قبل أسابيع، اقتيد مكبلا أمام عدسات تلفزيونات العالم، وفي جو شعبي وإعلامي هائج ومشحون. الصحف الأميركية عرضت الرجل كوحش جنسي مفترس يمارس العنف ويغتصب النساء بعد أن اشتكت عاملة فندق أفريقية مسلمة ضده، متهمة إياه بالعدوان عليها بوحشية. ووقف محاميها في الشارع ليلقي خطبة تحريضية عنيفة اللهجة، معرضا بالرجل quot;القويquot;، quot;الغنيquot;، quot; الشهيرquot;، الذي يعتدي على شغالة فندق، أفريقية من غينيا، مسكينة، فقيرة. ومع أنني أظن أن اللون أيضا كان على باله، ولكنه لم يجرؤ على القول إن المعتدي أبيض وquot;المجني عليهاquot; سوداء. ولم يتردد عن حشد عاملات الفندق ومعظمهن سوداوات ليهتفن في وجه quot;الجانيquot; المفترض: quot;عار عليكquot;.
لقد نشرت الصحف العربية والعالمية شتى التعليقات والمقالات عن الموضوع حين انفجاره. وهناك من جرموا الرجل في أحكام نهائية قبل انتظار التطورات والكلمة النهائية للمحكمة. وهناك من العرب من حاول تجيير القضية سياسيا، وضد فرنسا بالتحديد. وهناك من كتب أن يهود فرنسا كادوا يصابون بالسكتة القلبية- في غمز من الانتماء الديني للرجل وكأنه يمثل مصالح يهود فرنسا مع أنه زعيم اشتراكي واسع النفوذ شعبيا. ومن الفرنسيين من هاجموا بشدة القضاء الأميركي لأنه بالغ في الإجراءات الأمنية والقضائية الاستثنائية لمجرد الاستناد لحكاية المرأة وقبل التحقق التام. ومن الفرنسيين من تحدثوا عن quot;مؤامرة سياسيةquot; فرنسية لحرق الرجل قبل الانتخابات الرئاسية؛ ومنهم من تحدثوا عن quot;مؤامرة دوليةquot; لإبعاد سترواس كان عن منصبه كمدير عام لصندوق النقد الدولي لصالح شخصية أخرى قيل إنها قد تكون أميركية!
واليوم، هناك المفاجأة: فالمرأة، التي وصفت بالمخلصة والجدية والمحافظة والأم المخلصة، تتكشف عن كذابة، وذات صلات بمجرمين من تجار المخدرات، بل شهدت صحيفة أميركية بأنها بائعة هوى! ويتبين من مكالمة هاتفية لها- بعد وقوع العدوان المزعوم عليها مباشرة- اجرتها مع سجين بتهمة المخدرات قولها له: quot;لا تقلق، هذا الرجل يملك كثيرا من المال. اعلمُ ماذا افعلquot;.
ستراوس الآن طليق بكفالة شخصه، ورفعت كل الإجراءات الأمنية الصارمة بحقه لحين المحاكمة النهائية. القضية لم تنتهِ ولكنها اتخذت منحى آخر تماما. ويظهر ان علاقة ما تمت فعلا بين الاثنين في غرفة الفندق، ولكن برضاها وبطريقة شاذة. ولو استندنا لكل المعلومات الجديدة عنها فقد تكون قد طاوعت نفسها لغرض الابتزاز المالي. ومهما يكن، فلننظر حكم القضاء الأميركي، الذي يحسب لها اعترافه، وأعني المدعي العام في نيويورك، بالخطأ حين وجه اتهامات الاغتصاب والعنف الجسدي الشديد لمجرد شهادة المرأة. كما يحمد للصحف الأميركية أنها، بعد حملة التشهير والشحن، تعود لنشر المعطيات الجديدة التي هي لصالح دومينيك.