أثار اختيار الفريق أول السوداني محمد أحمد الدابي رئيسا لبعثة المراقبين العرب في سوريا موجة عارمة من النقد والاستياء، التي ركزت في الغالب على ماضي هذا الرجل وبالتالي استنادا لذلك، اعتمدت العديد من المصادر توجه عدم إمكانية ضمان حياديته في رصد الجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوري منذ قرابة تسعة شهور حيث سقط ما يزيد على خمسة ألآف قتيل في غالبية المدن السورية خاصة مدينتي حمص وحماة.

خلفية عدم ضمان حياديته
لقد ركزت غالبية المصادر التي تحثت عن عدم إمكانية ضمان حياديته على ماضيه العسكري في الجيش والنظام السوداني الحالي الذي سيطر عليه عمر حسن البشير بانقلاب عسكري عام 1989 ضد حكومة إئتلاف ديمقراطي كان يقودها الصالح المهدي. وطوال حكم عمر حسن البشير كان الفريق محمد أحمد الدابي عنصرا أساسيا في نظامه خاصة عندما أصبح في عام 1995 المدير العام لجهاز الاستخبارات العسكرية، وبعد ذلك تمّ تعيينه مديرا لجهاز الأمن الخارجي، ثم نائبا لرئيس هيئة الأركان للعمليات العسكرية برتبة فريق، وفجأة يحال على المعاش لمدة ثلاثة أعوام، ولحاجة عمر حسن البشير لخدماته العسكرية أعاده للقوات المسلحة عام 2000 ، ليرسل سفيرا للسودان لدى دولة قطر حتى عام 2005 . وعقب ذلك تسلم ملف النزاع في دارفور، وكان أحد المفاوضين مع فصائل دارفور المتمردة في تلك المفاوضات التي رعتها دولة قطر.

علاقته بمحكمة الجنايات الدولية
من المعروف أنّ محكمة الجنايات الدولية في مدينة لاهاي الهولندية المتخصصة في النظر في الجرائم بحق الإنسانية، كانت قد اصدرت قرارا في مارس 2009 بجلب الرئيس السوداني عمر حسن البشير لمحاكمته بتهمة ارتكابه جرائم بحق الإنسانية في إقليم دارفور، ومن الحيثيات التي يعتمد عليها المشككون في نزاهة وحيادية الفريق محمد الدابي، هي أن المطلوب دوليا الرئيس عمر حسن البشير عيّن محمد الدابي منسقا وطنيا للحملة السودانية المناهضة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1591 الذي فرض عقوبات على عدد من المسؤولين السودانيين المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم بحق الإنسانية وجرائم حرب في إقليم دارفور. وسؤال المعترضين والمشككين في حيادية ونزاهة الدابي هو: كيف يقبل أن يكون منسقا لحملة ضد قرار دولي يتعلق بجرائم مثبتة لدي العديد من المرجعيات السودانية والعربية والدولية؟.

وهل الدابي أحد المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية؟
أثير هذا السؤال المهم فور إعلان الجامعة العربية عن تعيينه رئيسا لبعثة المراقبين العرب في سوريا، وكان أول المؤكدين والمعلنين لذلك هو عبد الكريم الريحاوي رئيس الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان ومدير مركز quot;لاهايquot; لملاحقة المجرمين ضد الإنسانية في سوريا، حيث أعلن صراحة، في الثالث والعشرين من ديسمبر 2011 ما نشرته العديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية (أنّ الفريق أول الركن محمد أحمد الدابي رئيس البعثة العسكرية للمراقبين العرب التي ستتوجه لدمشق غدا للتحضير لتطبيق اتفاقية المراقبين مطلوب للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية إبان عمله في دارفور). وما جعل العديد من وسائل الإعلام والجهات العربية والسورية تأخذ تصريحه هذا على محمل الجد أنّه يعمل في quot;لاهايquot; مقر محكمة الجنايات الدولية، وما كان يجرؤ على نشر هذه المعلومة لولا تأكده منها وإلا لسارعت المحكمة لنفي ما قاله. وأضاف الريحاوي في تصريح نشره quot;المكتب الإعلامي للثورة السوريةquot; قائلا: quot;من المنطقي وفقا لتاريخ الدابي وباعتباره متهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ومطلوبا للمثول أمام العدالة الدولية، ألا يكون محايدا وأن يتعاطف مع من يماثلونه في موقفه القانوني. لذلك لن يكون مستغربا أن يؤيد أو يتعاطف مع النظام السوري وأتباعه الذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية على مدار الساعة في سورياquot;. وطالب الريحاوي بعد رفضه لقيام محمد الدابي بهذه المهمة ضرورة تسمية بديل يملك سجلا ناصعا في مجال احترام حقوق الإنسان، معلنا أنّه في حال عدم إسناد هذه المهمة لشخص آخر سوف يقوم بملاحقة الدابي قانونيا أمام الجهات الدولية المختصة.

أما صحيفة الأخبار اللبنانية،
المقرّبة من حزب الله ويرأس مجلس إدارتها ومديرها المسؤول السيد إبراهيم الأمين، فقد نشرت في عددها رقم 1593 يوم الجمعة الثالث والعشرين من ديسمبر 2011 ، ضمن مقال بقلم (مي محمد) بأنّ محمد الدابي (رجل قوي في نظام عمر البشير، وكوّن خبرته العسكرية في إقليم دارفور تحديدا). كما ذكرت (وهو مرادف اسمه الأخير quot;الدابيquot; الذي يعني بالعامية السودانية Snake لذلك يطلق عليه زملاؤه في الجيش لقب ثعبان). وترى جريدة الأخبار في المقال ذاته (توافقت اللجنة الوزارية العربية على اختيار رئيس فريق المراقبين من السودان بعد موافقة الدول الخمس الأعضاء في اللجنة التي ترأسها قطر. ويبرّر المتحدث باسم الخارجية السودانية، العبيد أحمد مروح، في حديثه لquot;الأخبارquot;، تعيين رئيس فريق المراقبين من السودان، باّنّ الخرطوم لا تزال لديها المقبولية لدى النظام السوري). فهل هذا القول شهادة على حياديته أم طعن فيها كونه مقبول من النظام السوري؟.

