولة العثمانية والتنقل الحرّ بين الأقطار العربية، فمن الصعب والخطأ أن نقول: هذا أردني وهذا غير أردني، بدليل أنّ هناك عشرات العشائر والقبائل تحمل نفس الإسم في أكثر من قطر عربي خاصة في فلسطين والأردن. وكم كان جريئا الأمير الحسن بن طلال في إحدى لقاءاته قبل شهور قليلة، عندما تحدث عن هذه المسألة بصراحة غير مسبوقة قائلا: (أنا حجازي والدي من مواليد مكة، فأنا أردني إذا رغبت في ذلك فهل يعقل أن أقول الآن أنني حجازي). وكذلك الأردني من أصول شامية أو شركسية أو شاشانية، لماذا لا يعرف أحد شيئا عن أصولهم أو يتمّ تذكيرهم أو معايرتهم بها؟. فلماذا لا ينطبق ذلك على ابناء الخليل أو نابلس مثلا، الذين جاءا إلى الأردن استنادا لوحدة رسمية بناءا على انتخابات جماهيرية بين الضفتين، أعطت شرق الأردن والضفة الغربية اسم (المملكة الأردنية الهاشمية) منذ ما يزيد على ستين عاما، وبالتالي أصبح الجميع مواطنين أردنيين، رغم قرار فك الارتباط عام 1988 الذي لم يكن هدفه سوى ترسيخ وجود الكيانية الفلسطينية في مواجهة الادعاءات الإسرائيلية مقدمة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
ولتأكيد هذه المسألة من المهم تذكر فقرة وردت في خطاب الراحل الملك الحسين بن طلال الخاص بفكّ الارتباط في الحادي والثلاثين من يوليو 1988، قال فيها (على أنه ينبغي أن يفهم بكل وضوح وبدون أي لبس او إبهام، أن اجراءاتنا المتعلقة بالضفة الغربية إنما تتصل بالأرض الفلسطينية وأهلها، وليس بالمواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني في المملكة الأردنية الهاشمية بطبيعة الحال، فلهؤلاء جميعاً كامل حقوق المواطنة وعليهم كامل التزاماتها تماماً مثل أي مواطن آخر مهما كان أصله، إنهم جزء لا يتجزأ من الدولة الأردنية التي ينتسبون اليها ويعيشون على أرضها ويشاركون في حياتها وسائر انشطتها. فالأردن ليس فلسطين، والدولة الفلسطينية المستقلة ستقوم على الأرض الفلسطينية المحتلة بعد تحريرها بمشيئة الله، وعليها تتجسد الهوية الفلسطينية). فهل يعي الجميع في الأردن أهمية وحكمة ووطنية هذا المفهوم الملكي؟.

إنّ الحل لهذا الإشكال هو أن يسمو الجميع على هذه النزعة التي ليست في مصلحة الأردن حاضرا أو مستقبلا، فلقد تمّ بناء الأردن الحديث بكافة مؤسساته بجهود الجميع دون استثناء، ولا يستطيع أي فرد من أي منبت أو أصل أن يدّعي أنّ منبته أو أصله هو من بنى وأسّس الأردن الحديث بهذا الشكل المتطور رغم فقر الموارد الطبيعية، ولكنّ الغنى الوحيد كان في الموارد البشرية من كافة المنابت والأصول، الذين ساهموا بافتخار عال ليس في بناء أردنهم الحديث فقط، ولكن العديد من أقطار خليجنا العربي، وهذا لا ينكره كتاب ومؤرخو تاريخ وتأسيس دول الخليج العربي نفسه. وما يؤيد تحليلي هذا هو قول الكاتب الأردني المعروف خالد محادين (ويعرف الكثيرون إن هذا البلد في تاريخه الحديث ولادة ومسيرة، قد أقامته وأسسته الثورة العربية الكبرى ورجالات هذه الثورة وفي المقدمة منهم الهاشميون، وحتى أواخر الستينات من القرن الماضي كان المواطن الأردني الساعي للحصول على جواز سفر يملأ ورقة تحمل إقراره بأنه من التابعية العثمانية، والسياسة والسياسيون المنحرفون ليس في وسعهم تزييف التاريخ وتزييف الحقائق).

