في السابع والعشرين من شهر كانون أول ديسمبر قبل ثلاثة أعوام، صبت الآلة العسكرية الإسرائيلية جام حممها الغاضبة والباحثة عن آثار الجندي الأسير شاليط على كامل قطاع غزة، عسى أن يسهم حمم رصاصها المصبوب، كما سمت عمليتها آنذاك، في حل لغز اختفاء أسيرها ذي الأصول والجنسية الفرنسية.
ثلاثة أعوام خلت على حرب ضروس، لم ترتدع quot;إسرائيلquot; فيها عن استخدام كافة أنواع الأسلحة ومنها الأسلحة المحرمة والقنابل الفوسفورية الحارقة، لكسر إرادة الغزيين، لكنها فشلت. ووفقاً لما وثقته مراكز حقوقية، فإن عدد الشهداء الذي ارتقوا خِلال فترة العدوان وصل إلى ما يزيد عن 1450 شهيداً، بينهم قرابة 111 امرأة، و355 طفلاً. ومن ضِمن الشهداء 17 من المسعفين الذين استشهدوا أثناء تأديتهم مهامهم، في حين ارتقى 13 من عناصر جهاز الدفاع المدني خلال الحرب. وعلى صعيد حالات الإصابات، تم تسجيل أكثر من 5000 فلسطينياً، بينهم 205 حالة بتر، 149 حالة شلل، و447 حالة فقدان البصر والسمع، 134 حالة كسور.
وارتقى خلال الحرب 47 شهيداً من كتائب القسام، الذراع العسكري لحماس، و39 من سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي، و52 شهيداً من كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح، و13 شهيداً من كتائب المقاومة الوطنية، و17 من ألولية الناصر صلاح الدين، وشهيد واحد من كتائب أبو مصطفى التابعة للجبهة الشعبية.
وعلى صعيد تدمير منازل المدنيين، تراوح عدد المنازل المدمرة بين 3.500- 3.600، في حين دمر قرابة 50 ألف وحدة سكنية بشكل كامل، وقدرت الخسائر في مختلف القطاعات في غزة بملياري دولار.
لست أسعى من خلال الأرقام المتقدمة إلى إعادة التذكير بأرقام من لحم ودم وحجر عرف الغزيون قيمتها ومعناها، بل دق ناقوس الخطر بإمكانية إعادة الكرة ثانية مع نهاية هذا العام بأساليب وطرق مختلفة، ولغايات ومبررات أخرى.
رئيس مجلس الآمن القومي والجنرال المتقاعد quot;يعقوب عميدرورquot;، صرح أخيراً quot;يكفي أحلاماً، لن تحدث معجزة لحل النزاع الاسرائيلي الفلسطينيquot;، مضيفاً، quot;أن هناك من يعتقد أنه إذا فعلنا كل ما يطلب منا، فحينها ستُحل كل الأمور، هذا تفكير غير صحيحquot;. وتابع بقوله، quot;الوقائع على الأرض معقدة وليس هناك حلول أحادية الجانب ولن نستطيع التنازل عن المصالح الأساسية، لأنه لا يمكن أن نسمح بتحول الضفة الغربية إلى قطاع غزة ليصبح التهديد على إسرائيل على بعد فقط خمسة عشر كيلو متر وسبعمائة متر من مقر وزارة الخارجية الذي نجتمع فيه الآنquot;.
quot;عميدرورquot; كشف من خلال انتقاده لتصريحات الاتحاد الأوروبي مؤخراً حول الاستيطان في الضفة الغربية والقدس وأعمال quot;تدفيع الثمنquot; التي ينتهجها المستوطنون ضد الفلسطينيين، عن وجود سياسة شبه رسمية في الضفة للتضييق على الفلسطينيين قائلاً: quot;انظروا كيف تجري المظاهرات والاحتجاجات في القدس وتل أبيب، في دول أوروبا يتعاملون بطرق غير ديمقراطية مع هؤلاء المتظاهرين، ولكن الديمقراطية الإسرائيلية قوية وليس لدينا ما نخجل منهquot;.
أما العميد quot;تسفيكا فوغلquot;، رئيس مركز النار خلال عملية الرصاص المصبوب السيئة الذكر، فقد صرح أن الأمور في قطاع غزة تتجه إلى الأسوأ ولا تبشر بخير بالنسبة لإسرائيل، وأن جميع المعطيات تشير إلى أننا أمام تحد حقيقي يجب علينا مواجهته بجدية، على حد تعبيره.
العميد فوغل، وخلال لقاء مع إذاعة الجيش، بمناسبة مرور ثلاث سنوات على ذكرى الحرب على قطاع غزة، أضاف quot;إن حماس عززت قدراتها العسكرية، وأصبح من الواضح أن حماس تمتلك صواريخ من شأنها أن تصل إلى تل أبيب ومطار بن غوريون الدولي، أما فيما يتعلق بالدفاعات الجوية، فهناك وسائل لم تكن موجودة خلال عملية الرصاص المصبوب، وكذلك هناك تطور كبير في الوسائل القتالية ضد الدروع كماً وكيفاً، ولاسيما أن المنظومة الداخلية الفاعلة لديهم تعتمد على اتصالات مشفرة لا تكشف أماكن العمل وكذلك القدرة الاستخبارية لديهم تطورت بشكل ملحوظ، ويجب أن نتذكر أنهم ينتهزون منطقة سيناء كمنطقة لا نظير لها للتدريبات وجلب والوسائل القتاليةquot;.
ولفت فوغل إلى أن التغيرات التي تشهدها مصر أثرت سلباً على نشاطات الجيش الإسرائيلي في غزة، وقال quot;إنهم يعملون من قلب سيناء ونحن لا نستطيع أن نواجه دولة لنا معها علاقات دبلوماسية واتفاق سلام، ويجب ألا ننسى أن حركة حماس هي جزء من الإخوان المسلمين الأمر الذي من شأنه أن يدفعهم إلى تجاهل كل ما تقوم به حماس في سيناءquot;.
ومع عزف الجيش الإسرائيلي على وتر تصاعد التهديدات القادمة من غزة، ومحاولته جس نبض حركة حماس في غزة بعد المصالحة، وربما لإفشالها، من خلال التصعيد المدروس لهجماته على غزة بين الفينة والأخرى، تظل ملفات ما بعد العدوان الأخير على غزة، كالحصار وإعادة الإعمار ومتابعة نتائج تحقيقات القاضي الجنوب إفريقي غولدستون، في طي النسيان في ظل انشغال الجميع بملفات أخرى على رأسها المصالحة الوطنية والانتخابات وإصلاح منظمة التحرير والمعتقلين السياسيين.
وفي ظني، أن سعي الكيان الإسرائيلي لجسّ نبض حركة حماس، ومدى قوة أو هشاشة المصالحة الفلسطينية، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الإقليمي والربيع العربي المتفجر من حول الكيان الغاصب، كلها عوامل ربما تدفع الجيش الإسرائيلي إلى القيام بعمل عسكري quot;محدودquot; ترتبط شدته بردة الفعل الفلسطينية، من جهة، وبالظروف والعوامل الإقليمية، والترتيبات والتسويات المحتملة مع بعض الدول التي تشهد حراكات شعبية، من جهة أخرى.

كاتب وباحث
[email protected]