واعتراضات غربية على اختياره
لم تقتصر الإعتراضات الشديدة على تعيين الفريق السوداني محمد الدابي رئيسا لبعثة المراقبين العرب على الشخصيات والمنظمات العربية. فقد أوردت وكالة رويترز للأنباء يوم التاسع والعشرين من ديسمبر 2011 تصريحا للبروفسور quot;أريك ريفزquot; في كلية سميث كوليدج الأمريكية الذي درس شؤون السودان قائلا: (إنّ اختيار فريق سوداني مؤشر على أنّ الجامعة العربية ربما لا تريد أن يصل مراقبوها لنتائج تجبرها على القيام بتحرك أقوى. إنّ هناك سؤالا أوسع وهو لماذا تختار شخصا يقود هذا التحقيق في حين أنه ينتمي لجيش مدان بنفس نوعية الجرائم التي يجري التحقيق فيها...أعتقد أنّ فريقا بالجيش السوداني سيكون آخر شخص في العالم يعترف بهذه النتائج حتى لو وجدها ماثلة أمامه. ليس لهذا أي معنى إلا إذا كنت تريد صياغة ما يتم التوصل إليه بطريقة معينة. يريدون صياغته بأساليب تقلل من الالتزام بالقيام بأكثر مما هو قائم بالفعل). أمّا الباحثة المتخصصة في الشؤون السودانية في منظمة هيومان رايتس ووتش quot;جيهان هنريquot; فقد صرّحت لرويترز أيضا مذكرة ب (أنّ الدابي بوصفه رئيسا للمخابرات العسكرية السودانية في التسعينات من القرن الماضي كان بالتأكيد في موقع يتيح له أن يعرف ماذا كانت أجهزة الأمن تفعل حينذاك...بما أننا نحن وآخرون وثقّنا تقارير من هذه الفترة، كانت أجهزة الأمن ضالعة في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان مثل الاعتقالات التعسفية واعتقال النشطاء السياسيين وإساءة معاملتهم وتعذيبهم..إنّ زعماء المتمردين اتهموا الدابي بارتكاب انتهاكات في دارفور، غير أنّ الدابي لم يكن من الشخصيات التي ربطت منظمة هيومان رايتس ووتش بينها وبين انتهاكات محددة وثقتها في أبحاثها).
وقد أكّدت منظمة العفو الدولية (أنّ قرار الجامعة العربية تكليف فريق بالجيش السوداني ارتكبت في عهده انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان برئاسة بعثة المراقبين العرب يقوض جهود الجامعة حتى الآن ويضع مصداقية البعثة محل شكّ بالغ). وكذلك منظمة quot;إيناف بروجكتquot; الأمريكية فقد ندّدت بوجود ضابط سوداني ضالع في الحرب الأهلية وفي نزاع دارفور على رأس بعثة المراقبين العرب التي كلفت بمراقبة الوضع في سوريا). مذكّرة باّن (جرائم حرب بينها إبادة ارتكبت في دارفور في الفترة التي كان يقود فيها هذا الضابط الاستخبارات السودانية). وكل هذه التقارير والتصريحات الغربية تدعم ما صرّح به عبد الكريم الريحاوي في لاهاي.

وعلى الأرض بداية لا تبشر بالحيادية
وقد كان أول تصريح للفريق محمد الدابي رئيس البعثة العربية غير داعم لحياديته المتوقعة، فقد صرّح يوم الأربعاء الثامن والعشرين من ديسمبر 2011 ب (أنّ الوضع في مدينة حمص مطمئن)، هذا في الوقت الذي رصدت فيه منظمات حقوق الإنسان السورية مقتل ما لا يقل عن أربعين مواطنا، مؤكدة أنّ النظام السوري قام بسحب الدبابات والمدرعات من مدينة حمص قبل وصول المراقبين العرب إليها، ليعيدها بعد خروجهم من المدينة. كما أنّ العديد من الشهادات الميدانية السورية تشير إلى أنّ النظام قام بنقل مئات من المعتقلين السياسيين إلى معسكرات عسكرية لأنه حسب البروتوكول الموقع ليس من حق بعثة المراقبين العرب زيارة مناطق عسكرية، كما أنهم يحتجون على مرافقة ضباط من جيش النظام للبعثة يوجهونها للمناطق التي ستزورها والمناطق التي لا تزورها بحجة أنّها مناطق عسكرية.

ضمن تلك المعطيات والحقائق الموثقة والمسندة لمصادرها، يظل السؤال مطروحا: هل يمكن ضمان حيادية ونزاهة الفريق السوداني محمد أحمد الدابي في مراقبته للوضع في سوريا، خاصة أنّ ثورة شعبها منذ تسعة شهور المطالبة برحيل النظام لم تعد مجرد شائعات أو أحلام أو مؤامرات. ورغم إيرادنا لهذه الحقائق المسندة لمصادرها نتمنى أن تتمكن البعثة العربية من رصد الجرائم التي لم تعد سرا بل وثقتها جهات سورية وعربية ودولية.