تجيء زيارة السيد وزير الخارجية العراقي لطهران لتؤكد بقوة متزايدة مدى صلف وعنجهية حكام إيران في تعاملهم مع العراق، والنظر إليه وكأنه مجرد ولاية إيرانية.
إن هذه الحقيقة غير جديدة، ولكن الزيارة تكشفها للعيان أكثر من أي وقت.
لقد استعرض المالكي عضلاته لوفد الكونغرس لمجرد أن عضوا منه أعرب عن رأي شخصي لا يمثل الكونغرس ولا الإدارة الأميركية- رأي عن إمكان استرجاع بعض ما صرفته أميركا من أموال في العراق. وكان يمكن الرد الهادئ على الرأي في تصريح أو بيان؛ ولكن السيد المالكي فضل أن يطلب طرد الوفد من العراق. أما حينما دشن السفير الإيراني في العراق يومه الأول بتهديد علني للصحف ووسائل الإعلام العراقية إن انتقدت حكومته، فقد صمتت الحكومة العراقية صمت أهل الكهف، كما تصمت عن تصريحات وقحة أخرى لهذا السفير، القادم من جهاز فيلق القدس الإرهابي، الذي ينشر منذ سنوات عناصره في كل أنحاء العراق. وها إن علي لاريجاني يطالب السيد الزيباري بإبلاغ الحكومة العراقية بألا تتخذ أي قرار بالتمديد لقسم من القوات الأميركية، وكأن إيران هي صاحبة القرار. كما يطالب بغلق معسكر أشرف، وهي مطالبة متكررة لأن جلادي نظام الفقيه قد فتحوا أشداقهم الدموية للإجهاز على اكبر عدد ممكن من سكان أشرف.
ترى، ماذا كان موقف الأخ الوزير العراقي؟ قرار بضم إيران إلى لجنة لفحص وتقرير مصير لاجئي أشرف!- ويا للفضيحة المدوية: جلاد يوكل إليه أن ينظر في مصير ضحاياه المرشحين للموت الأكيد. والسيد الوزير يناشد المجتمع الدولي للمساهمة في الحل مع أن حكومة المالكي ترفض طلب الاتحاد الأوروبي وبعثة الأمم المتحدة بأن ترفع الحصار أولا عن المعسكر وتسمح لسكانه بدخول المواد الطبية والغذائية. وقد كان الاجتماع الدولي الحاشد في باريس مؤخرا، لدعم الحل السلمي العادل للقضية، ولإدانة عمليات العدوان المسلح المتكررة على هؤلاء العزل تعبيرا عن الموقف الدولي الواضح، الذي تتجاهله الحكومة العراقية. ومقابل التدخل الإيراني الشامل في العراق، يكون الجواب العراقي الرسمي إشادة مدوية ب quot;الدعم الشامل التي قدمته وتقدمه إيران حكومة وشعبا إلى الشعب العراقيquot;، وشهادة بأن دور إيران في العراق كان، ولا يزال، quot;دورا إيجابيا.quot;!!
نعم، quot;إيجابيةquot; معكوسة: تسليح وتمويل جيش المهدي، وكتائب أهل الحق، وجماعة أبي درع، ومليشيا حزب الله. نعم، نعم: سلب المياه العراقية، وإغراق شط العرب بالنفايات، وتحويل نهر كارون وأنهر أخرى بما سوف يجعل من شط العرب مجرد مستنقع، ويتسبب ذلك في تهجير البشر وإفقارهم جماعيا. نعم، وألف نعم: quot;دعم للعراق وشعبهquot; عن طريق التعاون مع عناصر القاعدة الموجودين في إيران لاقتراف عمليات الاغتيال والتفجير في العراق، وإذ صارت مفضوحة، في حينه، علاقة المجرم الزرقاوي بنظام الفقيه. ونعم أيضا: بالتحالف مع النظام السوري في تمرير آلاف الإرهابيين للعراق منذ سقوط النظام الصدامي.