أما فزاعة الوطن البديل،
فهي مجرد خرافة يحاول البعض استخدامها لمآرب لا تخدم استقرار الأردن وتقدمه، وأيا كان المنظرّون لهذه الفزاعة فكما قلت أكثر من مرة، إنّ موضوعة الوطن البديل لا يمكن تطبيقها أو قيامها إلا بتوفر شرطين مستحيلين هما: خيانة الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وتخاذل الشعب الأردني بكافة منابته وأصوله. أي أن يكون الشعب الفلسطيني خائنا يتنازل عن وطنه ليستنسخ قيام دولة إسرائيل بقيام دولة له على أرض بديلة هي الأردن، وهذا مستحيل حصوله. وأيضا تخاذل الشعب الأردني في الدفاع عن وطنه ويقبل قيام هذا الوطن المسخ على أرضه، وهذا مستحيل قبوله من أي أردني أيا كانت منابته وأصوله. لذلك فليتوقف الجميع عن استعمال هذا الفزاعة التخويفية التي هي من المستحيلات المؤكدة، لن يقبلها أي فلسطيني أو أردني.
وقد شدّد الملك عبد الله الثاني شخصيا في ديسمبر 2011 في لقاء جمعه مع نخبة من مثقفين وشخصيات ورجال الجيش الأردني (على استحالة تنفيذ فكرة الوطن البديل، لأنّها مرفوضة حكوميا وشعبيا، والأردن قادر على الدفاع عن وجوده شعبا وأرضا وكيانا مستقلا). وقبل ذلك في نوفمبر 2011، أكّد السيد طاهر المصري رئيس مجلس الأعيان الأردني في كلمة له في كلية الدفاع الوطني استحالة تنفيذ هذه الفكرة قائلا: (إن الأردن وطن مستقل بهويته الوطنية الأردنية، وهو ليس وطناً بديلاً لأحد، ولن يكون، وأن كل من يحمل الجنسية الأردنية، هو أردني، وعليه أن يتصرف على هذا الأساس، وبالتالي فإن هويته أردنية). وللعلم أيا كانت أهدافه فقد صرّح افيجدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي في الرابع عشر من نوفمبر 2011 ب (أنّ الحديث عن أن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين يتنافى والمصلحة الإسرائيلية والقانون الدولي ومعاهدة السلام الموقعة بين البلدين عام 1994).
إذن فليقبر الأردنيون من كافة المنابت والأصول فكرة الوطن البديل التي هي مجرد فزاعة للبعض، وهي خرافة مستحيلة التحقيق، لأنّه لا يسعى لها أي أردني من أي أصل. وما سيعزز قبر هذه الفكرة أردنيا هو تحقيق المساواة الكاملة بين الأردنيين وتطبيق القانون على الجميع بنفس القياس والمستوى، وهذا ما يتحدث عنه كثير من المسؤولين الأردنيين أيضا، خاصة مسألة سحب الأرقام الوطنية من البعض وهي مسألة ليست سرّية وتناقش في كافة المنتديات الأردنية الرسمية والشعبية، ومما يليق بالمسيرة الديمقراطية الأردنية التعجيل في حلّ وإنهاء هذا الملف قانونيا ودستوريا لضمان حقوق الجميع بشفافية ومصداقية وعدالة عالية. وهنا أستعيد قولا مشهور للراحل الملك الحسين بن طلال كرّره في العديد من خطاباته فحواه، (أنّ من يثير النعرات الإقليمية حسب أصول ومنابت الأردنيين هو عدوي ليوم القيامة). وكرّر نفس المفهوم تقريبا الملك عبد الله الثاني، لأنّ الجميع يدرّك أنّ الأردن الحديث قام بجهود وعرق الجميع من كافة المناصب والأصول رغم شحة الموارد الطبيعية، ورغم كل الصعوبات فتظلّ الحياة الأردنية أيسر منها في بعض الأقطار العربية التي تمتلك مقدرات وإمكانات طبيعية أكثر بنسبة عالية مما يتوفر للأردن، وهذه المعلومة نتيجة تجوالي الدائم في العديد من هذه الأقطار العربية.
2 . تنامي النزعة العشائرية التي في أحيان كثيرة تطغى على القانون، وهي مسألة لا تليق بعشائر الأردن الكريمة جميعها، هذه العشائر التي على أكتاف أبنائها جميعا تمّ بناء الأردن الحديث بكافة مؤسساته وجامعاته ومستشفياته التي تعتبر في مقدمة مثيلاتها في الأقطار العربية. لذلك فإنّه من مصلحة سمو هذه العشائر الأصيلة أن تحتكم لقانون الدولة في كافة أمورها وقضاياها ومشاكلها، لأنّه من المستحيل عدم وجود صلات قرابة أو جيرة أو مصاهرة بين أية عشيرتين، فليكن القانون المدني والقضائي هو الحكم في أية حالة أو مشكلة، وهذا من شأنه ترسيخ السمعة الطيبة عن وطنهم الأردن في كافة المجالات. والدور في هذا الأمر موكول لزعماء العشائر الذين يحظون باحترام وتقدير عاليين في أوساط عشائرهم والمجتمع الأردني كافة، وكذلك الدورموكول للكتاب والمثقفين والسياسيين وأعضاء البرلمان الذين لا تخلو منهم أية عشيرة أردنية.

