أما العليل، فهو النظام السوري، الذي يواصل قمعه الدموي الهمجي حتى للأطفال؛ وأما quot;الطبيبquot; [ المزعوم]، فالمقصود حكومة العراق، بكافة أطيافها وأطرافها، وخصوصا السيد رئيس الوزراء. والعنوان مأخوذ من المثل الرائج quot; طبيب يداوي الناس وهو عليلُquot;.

والقصة زيارة وزير الخارجية السوري لبغداد فجأة، ولقائه بوزير الخارجية العراقي ورئيس الوزراء، في مهمة، تقول التقارير الصحفية، [أو بالأحرى تخمن]، إنها مهمة متشعبة الرؤوس: ما بين توسط العراقيين quot;المقربينquot; من أميركا لفتح نوافذ اتصالات سورية معها، وما بين الحدس بأن الغرض هو أيضا الضغط على من لسوريا quot;دالةquot; عليهم من ساسة العراق، وممن لهم تأثير ما على أكراد سورية، لإقناع قياداتهم بعدم الانضمام إلى الحملة السياسية المنظمة للمعارضة السورية. وربما ثمة مهمات أخرى لا يعرف عنها غير النظام السوري، الذي يعاني من أزمة داخلية كبرى، ومن عزلة دولية متزايدة.

ويذكّرنا العارفون بالعلاقات القديمة بين المخابرات السورية وبين لفيف من ساسة العراق المهيمنين، ووجود مصالح ضخمة لهؤلاء في الشام، وتوفر وسائل ضغط وابتزاز هائلة في يد النظام السوري لإنجاح مهمة وفده الزائر.

ما لفت نظري خاصة هي نصيحة السيد المالكي لقيادة النظام السوري بالتسريع بالإصلاحات المطلوبة. وتأتي هذه النصيحة الذهبية بعد أيام من هجمة عناصر من الأمن العراقي على مظاهرة سلمية في ساحة التحرير، وخطف أربعة طلاب بطريقة مدانة، واستعمال سيارات الإسعاف لخطفهم، لكي تختفي آثارهم، ولا يعرف شيء عن مصيرهم ولحد اليوم. والمرجح انهم يتعرضون لخطر الضغوط والتعذيب لأن حكومة quot;القانونquot; قد برهنت مرارا على انتهاجها لأساليب ما فوق القانون، أي دكتاتورية، وكأنما تعيد إنتاج أساليب صدام. وجاءت تلك الهجمة، التي جوبهت بحملة احتجاجات مستمرة، في الوقت الذي سمحت فيه حكومة المالكي لمقتدى الصدر باستعراض جيش المهدي استعراضا عسكريا يلفت النظر، ولغرض الابتزاز واستعراض العضلات؛ وهو نفس الجيش الذي تقترن باسمه، وباسم زعيمه، سلسلة الجرائم الرهيبة منذ الأيام الأولى لسقوط النظام الصدامي، وخصوصا دوره القذر في الحرب الطائفية الدموية في عامي 2006 و2007 والشهور التالية.

إن نصائح حكومة المالكي لأسد الشام يصح عليها المثل المشار إليه. فعراق اليوم هو في مقدمة دول الفساد، والخدمات منهارة تماما، وها هو الحر والغبار يعودان لغزو المواطنين فيما الكهرباء نادرة، والماء يتقطع، وأصحاب المبردات يعانون الأمرين والويلات. وعراق حكومة المالكي منهار أمنيا: ما بين تفجيرات متتالية تقتل العشرات كل مرة، وبين عمليات اغتيال بالكواتم، التي تخطط لها أطراف متشابكة: من قاعدة، وصداميين، ومن أطراف في الحكم نفسه في تصفيات حساب. والوضع السياسي العراقي كله يواصل التخبط رغم مرور حوالي العام على الانتخابات، والوزارات الأمنية لا تزال تحت هيمنة رئيس الوزراء نفسه وهو يرفض كل ترشيح لا يرضيه. واتفاقات أربيل بين المالكي ود.علاوي هي في خبر كان؛ والمالكي يهدد بإسقاط الحكومة وبحل البرلمان وبتشكيل quot; حكومة أكثريةquot;ـ أي الأحزاب الدينية الشيعية زائدا الأطراف الكردستانية. والدكتور علاوي يواصل مواقفه المحيرة والمرتبكة، ما بين تهديد وتفاوض، مبرهنا على قلة استيعابه لأبعاد المناورات التي استبعدت قائمة العراقية من تشكيل الحكومة، وأنه كان عليه، منذ البداية، اختيار طريق المعارضة البرلمانية بدلا من الركض وراء وهم quot; مجلس تخطيط السياساتquot;.

وعراق اليوم حائر حول بقاء أو عدم بقاء قسم من القوات الأميركية بعد انتهاء أجل الاتفاقية الأمنية في أواخر العام، وحيث يبدو أن هناك أكثرية سياسية مقتنعة بضرورة هذا البقاء لاعتبارات من أمن العراق داخليا وأمن حدوده، بينما يقود مقتدى الصدر، والقاعديون، والصداميون، حركة الرفض والتهديد. ومليشيات مقتدى الصدر، وغيرها من المليشيات التابعة لإيران في العراق، تقرن التهديدات بالتحرش المتواصل بالقواعد الأميركية في العراق، في تنفيذ صارخ لرغبات وحسابات نظام الفقيه. ويسعى الصدر لاستصدار فتاوى من كبار رجال الدين الشيعة لدعم موقفه، علما بأن هذا الأسلوب يلجأ إليه كل حكام العراق لتزكية هذا الموقف أو ذاك وهذا الإجراء أو ذاك. وكبار رجال الدين والمرجعية يواصلون، منذ سقوط صدام، التدخل في الصغيرة والكبيرة من الشؤون السياسية العراقية في انتهاك صارخ للمبدأ الديمقراطي وفي محاكاة لنظام الفقيه.

وهكذا، لا نعرف كيف يمكن للطبيب العراقي العليل، والذي يمر هو نفسه بأزمات داخلية مزمنة وصراعات متواصلة، أن يكون ذا نفع لنظام سوري يغطي على خوفه وأزمته بتشديد البطش الدموي، وبالوعود المطاطة والمراوغات، وبالبيانات الكاذبة.