يأتي حادث اقتحام وتدمير للسفارة البريطانية في طهران، بعد الإعلان الرسمي لوكالة الطاقة الذرية عن الطابع العسكري للنشاط النووي الإيراني.
إن عمليات الإرهاب والقرصنة الإيرانية ليست جديدة، وإن انتهاك النظام الإيراني للاتفاقات الدولية بشأن حماية السفارات الأجنبية ليس جديدا. ونذكر محاصرة السفارة الأميركية عام 1981 وحجز موظفيها وكل من فيها لمدة 444 يوما بأمر مباشر من خميني. ومثل هذه العمليات الفاضحة في التمرد على القانون الدولي لا يمكن أن تنفذ بدون موافقة مسبقة من المرشد الفقيه، أي -اليوم - خامنئي.
إن هذه الممارسات، التي لها طابع التحدي الاستفزازي والعنجهية، لا تدل فقط على أن نظام الفقيه هو نظام خارج على القانون، بل كذلك على أنه يشعر بأزمة كبيرة يريد التنفيس عنها بتوجيه أنظار شعبه نحوquot;عدو خارجيquot;، هو اليوم المملكة المتحدة.
إن إيران اليوم في شبه عزلة دولية، وإن ما فرض عليها من عقوبات له تأثير لا ينكر وإن لم تكن هذه العقوبات كافية لردع النظام الإيراني عن ممارسات وسياسات التدخل والتخريب في المنطقة، وعن النشاط النووي العسكري، وعن انتهاك القوانين الدولية. وبعبارة، إذا كان النظام الإيراني يواصل العربدة والتهديد بالصواريخ المدمرة، فإن ذلك ليس دليل قوة وثقة بالنفس، وإلا لكان قد سلك سلوكا يطمئن المجتمع الدولي، ويكثر من الأصدقاء. ولا ننسى أيضا أن الوضع السوري يقلق إيران كثيرا برغم أنها مستعدة للتخلي عن الأسد إذا شعرت بأنه لزوال؛ فإيران تعرف كيف تتحالف، وتفك التحالفات، وتعقد زيجات المصالح وتلغيها حسب المصالح الخاصة بالنظام الإيراني، كما هو مثلا استخدامها لعناصر القاعدة في العراق واستضافتها للعشرات من كوادر القاعدة.
إيران ليست بالقوة التي تتظاهر بها، أو التي يريد أتباعها أو فريق من المحللين السياسيين إيهامنا بها، ولكنها، في الوقت نفسه، ذات أوراق قوية، لاسيما مواقف روسيا والصين، وركائزها في لبنان، وفي العراق خاصة، وخلاياها النشيطة أو النائمة في دول الخليج، وما تملكه من فرص وإمكانات للتخريب ومشاغلة الأميركيين والغرب في المنطقة، خصوصا على أرض العراق. وها هو مقتدى الصدر ينظم مظاهراته الغوغائية الصاخبة ضد زيارة بايدن، وكان الأحرى به أن يسأل نفسه أين كان يوم حكم صدام، وكيف صار بعد أن أزاح الأميركيون، بتضحيات جنودهم، حكم صدام، فصار هو وأمثاله يتحكمون بالعراق والعراقيين. مقتدى الصدر راض كل الرضا عن الهيمنة الإيرانية على العراق، وها إن نظام الفقيه يرسل للإقامة في العراق رجل الدين شهروردي بأمل أن يكون هو المرجع الشيعي الأعلى في العراق والوصي الروحي على الأحزاب الشيعية.
نعم، يمكن لإيران أن تلحق أضرارا كبيرة لو هوجمت مثلا، ولكن هناك مبالغة بقوتها وقدراتها على النجاح في التصدي لأي هجوم عسكري على منشآتها النووية. إن الدعايات التي انتشرت قبل حرب إزاحة نظام صدام كانت تتحدث هي الأخرى عن العواقب الكارثية الشاملة لو هوجم ذلك النظام عسكريا، وكانت تردد أن مليونا بعد مليون سوف يتساقطون. ولكن ذلك النظام هزم، وتبين عدم صدقية تلك الإنذارات المتضخمة والتحذيرات المبالغ كثيرا بها. نعم وقعت خسائر كبيرة، ولكن ليس بالحجم المضخم الذي كان ينذرون به ويخوفون منه.
إن الحرب على إيران سوف تجلب حتما خرابا وفوضى في المنطقة، ولكن هناك تهويلا ومبالغات في ذلك يغذيها النظام الإيراني ومشايعوه والتحليلات الدولية غير الدقيقة. وهذا ما يجب أن لا تسقطه إيران من الحساب، لكي تعيد النظر في سياساتها ومواقفها قبل فوات الأوان، وأولا بوقف نشاطاتها النووية العسكرية.
المنطقة ليست في حاجة لحروب جديدة، ولكنها أيضا لا يمكن أن تكون بأمان، ولا المجتمع الدولي يكون بأمان، مع إيران ذات قنابل نووية. الحرب تدمر ولكن إيران القنبلة ستكون أكثر تدميرا بكثير، وقد يصل المجتمع الدولي، أو عدد من الدول، لهذه القناعة، فتشتعل! وفي هذا الوقت بالذات فإن على أميركا خاصة والغرب عموما تشديد عزلة النظام الإيراني وإضعافه بكل السبل، وتدعيم المعارضة الإيرانية الرافضة للغطرسة والقنبلة، والساعية حقا للديمقراطية وللتعايش السلمي خارجا. وهنا أيضا يكون التساؤل عن أسباب تخلف إدارة أوباما عن رفع مجاهدي خلف من خانة الإرهاب، كما فعل الاتحاد الأوروبي، وأسباب عدم اتخاذ موقف واضح لحماية معسكر أشرف من خطة الإبادة المبيتة مادام نظام الفقيه ممعنا في التحدي والغطرسة ودعم الإرهاب والتخريب في المنطقة والعالم؟!
إن مصلحة الشعب الإيراني العظيم، ذي الحضارة العريقة، تقتضي سياسات خارجية هادئة، واحتراما للقوانين الدولية، مثلما تستدعي الحرية والديمقراطية في الداخل. والمؤسف أن النظام الإيراني يبدو عاجزا عن استيعاب هذا، فنراه يمعن في الغطرسة والتحدي والتخريب. إنه لم يتعلم من تجربة quot;تحدياتquot; صدام العنترية، ولا من تهديدات القذافي [ زنقة زنقة]، التي عجزت عن إنقاذ نظامه، ولا من عزلة الأسد وقصر نظره بإمعانه في الطريق الدموي. إن الطغاة لا يتعلم واحدهم من مصائر أمثاله، قدامى كانوا أو جددا. ومن هنا إمكانية انفجار البركان الخارجي في وجه نظام الفقيه يوما ما، مع كل ما يقترن به من أخطار.