ما هي متطلبات المواطن الأردني في الربيع العربي؟
1 . الإسراع في البت القانوني العادل في كافة ملفات وقضايا الفساد التي لم تعد سرّا بدليل تشكيل quot;هيئة مكافحة الفسادquot; منذ سنوات عديدة، لكنّ هذه الملفات تتراكم دون البت في أكثرها، وهذا يشكل عبئا على المواطن الأردني الذي يأمل التسريع في البت في كافة هذه القضايا والأولوية للمهم منها. وهذا التأخير ربما يعود بنسبة عالية لما أطلق عليه بعض الكتاب الأردنيين (قوى الشدّ العكسي) أي القوى المعارضة للإصلاح ومكافحة الفساد، لأنّها هي المستفيدة من استمرار هذا الفساد وعدم حسم القضايا العديدة أمام هيئة مكافحة الفساد، وهذا مع استمراره سيفقد الهيئة مصداقيتها وضرورة استمرارها، لأنّ كل قضايا الفساد هذه تم المنهوب من خلالها من قوت المواطن وثروة الشعب والوطن.

2 . ضرورة تنظيم الحياة الحزبية ضمن قوى وأحزاب رئيسية تعبر عن اتجاهات الشارع الأردني، والمنطقي أن لا تتعدى ثلاثة أو أربعة اتجاهات (أحزاب)، بينما يشهد المواطن الأردني ما يزيد عن عشرين حزبا مرخصا بين شعب لا يتجاوز ستة ملايين نسمة، بينما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى (أكثر من 450 مليونا) لا تعرف حياتها السياسية أكثر من ثلاثة أحزاب في كل دولة. فهل هذه مشكلة الدولة أم المواطنين الذين يتجمعون غالبا لمصالح شخصية فيشكلون أحزابا لا وجود جماهيري لها في الشارع، ويا ويل وزارة الداخلية إذا رفضت الترخيص لهذه الأحزاب الديكورية.

3 . ضرورة وأهمية الوصول إلى صيغة برلمانية أو تعديلات دستورية تسمح بأن يكون تشكيل الحكومة ورئاستها من الحزب الذي ينال الأغلبية في الانتخابات البرلمانية، كي تنتهي أيضا شماعة وضع كافة مسؤوليات التقصير على كاهل القصر والملك والديوان الملكي، وقد أشار الملك عبد الله الثاني نفسه مرارا إلى ذلك منبها للتوقف عن التستر بالملك والديوان الملكي فيما يرتكبه الآخرون من أخطاء. وكل هذا سينتهي ويتوقف عندما يكون الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية هو الذي يشكّل الحكومة، دون الحد من صلاحيات الملك، لأنّ الحكومة ورئيسها والحزب التابع له، كلهم تحت سيادة القانون والمسؤول عن حمايته وتطبيق صلاحياته هو الملك شخصيا. وبعد فترة ليست طويلة عبر الممارسة الديمقراطية الحرّة ليس مستحيلا أن يصبح المجتمع الأردني قادرا على تنظيم حياة حزبية أكثر نضوجا في كافة مجالات الحياة، يتم الوصول إليها عبر الصيغ البرلمانية كما في الدول صاحبة التجارب الديمقراطية العريقة التي تسير دوما نحو الأمام في التطبيق الميداني لهذه الممارسات.

