في عطلة نهاية الأسبوع ركبت مترو الأنفاق متجها إلى المعادي. أحب ركوب المترو في القاهرة ndash; لا سيارات تسير بطريقة مجنونة و لا نفير سيارات. إنها وسيلة سريعة وكفوء ورخيصة. أثناء صعودي إلى عربة المترو لاحظت شابا ورائي تماما يحمل حقيبة ضخمة. ركبنا سويا وجلس على حقيبته على الأرض، تماما كما فعلت أنا ألف مرة من قبل في لندن.
شيء في هذا الشاب أثار فضولي. كان الشاب يبتسم ابتسامة عريضة لنفسه كأنما يكتم ضحكته على نكتة ما. بعد أن تحرك القطار، رفع الشاب رأسه وابتسم ابتسامة مفزعة للعربة بأكملها. تنحنح الشاب مرتين وكأنه يستعد للحديث. ثم قال بصوت مرتفع: quot;سلامه عليكمquot;. كرر ذلك ثلاث مرات. ثم وقف وأمسك بأحد المقابض وصاح quot;يا مصريين، احموا بلدنا، هناك خطر ينتظرنا. احموا بلدنا. تذكروا: ارفع رأسك فوق، انت مصريquot;. انطلقت العربة كلها في جولة من التصفيق الحار بينما غادر الشاب المترو في المحطة التالية.
كنت لا أزال أفكر في ذلك الرجل عندما بدأت الأخبار تصل عن وقوع عنف في التحرير يوم السبت. قدت دراجتي عبر التحرير صباح الأحد في طريقي للعمل. كان شاغلوه مجموعة غير منظمة مؤلفة من أناس مختلفين: عيونهم غائمة من عدم النوم؛ وجوههم حمراء من تأثير الغاز المسيل للدموع؛ ذقونهم غير محلوقة، يرتدون كمامات طبية على أفواههم وأنوفهم. سألوني وهم مرتابون في: quot;من أنت؟ ماذا تريد؟ من أين أنت؟quot;. صنع دوي طلقات الغاز المسيل للدموع المطلق نحونا موسيقى خلفية غير مريحة. كانت الأرض مغطاة بالأحجار والزجاج المكسور وبلاط الأرصفة المكسر. الشباب يطوف بأنحاء المكان في حالة من عدم اليقين. المزاج السائد هو العصبية والارتياب وعدم التأكد والخوف: خوف أكبر مما عرفت في التحرير من قبل. ملأ الغاز المسيل للدموع الهواء، مرت مجموعة من الشباب بجانبي يرفعون صديقا تسيل الدماء من ملابسه، صاحوا وهم يجرون quot;بيضربوا نارquot;. تفرق الحشد. وواصلت سيري إلى السفارة.
عدنا مرة أخرى الساعة 11:15، الميدان قريب جدا من السفارة ويجب علينا أن نعرف ما يحدث. كان هناك عدد أكبر من الناس في الميدان. المزاج أقل يأسا. أكثر تحديا. انطلق الناس في اتجاه وزارة الداخلية. ردت الشرطة بوابل وراء وابل من الغاز المسيل للدموع. وقفت مجموعة من الشباب عند الناصية يدقون على الدرابزين بعصي معدنية. جاب الحشد المكان بغير هدى، يجرون من دوي الرصاص المطاطي ويلهثون تحت سحب الغاز المسيل للدموع. لزمنا السور وسرنا حتى نهاية المحتجين وعبر صفوف الشرطة. لم استطع إلا أن أشعر بالتعاطف معهم (لقد بدوا صغارا غير مدربين وخائفين للغاية. متوترين وغير مستعدين: موضوعين في موقف غير مؤهل للفوز بواسطة رؤسائهم). ولكن التعاطف تبدد من وحشية العنف الذي أوقعوه بالمتظاهرين بعد ذلك بساعات. لم تكن قوات الجيش مرئية في أي مكان.
أثناء سيرنا عائدين إلى السفارة، وجدت نفسي أفكر في الرجل الذي كان بالمترو. هناك خطر موجود: هذا الأمر واضح تماما في الشوارع المحيطة بالتحرير: الناس يحمون ميدانهم، رمز ثورتهم: بلدهم تحتاج للحماية. ولكن من ناحية أخرى، ليس واضحا بنفس القدر ماالذي تحتاج البلد للحماية منه، أو ما هو الحل. الخطر لا يمكن تحديده كميا بسهولة، خطر ربما يكون غير ملموس. ولكن ربما لنضع له اسما: خطر الانجراف، خطر الشلل: فشل القيادة (لا يوجد قادة جدد يخرجون من تحت الأنقاض: لقد خنق نظام مبارك الحياة السياسية وقضى على الخبرة السياسية التي تحتاجها البلد). الاقتصاد يتعثر، والعملية السياسية تترنح. ولا توجد أجوبة سهلة. قد تنتهي المواجهات العنيفة بتوفير عذر لتأجيل العملية الديمقراطية؛ قد تزيد المجال لانتهاك حقوق الإنسان؛ تغلق المساحة المتنامية للمعارضة والنقاش؛ تضيف أسماء أخرى إلى قوائم المصابين وصفحات المتوفين.
سوف تقدم العملية الديمقراطية الإجابات في نهاية المطاف، بينما يتعلم الناس الاتفاق والاختلاف والاتفاق على الاختلاف بهدوء. ولكن حتى ذلك الحين، سوف يتطلب الأمر الصبر وثبات الأعصاب والضغط السلمي المستمر لضمان سير عملية الانتقال إلى الأمام بثبات وتحقيق الأمل الذي من أجله قدمت تضحيات يناير وفبراير: ألا وهو المستقبل الأفضل.
توم ريلي، نائب السفير البريطاني في مصر