يتردد في الآونة الأخيرة كثيراً مصطلح المقاومة الشعبية، وهو مصطلح يبدو في ضبابيته وعدم اتضاح المراد منه مقصوداً، من وجهة نظر البعض، لتمرير نقاط للتوافق بين حركتي فتح وحماس، بعد اتفاق المصالحة الأخير الذي رعته القاهرة.
فيما يرى البعض الآخر أن مصطلح المقاومة الشعبية بمقارنته وموازاته بمصطلح المقاومة المسلحة، يفصح عن حجم التباين بين الاثنين، ويوضح ماهية وجوهر المقصود بالمقاومة الشعبية، في ظل قدم استخدام مصطلح المقاومة الشعبية من قبل بعض التيارات والفصائل الفلسطينية، واستخدامه في بعض الحالات في مواجهة جدار الفصل العنصري، ونضال أهلنا في بلعين بالذات ضده.
ومع عودة عجلة الاجتماعات بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي وممثلي الرباعية الدولية، في ظل رفض فصائلي لتلك الاجتماعات، وتحت وطأة تهديد رئيس السلطة محمود عباس للمجتمع الدولي باتخاذ إجراءات خطيرة، ليس من بينها، بطبيعة الحال، إعلان انتفاضة جديدة على حد قوله، يبرز مصطلح المقاومة الشعبية لينال حظه من البحث والتمحيص والتدقيق.
بين المقاومة الشعبية والمقاومة المسلحة، هل من مقاربة بينهما.. ومن يجريها؟ ما هو رأي الشعب الفلسطيني بها؟ وكيف يردع العدوان الصهيوني المتواصل على شعبنا؟.
لقد أثبتت المقاومة الشعبية الفلسطينية نجاعتها، وشكلت عاملاً رادعاً لاعتداءات الاحتلال ومستوطنيه رغم حداثة عهدها، كما شكلت صمّام أمان لكثير من المواقع والبلدات الفلسطينية في صد هجمات المستوطنين واعتداءات جنوده التي تنوعت أشكالها بين القتل والحرق والقلع.
واستطاعت هذه التجربة أن تحقق إنجازات كبيرة على الأرض، وأن تكشف جرائم الاحتلال وتفضحه محلياً ودولياً، لاسيما أنها استقطبت حركات تضامن دولية واسعة، وعززت تواصل المواطن مع أرضه.
تعود شرارة المقاومة الشعبية عام 2002 مع بدء الاحتلال ببناء الجدار الفاصل، واستمدت نجاحها من إرث الانتفاضة الأولى عام 1987. وحققت المقاومة الشعبية الصمود للمواطنين على أرضهم، وانتقلت رقعتها من موقع أو اثنين لتصل 35 موقعاً، كما جذّرت العمل المقاوم البسيط واللامركزي quot;الذي تتخذ قراراته في كل موقع دون إذن مسبق.
وتنوعت أشكال المقاومة الشعبية بين الرصد والتوثيق والصد المباشر لاعتداءات الاحتلال، وحتى مقاطعته اقتصادياً وثقافياً، والتظاهر السلمي بالمناطق التي يتهددها الاستيطان، وإطلاق quot;لجان حراسة شعبيةquot; لصد هجمات المستوطنين لاسيما التي تتعلق بحرق المساجد والحقوق الزراعية. ولقيت هذه اللجان دعماً رسمياً فلسطينياً، وتمثل نجاح المقاومة الشعبية بانخراط كافة الفلسطينيين فيها، واستغلال كافة طاقات المجتمع لمواجهة الاحتلال وسياساته الاستيطانية.
والحال أن عودة بعض فصائل المقاومة الفلسطينية التي تولت مهام الكفاح المسلح إلى إعادة طرح مشروع المقاومة الشعبية التي تضمن أيضاً المقاومة السلمية، أمر ليس غريب عن البرنامج النضالي لتلك الحركات المقاومة!؟، فحركة المقاومة الإسلامية (حماس) قبل تبنيها العمل المسلح كانت على تقوم على العمل الدعوي والسلمي في مواجهة المحتل حتى اندلاع أعمال الانتفاضة الأولى وتشكيل الجناح السياسي والعسكري للإخوان المسلمين في فلسطين، إلا أن ظروف الحديث الحالي عن العودة إلى تبني هذا النهج يطرح أكثر من علامة استفهام عن توقيته والغاية منه، وهي أسئلة برسم الداعين إلى هذا الأسلوب من الكفاح الشعبي، بعد سنوات من اعتماد العمل المسلح!؟

... كاتب وباحث
[email protected]