بدأت عملية التصويت في الانتخابات في مصر منذ أسبوعين ndash; لا يزال هناك الكثير من التصويت الذي يجب أن يجري حتى تستكمل الانتخابات البرلمانية. ولكن للمرة الأولى في حياة الكثيرين من الناس كان التصويت هاما فعلا. تراصت الطوابير المنظمة (نعم، طوابير في مصر ndash; العجائب لن تتوقف أبدا)، وقف الجنود، يدردشون أحيانا. زار الدبلوماسيون والمنظمات غير الحكومية الدولية اللجان الانتخابية وتم الترحيب بهم فيها. كانت مصر قد نهضت بأعجوبة من أزمة أحداث العنف المريعة التي وقعت في التحرير في الأسبوع السابق. وكانت عملية التصويت كثيفة جدا لدرجة أن اللجان الانتخابية تم فتحها لمدة يومين. أسعدني الحظ بالتواجد عند لجنة انتخابية مساء اليوم الثاني في الوقت الذي كانت فيه الأبواب تغلق.
بالرغم من أنها كانت سيدة عجوزا محنية الظهر ذات بشرة ذابلة، فقد كانت روحها قوية. استندت السيدة إلى عكازها ومشت بتثاقل حتى وصلت إلى البوابة الحديدية المغلقة للجنة الانتخابية وخبطت عليها، متجاهلة الجنود ورجال الشرطة الواقفين لحراسة المكان. أعلنت بصوت ضعيف خشن quot;عمري 93 سنة، وقد جئت من المستشفى لأدلي بصوتي. لقد انتظرت طوال عمري للقيام بذلك، ولن تحرموني من ذلك الحق الآنquot;. بقيت الأبواب مغلقة أمام استعطافها ولكن كان هناك صوت تشاور هامس يصدر من الداخل. بدأ حشد صغير من الناس يتجمع. فتحت البوابة وخرج منها ضابط:
quot;اللجنة الانتخابية مغلقة ولا يسمح لأي شخص آخر بالدخول الآنquot;.
كنا نرى مجموعة من الناس بالداخل، فاحتجت السيدة العجوز قائلة:
quot;من هؤلاء الذين بالداخل؟ لماذا يستطيعون التصويت ولا أستطيع أنا؟quot;
quot;لقد دخلوا قبل إغلاق البوابات، ولم يصوتوا بعدquot;
ردت بسرعة quot;إذن، لم تختم صناديق الاقتراع بعدquot;
quot; لا، ولكن اللجنة الانتخابية أغلقت في الساعة السابعة مساءاquot;
لم تكن السيدة العجوز لتسكت
quot;ليس هذا ما يقوله الراديو، ليس هذا ما تقوله الصحف. ولا يهمني ما تقوله أنت، لقد جئت هنا للإداء بصوتي. أريد أن أدلي بصوتي. لقد أصبح لصوتي أهمية الآن. يمكنني أن أصنع فرقا. أرجوك، أتوسل إليك، دعني أصوتquot;.
سرت بين المجموعة الواقفة همهمة من الموافقة والتأييد. دفع الضابط البوابة فاتحا إياها:
quot;تعالي أدل بصوتك، لقد جعلتني فخورا بكوني مصرياquot;.
لا أعلم من كانت هذه السيدة العجوز، ولا لمن صوتت، ولكنها كانت في هذه اللحظة مثالا لكل ما هو جيد في الجولة الأولى من الانتخابات: لقد جعلت مناشدتها عينيّ تدمعان وشعرت بتواضع ذاتي من قوة رغبتها: كانت وقورة ومصممة، تدرك أهمية اليوم وتصر على القيام بدورها فيه.
لقد أدليت بصوتي دائما في الانتخابات (باستثناء واحد فقط) منذ أصبحت قادرا على ذلك، حتى عندما كان مقر عملي خارج البلاد. إنه شيء أفخر بالقيام به (وأنا أحب السياسة، مما يجعل الأمر سهلا). ولكن التصويت الحر في المملكة المتحدة جزء طبيعي من مجتمعنا لدرجة أننا نعتبره أمرا مسلما به، وغالبا ما لا نقدر الكفاح الذي لا يصدق الذي مر به أجدادنا من أجل كسب هذا الحق لنا. نحن محظوظون لأنه أمر طبيعي بالنسبة لنا أن نستطيع اختيار قادتنا لدرجة أننا أحيانا ننسى كم هو شيء رائع ndash; ميزة يحرم منها الكثير من الناس في أنحاء العالم. جعلتني الانتخابات التي بدأت هنا في أواخر نوفمبر أفكر في انتخابات تاريخية أخرى شهدها العالم ndash; جنوب أفريقيا بعد نهاية نظام التفرقة العنصرية، أو الانتخابات التي أجريت عبر أنحاء أوروبا الشرقية بعد سقوط سور برلين، أو التصويت الذي أجري في أندونيسيا بعد سقوط سوهارتو. قارنت ذهنيا جو الفرحة الغامرة الذي صاحب تلك الانتخابات مع الحماس الذي رأيته في اللجان الانتخابية يومي 28 و29 نوفمبر.
أجريت تلك المقارنة عمدا، لأن غياب الفرحة الغامرة ربما يكون أحد أكثر الأشياء بروزا في اللجان الانتخابية الأربعة التي زرتها في نهاية نوفمبر. شعرت بأنه كان في مكانها روح من التصميم الهادئ على جعل التضحيات المبذولة منذ 25 يناير سببا لشيء إيجابي. لقد غيرت الشهور التي مرت منذ ذلك الوقت طبيعة الحوار السياسي هنا. أصبح النقاش حرا، وأصبح الاهتمام بالسياسة على مستوى جديد. كل شخص يريد التحدث عن المستقبل؛ كل شخص له رؤيته الخاصة. إن هذه الرقعة الواسعة من الآراء هي ذاتها من جوانب عدة التي تجعل الوصول إلى تسوية سياسية أمرا صعبا: قد يعني ذلك أنه أصبح من الأصعب حكم مصر. يدرك الناس الآن أنه يــجــــب أن تكون لهم كلمة في الكيفية التي تحكم بها بلدهم وأنهــم الذين يجب أن يختاورا من يحكم البلد. وكان هذا مغزى يومي 28 و 29 نوفمبر: أن يستغل الناس هذا التغيير استغلالا كاملا.
وبينما كنت أقف، أتأمل في ذلك وأدردش مع الناس في الشارع أمام البوابة الحديدية للجنة الانتخابية ظهرت السيدة العجوز مرة أخرى، تلوح بأصبعها الملطخ بالحبر في الهواء: كإشارة للنصر. ربما تكون قد انتظرت طوال عمرها من أجل ذلك ولكنها قد ساعدت أخيرا، بطريقتها، على صنع الفرق الذي تاقت إليه كثيرا.
نائب السفير البريطاني في مصر
التعليقات