كان اختبار الكشف عن quot; العذريةquot; في التعامل مع ناشطات مصريات - [ والكاشف كان طبيا ذكرا كمان!]- المثل الصارخ للعقليات والممارسات التي تسيّر مصر ما بعد مبارك. وربما أمكن الاتفاق مع التحليلات التي ترى فيما يجري تزاوجا بين الناصرية والإخوان المسلمين. وليس وقوع هذا العدوان الصارخ على حرية المرأة وكرامتها هو المثير لوحده للاستنكار والإدانة، وإنما ما هو أدهى كان صمت القوى السياسية والمرشحين للرئاسة وغالبية منظمات المجتمع المدني المصرية.
إن من بين المعايير الأساسية للديمقراطية يبرز أولا معيار التعامل مع المرأة، ومعيار الحرية الدينية- بكل ما تعنيه هذه الحرية: من الاعتراف بغير المسلم كمواطن له الحقوق والواجبات ذاتها، ومن حرية الإيمان وعدمه، طبقا لقاعدة quot; لا إكراه في الدينquot;.
يقول تقرير حديث من القاهرة بقلم الناشطة أمينة خيري [ الحياة في 2 حزيران- يونيو- 2011 ]:
quot; بعد أيام من تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم، شهدت القاهرة اعتصامات واحتجاجات quot; رجال الرؤيةquot; المطالبين بضرورة مراجعة جميع قوانين الأسرة والطفل التي أنصفت المرأة المطلقة، وحل محاكم الأسرة التي أعادت للزوجة بعضا من كرامتها المهانة في طرقات المحاكم العادية، ومطالبتها بمعاقبة الأم التي ترفض تنفيذ quot; استضافة الأبناءquot;، بعقوبة رادعة، حتى لو رأت في هذه الاستضافة ضررا بأطفالها، وعودة الولاية التعليمية حتى وإن كان يدعي الفقر في سبيل إخراج الأبناء من مدارسهم الخاصة وإلحاقهم بمدارس حكومية كنوع من الإذلال للأم، وتغيير سن الحضانة ليصبح الطفل في حضانة أبيه في حال زواج الأم أو وفاتها، حتى وإن كان الزوج تزوج بأخرى تسئ معاملة الصغار.quot;
وقد رأينا الشعارات وسمعنا الهتافات في الميادين والشوارع المصرية دون أن نجد بين المطالب كلمة عن حقوق المرأة برغم أنها شاركت بقوة في الانتفاضة، بل لقد تعرضت مظاهرة نسائية في عيد المرأة إلى عدوان أثيم في ميدان التحرير نفسه، واغتصبت أجنية هناك دون ضجة استنكار تذكر!
كما سمعنا مناقشات عدد من المرشحين للرئاسة، بينهم اللبرالي والناصري والعسكري، وهم يتحدثون عن الدولة المدنية دون تحديد معناها بالدقة، مع التركيز على العلاقات مع إسرائيل وإيران، تشنجا مع الأولى وترطيبا مع الثانية. ويبدو لنا أن إعادة النظر في السياسة الخارجية المصرية هي التي ستكون في أولويات المرشحين، أي قبل الهموم الداخلية الساخنة، وذلك في مزايدات شعبوية تدغدغ المشاعر القومانية الراقدة.
يضاف لما مر تشكيل لجنة التعديلات الدستورية بتكوين إخواني غالب، ومن غير مشاركة أية ناشطة اجتماعية أو سياسية، وكأن مصر تفتقر لنساء واعيات ومبادرات.
أما الحديث عن المرأة، وبضجيج وعجيج، بل وبمصادمات دموية، فقد اقتصر على حالات كاميليا وأخواتها، في ممارسات من التطرف الديني المقيت: quot;عايز أختي كاميلياquot;، quot;أين أختي وفاءquot;، quot;فكوا أسر أختي عبيرquot;!!
إن ثورة حقيقية غير ممكنة بسيادة عقليات تهين كرامة المرأة، وتؤمن بعقوبة الرجم وبحق الرجل وحده في شؤون الزواج والطلاق ورعاية الطفل، وعلما بأن تقارير مصرية ودولية، نشرت قبل سنوات، قد بينت أن نسبة كبرى من الزيجات في مصر تمت بتزويج القاصرات.
إن ما بدأ يتضح أكثر فأكثر هو أن المبادرين الأوائل في ميدان التحرير من حاملي بعض الأفكار العصرية المدنية كانوا هم أقلية، وقد اكتسح الإسلاميون الساحة منذ أن غزا القرضاوي والإخوان الميدان وأدى الشيخ فيهم الصلاة، داعيا لدولة مدنية بمرجعية أحكام الشريعة وحدودها، التي تمس المرأة وحقوقها قبل غيرها.
لقد نشرت الأهرام في عددها المؤرخ 6 يونيو الجاري نتائج استطلاع مثير بتمويل من المعهد الجمهوري والوكالة الأميركية للتنمية الدولية. هذه النتائج تبين أن 64 بالمائة من المصريين ساندوا الثورة لتحسين أوضاعهم المعيشية. أما الذين انتفضوا من أجل الديمقراطية، فإن نسبتهم لم تتجاوز 19 بالمائة. وأمام هذه النتائج، وأمام الوقائع والحقائق اليومية المتتالية في مصر، يتبين مدى التبسيط في وصف ما يجري في مصر بالثورة الديمقراطية، أو الثورة من أجل الديمقراطية، وإنما كانت الدوافع والمفجّرات مشاكل البطالة والفقر، مضافة للغضب على الفساد الفاحش ومذهب التوريث. وما بين هذا والديمقراطية مسافات شاسعة قد تستطيع مصر اجتيازها بنجاح بنسبي [أو أكبر]، وهو ما يتمناه كل محب لمصر الغالية، أو قد تكون المسيرة نحو نظام إسلامي شعبوي مرصع بعنوان quot; دولة مدنيةquot;.