هل هذه المطالب الجماهيرية ممكنة بدون عنف ربيع عربي؟
مقارنة بالأوضاع في العديد من الأقطار العربية، أستطيع القول نعم وذلك اعتمادا على الحقائق التالية التي أعتقد أنّ غالبية المواطنين الأردنيين يؤيدونني فيها:

1 . إنّ التعددية السياسية والحزبية مسموحة ومشرّعة قانونيا منذ العام 1989 .
2 . إنّ حرية التعبير المتاحة في الأردن لا يمكن وجودها في العديد من الأقطار العربية، وكم كان رائعا ومعبرا أن ينفذّ صحفيون أردنيون يوم الجمعة الثالث عشر من يناير اعتصاما تضامنيا مع وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق باسم الحكومة راكان المجالي، ردا على مذكرة برلمانية بعد أن وقع نحو 50 نائبا مذكرة لحجب الثقة عنه عقب تصريحات نسبت إليه بأنه تحدث عن انتخابات مبكرة بعد حل مجلس النواب. نحن تعودنا أن يكون الناطق الرسمي مجرد ببغاء لحكومته ودوما تحت مطرقة الكتاب والصحفيين، بينما هذه الحالة الخاصة براكان المجالي، تبشّر بأمل كبير في مجال حرية التعبير، خاصة أنّه التحق بالمعتصمين المتضامنين معه على خلفية تصريحات له اعتبر فيها أنّ هناك قوى شد عكسي تحاول إعاقة الإصلاح معتبرا أنّ حرق مقر الحركة الإسلامية في مدينة المفرق موجه ضد الحكومة أي ضد النظام والاستقرار وليس ضد الحركة الإسلامية التي كرّرت مرارا أنها ليست ضد النظام ولكنها مع إصلاحه. والجريء في موقف راكان المجالي كناطق رسمي باسم الحكومة أنّه رفض صراحة تصريحات أحد أعضاء مجلس الأعيان الذي قال في فورة غضب (أنّ بعض الصحفيين بحاجة للضرب بالقنوة) أي العصا الخشنة في اللهجة الأردنية. وهذا ما جعل تضامن الصحفيين الأردنيين مع ناطق رسمي باسم الحكومة خطوة غير مسبوقة في أي قطر عربي. ومما هو جدير بالملاحظة أيضا أنّ الحركة الأردنية المناهضة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي تمارس نشاطاتها بحرية كاملة لدرجة أنها أقامت حتى الآن ما يزيد على 95 اعتصاما في أيام الجمعة أمام مسجد الكالوتي في عمّان. فهل تسمح سلطات بشار الأسد بأي اعتصام أو احتجاج على ممارساته أو مباحثات والده ثم مباحثاته المباشرة في تركيا مع نفس دولة الاحتلال الإسرائيلي، أم أنّ تلك المباحثات كانت تهدف دعم المقاومة والممانعة؟.
3 . من يدّعي أنّ السجون الأردنية تخلو من التعديات مخطىء تماما، ولكن هذه التعديات وممارسات رجال الأمن في الأردن، لا يمكن مقارنتها بالسجون وممارسات رجال الأمن والمخابرات السورية والعديد من الأقطار العربية. لم أسمع عن مفقود في السجون الأردنية، بينما في السجون السورية حتى اليوم أكثر من 200 مفقود أردني منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، سبق أن أعلن المحامي الأردني هاني الدحلة أسماء 180 منهم. وكذلك المفقودون والسجناء الفلسطينيون واللبنانيون الذين هم ألآف غير معروف مصيرهم.

وكنتيجة أكرّر أن الأردن ليست جمهورية أفلاطون المثالية، ولكن تنفيذ الإصلاحات والآليات التي ذكرت أغلبها، سيجعله يتجاوز عنف الربيع العربي الذي عاشته وتعيشه أقطار عربية، وهذا سيؤهله لوضع أكثر أمنا واستقرارا ودعما دوليا كتجربة أوصلت المواطن الأردني لديمقراطية حقيقية بدون عنف وإسالة الدماء؟ نأمل ذلك ولكل حادث حديث.
[email protected]