شيء مفرح حقا أن تكون هناك دعوة لميثاق شرف بين ساسة العراق، المختلفين على كل شيء، والمتصارعين بلا هوادة. وميثاق كهذا كان يجب التفكير به منذ مؤتمر لندن عام 2002، عشية الحرب، أو حال سقوط النظام السابق.
وإذ نقول هذا، فإن مواثيق الشرف السياسية، مهما كانت دقيقة ورائدة، لا تكفي بحد ذاتها لحل المشكلات السياسية والاجتماعية والفكرية المزمنة والمعقدة كالتي يواجهها العراق اليوم، خصوصا وأنه لا توجد ثقة بين الأطراف السياسية، ولا التزام، كما برهنت تجارب اجتماعات أربيل، ومن قبل، عدم احترام المالكي والصدريين لنتائج الانتخابات الأخيرة.
كما أن أول شروط مصداقية كل مبادرة كهذه أن تكون الجهة المبادرة هي نفسها ذات مصداقية، قولا وفعلا، في تطبيق ما تدعو إليه. فما هي الحقائق؟
السيد المحترم مقتدى الصدر كان أول من انتهك الأمن والقانون فور سقوط نظام صدام وذلك في عملية اغتيال الشهيد عبد المجيد الخوئي وزميليه في الحرم الحيدري بترتيب منه، مما جعله مطلوبا للقضاء العراقي؛
وجموع السيد المحترم مقتدى هي أول من بادرت لمهاجمة محلات المسيحيين في بغداد والبصرة، والمسيحيون هم ضمن من يطلب ميثاقه اليوم ضمان أمنهم. كما جرى ذلك أيضا مع طائفة الصابئة المندائيين؛
وجيش السيد المبجل مقتدى، أي جيش المهدي، هو من أشعل فتنا دموية في كربلاء والنجف والبصرة وكان معظم الضحايا من الشيعة أنفسهم؛
وحين يطلب الميثاق الجمع بين السنة والشيعة في الصلاة وسواها، فإن السيد بهاء الأعرجي، الذي يفاوض باسم الميثاق، هو من غمز من قناة أبي بكر الصديق طائفيا.
فليكن! ولننس كل ما مر!
ولنقرأ بنود الميثاق.
أول ما يصدم أن الخطاب يكاد يكون موجها أساسا وأولا للعراقيين المسلمين ما عدا فقرات عن العراقيين من غير المسلمين لا تركز على حقوقهم الدينية والمدنية كاملة ولا على احترام مهنهم ومنها بيع الخمور، التي كان أنصار السيد مقتدى يحرقون محلاتها ويدمرونها، ويعتدون على أصحابها. إن من ندعوهم أقليات دينية هم سكان العراق القدامى، وتجب الدعوة للمساواة التامة بينهم وبين العراقيين المسلمين في الحقوق والواجبات، ووضع ذلك في الدستور، ولحد الحق في رئاسة الجمهورية مثلا. وإن احترام غير المسلمين يتطلب أيضا عدم فرض الحجاب فرضا تحت الضغوط في دوائر الدولة والمدارس حتى على غير المسلمات، كما هو الحال اليوم. وهو يجب أن يعني أيضا تبديل العلم العراقي الصدامي الذي احتفظوا به لمجرد عبارة quot; ألله أكبرquot;، بينما كان هناك خيار العودة لعلم الاستقلال عند دخول العراق في عصبة الأمم، وإلا فعلم ثورة 14 تموز. فالعلم الذي ابتكره صدام جاء مع ما سماها بـquot;الحملة الإيمانيةquot;، في منافسة لنظام الفقيه باسم الإسلام.
ولعل أخطر ما في الميثاق البند القائل بأنه يجب تعاون الجميع ضد quot;الاعتداءquot; على دولة إسلامية أخرى من جانب quot;دولة من دول الاستكبار العالمي أو غيرهاquot;. لا حظوا تعبير quot;الاستكبار العالميquot; المأخوذ نصا من القاموس الإيراني، ويقصد به الدول الغربية، وأميركا أولا.
ماذا يعني هذا البند؟ ولماذا يدرج؟
المقصودتان هنا هما سورية وإيران. فالسيد الموقر مقتدى، ونعرف مدى التصاقه بنظام الفقيه، إنما يواصل دفاعه عن النظام السوري باسم الإسلام، كما يحذر من أي خطر تتعرض له إيران. إن معنى الفقرة أننا جزء عسكري من دولة إسلامية أخرى تنتمي طائفيا لحزب الصدر وبقية الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق. وهذه دعوة تلتقي مع خطاب نصر الله الأخير في مساندة النظام السوري وإعلان الابتهاج والفرح لما دعاها بـquot;الهزيمة الأميركية في العراقquot;، واعترافه الضمني بأنه وسورية وإيران كانوا من وراء ما سمي بـquot;المقاومة العراقيةquot;- أي جحافل الإرهابيين القتلة من مختلف الأجناس والملل، والذين كانوا يتسللون من الحدود السورية، ويمعنون بالعراقيين تفجيرا واغتيالات وخطفا وقطعا للرؤوس.
إن السيدين المبجلين مقتدى الصدر وحسن نصر الله يريدان تحويل شيعة المنطقة لوقود النظام السوري اليوم، والنظام الإيراني غدا. فبئس الدعوة! وبئس النصيحة! ونعم، لميثاق شرف مدني ديمقراطي، يصاغ بعد مداولات صريحة، وفي أجواء ديمقراطية حرة وهادئة، وفي مؤتمر عام للقوى السياسية، كما دعا السيد رئيس الجمهورية. ولكن هل سيتفق المتنافسون والمتصارعون، الذين عودونا ألا يتفقوا، وإذا اتفقوا، فلا التزام؟!