ما تزال محاولات دوائر صنع القرار في الغرب تدفع باتجاه تصعيد الأجواء وإيهام الرأي العام العالمي بأن فصائل المقاومة الفلسطينية تسعى نحو التصعيد دوماً والعمل كمرتزقة لأجندات خارجية، تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة. فقد رأت قراءة استخبارية أمريكية أن حركة حماس تدفع الكيان الإسرائيلي نحو الخيار العسكري في قطاع غزة من أجل تحقيق أهداف سياسية وعسكرية لصالحها، على أساس أن هذه الحرب ستجذب حشودًا أكبر إلى الشارع، وسترغم النظام المصري على تقديم تنازلات تعني الكثير لها.
وأشارت القراءة الصادرة عن مدير مركز quot;ستراتفورquot; الاستراتيجي في واشنطن، جورج فريدمان، أن حماس تملك الوسائل نفسها التي كانت تملكها قبل الحرب على غزة نهاية 2008 والتي كان يملكها حزب الله قبل عام 2006. ويعد جورج فريدمان من أبرز رجالات الفكر السياسي الاستراتيجي والتكهن بالمستقبل في أمريكا، وهو العالم الاستراتيجي الأمريكي الأشهر، ومعروف بقربه من وزارة الدفاع الأمريكية.
ويرى فريدمان أنه على الرغم من أن صواريخ القسام المحلية وقذائف المورتر (الهاون) لا تُلحق أذى بـquot;إسرائيلquot; في عامة الأحوال، لكنّ بعضها يُصيب أهدافًا، وإطلاقها بشكل متواصل تحت أي ظرف يُؤجّج غضب الإسرائيليين، مشيرًا إلى حادثة سقوط صاروخ على مسافة 32 كلم جنوب تل أبيب. وعدّ الخبير الاستخباري الأمريكي في دراسته حول quot;تأثير الثورات العربية على حماس وإسرائيلquot; أن تواصل هذه الهجمات من غزة، إضافة إلى الهجمات من الضفة الغربية أيضًا quot;يوضح أن حماس تهيئ الظروف التي لا تترك للإسرائيليين خيارًا سوى مهاجمة غزةquot;.
وبحسب فريدمان، فإنه quot;مع تبدد زخم الانتفاضة المصرية ربما تُسهم حرب أخرى بغزة في إلهاب حماس وتُغريها باستخدام ما يمكن وصفه بالوحشية الإسرائيلية لجذب حشود أكبر إلى الشوارع، وإرغام نظام مصري ضعيف على تقديم تنازلات تعني الكثير لهاquot;.
وأكد أن مصر عنصر أساسي في حسابات حماس، وإذا تحولت القاهرة إلى نصير لها وعدو لـquot;إسرائيلquot;، فسوف يعود قطاع غزة لسابق عهده حربة مصوّبة نحو (تل أبيب)، مضيفًا أنه quot;لا شك أنه سيكون قاعدة عمليات وبديلاً مهماً لفتح، لكنّ اندلاع هذه الحرب سيكون نافعًا لحماس في إطار أعمّ من ذلك أيضًاquot;.
وأشار فريدمان إلى أن الحرب الأخيرة على غزة تُستخدم كرمز بالعالم العربي وأوروبا لإذكاء مشاعر العداء لـquot;إسرائيلquot;، لافتًا إلى تصريحات القاضي الأمم ريتشارد غولدستون عن تقريره حول هذه الحرب، عادًا هذا التراجع هزيمة لحماس. وأضاف quot;بعد اتضاح القرار الذي اتخذه المتظاهرون العرب بعدم التركيز على إسرائيل، وإخفاق الانتفاضة المصرية الواضح في إحداث تغييرات سياسية حاسمة، وتراجع غولدستون، يتبين أن حماس شعرت بأن فرصة قد ضاعت، وأن تغيرًا ربما يحدث في الرأي العام الغربي رغم أنه اعتبار ثانوي في نظرهاquot;.
ورأى فريدمان أن نصب نظام quot;القبة الحديديةquot; يُوفّر لـquot;إسرائيلquot; بعض الراحة النفسية، بيد أن هناك سنين تفصلها عن إكمال نشره، مشيرًا إلى أن فاعليته لم تتأكد بعد. كما اعتبر أن quot;تراجع غولدستون يمنح الإسرائيليين براءة بدرجة معيّنة توفر لهم حيزًا أكبر للمناورةquot;.
فريدمان اعتبر أنه إذا كانت أمريكا وأوروبا تُريدان من quot;إسرائيلquot; ممارسة ضبط النفس، فهما لا تستطيعان ضبط حماس، لذلك فإن اندلاع حرب أخرى ليس أمرًا مستبعدًا، وعليه فإن القرار الذي سيُشعل تلك الحرب في النهاية بيد الحركة. وأشار فريدمان إلى أن هناك تحولاً في نظرة تركيا إلى قطاع غزة طرأ منذ الهجوم على أسطول الحرية، موضحاً أن حرباً جديدة على غزة ستزيد علاقة تركيا بـquot;إسرائيلquot; تردّيًا، ويُحمّل مصر وتركيا على تبنّي موقف عدائي منها، مما سيُحسّن موقف حماس. وأضاف: quot;إذا استطاعت حماس إقناع حزب الله بالمشاركة في القتال على الجبهة الشمالية، ستُصبح إسرائيل في وضع عسكري مليء بالتحديات، وربما يدفع ذلك أمريكا التي تخشى انهيار نظام تحالفاتها الإقليمية إلى إرغام إسرائيل على الموافقة على تسوية لا ترتضيهاquot;.
ولفت الخبير الاستراتيجي إلى أن المظاهرات والثورات في العالم العربي لم تتمحور أي منها حول القضية الفلسطينية وquot;إسرائيلquot; بل quot;كانت قضية هامشية بالنسبة إلى المتظاهرين الذين آثروا التركيز على إسقاط حكامهم البغيضين. ورأى أن من أسباب ذلك التركيز على إسقاط الأنظمة، وربما أيضًا أن أغلب تلك الانتفاضات فشلت إلى هذه اللحظة على الأقل في إحداث تغيير جوهري، والقائمين عليها أدركوا أنهم بحاجة إلى الدعم الأميركي والأوروبي على الأمد الطويل، وفهموا أن إدراج quot;إسرائيلquot; في قائمة مآسيهم سيُضعف على الأرجح الضغطَ الغربي على أهداف انتفاضاتها.
وذكر أن العديد من قادة الانتفاضة المصرية مثلاً وثيقو الصلة بحماس لكنّهم تعمّدوا التقليل من شأن تلك العلاقة، مضيفًا أنهم quot;شديدو العداء لإسرائيل بالتأكيد لكنهم لم يرغبوا في أن تكون تلك قضية محورية، ولم يشأ هؤلاء القادة تنفير الجيش أو الغرب، ولديهم من الذكاء ما يكفي للسير بالأمور خطوة خطوةquot;.
شعبية حماس في العالم العربي لم تتبدد بعد، بحسب فريدمان، وإذا quot;استطاعت الجمع بين العداء التاريخي لإسرائيل والاضطرابات الحالية، ربما تتمكن من إحداث تغييرات في سياسات العالم العربي بأكمله لا في سياسات مصر فقطquot;، إلا أنه واهم فيما أنهى دراسته من أن الاكتراث بالقضية الفلسطينية لم يعد كما كان في هذه المنطقة.


....كاتب وباحث
[email protected]