مؤذن المسجد المجاور للسفارة له صوت رائع، وبينما كنت أغادر العمل الليلة الماضية واستعد للجري متوجها إلى منزلي عبر مرور القاهرة، كان يدعو الناس لصلاة العشاء. ارتديت حذاء الجري وضبطت ساعة التوقيف (الستوب واتش) الخاصة بي وتأملت كيف أن صوت الأذان بالنسبة لي هو صوت يرتبط جوهريا بالشرق الأوسط وكيف أن نداءه الثابت قد انطلق خمسة مرات كل يوم لمدة 1400 سنة. بالنسبة لي تعتبر رسالة quot;الله أكبرquot; تذكرة مريحة بكون الله لا يتغير، ركيزة للاستمرارية والاستقرار في زمن متغير ومليء بالتحديات والتعقيدات.
بينما كنت أجري على كوبري قصر النيل، أملأ رئتيَ بقدر آخر من رائحة القاهرة، رائحة السيارات والخيول، أخذت أنظر إلى النيل وهو يجري بلا راحة تحت الأعمدة، حسبت المرات التي رُفع فيها الأذان ووجدت أنها أكثر من 2 مليون و 500 ألف منذ أول مرة رفع فيها وأنه منذ أول مرة سمعته فيها في عام 1989 قد رفع أكثر من 40 ألف مرة. خطر ببالي أيضا كيف أن النيل هو وجه مصر غير المتبدل. لقد تدفق في مجراه لقرون لا تحصى، مرت آلاف الأعوام وهو يتدفق في نفس الاتجاه في تيار ثابت من المياه المانحة للحياة. ولكن النيل في الواقع ليس بلا تغير. في صباح بعض الأيام أثناء قيادتي للدراجة متوجها إلى العمل يكون سطحه أزرقا هادئا منبسطا وعاكسا كالمرآة، وفي أيام أخرى يكون متكدرا وغاضبا ورماديا وباردا. في بعض الأوقات يكون مستواه أعلى من أوقات أخرى عندما تصل مياه الفيضان من الصعيد. وهكذا فصحيح أن النيل غير متبدل ولكنه لا يظل بنفس الشكل يومين على التوالي.
واصلت سيري في الظلام الذي أخذ يحل، متفاديا عربة يجرها حصان كانت قد طلعت إلى الرصيف، وأخذت أفكر في هذه المدينة. لقد تغيرت القاهرة كثيرا منذ أول مرة جئت فيها إلى هنا. أصبحت الآن أكبر، كيانا متناميا ومترامي الأطراف يقبع على مساحة دائمة التزايد من النيل ويمتد إلى داخل الصحراء ليحيط بالأهرامات التي كانت تقف لقرون طويلة في عزلة شامخة؛ أصبحت المدينة أكثر تلوثا واتساخا ولكن جاذبيتها المغناطيسية وسحرها وإبهارها لم يقل توهجا. ثورة 25 يناير غيرتها أيضا. الشحاذون، الذين كان من النادر رؤيتهم في وسط المدينة قبل فبراير الماضي، يقفون الآن عند تقاطعات كثيرة؛ عربات الفشار تصطف على الكباري. العيون الفارغة لحطام مبنى الحزب الوطني الكالح المحروق تشهد بلا كلام على التغيير الحاد الذي أحدثته ثورة 25 يناير بمصر. ولكن بعض الأشياء لم تتغير: لا يزال أزواج من المتحابين يقفون شابكي أيديهم على الكباري، يحملقون في النيل أو يتمشون ببطء في طريقهم لتناول العشاء؛ الشوارع المكتظة تسدها السيارات المنتظرة لدخول نادي الجزيرة أو العثور على مكان للركن بجوار مركب الباشا في الزمالك.
وبينما أخذت أناضل لمواصلة سيري على الرصيف، أتفادى القطط الضالة، وألهث أكثر فأكثر، تذكرت آخر ليلة لي بلندن قبل المجيء إلى هنا لشغل وظيفتي الجديدة. كم كنت قلقا، كم كنت مهموما بما إذا كانت الحياة الجديدة ستنجح أم لا. لقد أدركت أنه لم يكن العمل هو الذي يخيفني ولكن التغيير في حد ذاته. إن القديم المألوف مريح: والجديد كثيرا ما يكون مخيفا. تعتبر مصر الآن، من جوانب كثيرة، في هذا الوضع الجديد الباعث على الخوف. الأشياء المألوفة القديمة ذهبت أو تذهب الآن، وفي أثناء ذهابها نمد أيدينا إلى مساند مألوفة، إلى أشياء لم تتغير، ونتعلق بها.
ولكن التغيير، أو الشيء الجديد، أكثر كثيرا من مجرد باعث على الخوف: إنه تحدٍ، إنه فرصة للقيام بالأشياء بطريقة جديدة. والحيلة في مواجهة هذا التحدي هي أن تقرر أي أجزاء من الماضي شديدة الأهمية لدرجة أنه لا يمكن الاستغناء عنها؛ وأي أجزاء من الماضي يجب تكييفها لتتمشى مع الواقع الجديد؛ وأي أجزاء من الماضي شديدة الاعوجاج والتكسر وانعدام النفع لدرجة تجعل من الضروري قذفها في ساحة مخلفات التاريخ بدون نظرة إلى الوراء.
أتذكر عندما كنت أجلس مع جدي المسن في أحد القطارات. طلب جدي أن نتبادل الأماكن بحيث لا يكون وجهه في اتجاه سير القطار. قال جدي quot;أنت صغير، يجب أن تكون متجها إلى الناحية التي أنت ذاهب إليها، أما أنا فعجوز وأحب أن أرى الأماكن التي كنت فيهاquot;. وفي بناء مصر الجديدة، سيكون التحدي الأكبر هو المزج الصحيح بين تذكرأين كنا ورؤية إلى أين نحن ذاهبون.

توم ريلي نائب السفير البريطاني في مصر.