علي لاريجاني يدعي أن إيران تريد عراقا quot; مقتدرا وديمقراطيا ومستقلا تجاه التطورات الإقليميةquot;، وبالنقطة الأخيرة يقصد التطورات في سوريا، التي يواصل نظام الفقيه دعم نظامها التعسفي الدموي ويمده بالسلاح وعناصر الموت. ولا ندري عن أية ديمقراطية يتحدث الرجل وهو يمثل نظاما يزيد نظام الأسد طغيانا ودموية، وقمعا مستمرا للحريات، وحملات إعدام جماعية متتالية، ورجما للنساء حتى الموت. ومع ذلك فهو لا يتورع عن توجيه ندائه المنافق إلىquot; القوى الدوليةquot;، مطالبا إياها بالانصياع لتلبية مطالب الشعوب quot;بشأن إقامة أنظمة ديمقراطيةquot;! ولكن يا سيد لاريجاني المبجل: ولماذا إذن لم تنصاعوا أنتم لانتفاضة الشعب الإيراني المطالب بالحرية، بل وأغرقتم انتفاضته المجيدة بالدماء؟! ولماذا تقفون مع الجلاد السوري ضد شعبه المطالب بالحرية؟!
ماذا كان نصيب العراق من هذه الزيارة الميمونة؟ لا نعرف، وخصوصا موضوع المياه. أما نصيب إيران، فكل شيء: إشراكها في تقرير مصير سكان أشرف العزل والمحاصرين، خلافا لكل الاتفاقيات والقوانين الدولية؛ زيادة عدد الزوار الإيرانيين إلى ثلاثة ملايين زائر للعراق سنويا، علما بأن نظام الفقيه اعتاد أن يدس بين زوار العتبات المقدسة المئات من عناصر فيلق القدس والجواسيس، وعلما بأن التقارير والمعلومات المنشورة منذ ثماني سنوات تقول إن أعدادا كبيرة من هؤلاء quot; الزوارquot; يبقون في العراق بمعرفة وحماية بعض الأوساط الحكومية والأحزاب ومجالس المحافظات، وتمنح لهم الجنسية العراقية، ويشاركون في الانتخابات العراقية! ومع أن حكومة المالكي تعتقل عددا من الزوار الباقين في العراق خلافا للقوانين، [سوف تطلق سراحهم]، فإن الأكثرية الساحقة سبق وتحولوا، منذ سنوات، إلى quot;عراقيين أصلاءquot;- كما مر آنفا.
نضيف لهذا كله أن الزيارة تمنح الجانب الإيراني فرصا جديدة لإغراق الأسواق العراقية والاستثمار في العراق.
ولما كان شر البلية ما لا يضحك، فإن نظام الفقيه تعمد أن يهدي وزيرنا العراقي الكردستاني quot;هديةquot; إعادة قصف مناطق عراقية كردستانية أدت لهروب سكانها! فأية مصادفة! وأية رسالة تهديد!
أبواق حكومة المالكي عزفت موسيقى الانتصار حين نفذت القوات الأميركية الاتفاقية الأمنية بترك المدن، واعتبرت الحكومة ذلك اليوم عيدا وطنيا، وهي التي لا تحتفل بيوم 14 تموز. أما إذا داست إيران على سيادتنا كل يوم، وكل ساعة، فإن الصمت سيد الموقف، إن لم تكن تصريحات عن الدور الإيراني quot;الإنشائيquot; المزعوم في العراق! ولا ندري أية مكاسب كبيرة جديدة سوف تحصل عليها إيران عند زيارة نائب ريس جمهوريتها للعراق قريبا- ربما حملة عدوانية جديدة على نساء وأطفال وشيوخ ورجال أشرف. فهل هذا التخاذل أمام الغطرسة الإيرانية يليق بالعراق!!؟ ولكن، لِمَ نستغرب!