العنوان أعلاه هو محور مقال صحيفةquot; لو فيجاروquot; الفرنسية بتاريخ29 يناير.
مصر هي فلب العالم العربي، وما يحدث فيها من تطورات كبرى، إيجابا أو سلبا، ترتد عواقبه على العرب كلهم. ومن هنا هذا الاهتمام الاستثنائي العربي والدولي بأحداث مصر الساخنة جدا.
إن من الوقائع الكارثية أن لا يعتبر الكثيرون من الحكام في العالم الثالث بتجارب غيرهم ويأخذوا منها العبر والدروس، وما ينجم عن ذلك من تراكم الأخطاء والسياسات الخاطئة التي تتراكم وتنشر السخط الصامت بين المواطنين، حتى ينفجر فجأة، ويكون الوقت قد فات. والخطر في انفجارات الجماهير التي تندلع عفويا هو احتمالات الفوضى والخراب واستثمارها من جانب ألد أعداء الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لم يكن بن علي مثل صدام أو أحمدي نجاد او البشير، ولكن شهية السلطة وفساد العائلة أعميا بصيرته فراح يتخبط ويتكلس على نمط من الاستبداد quot; الناعمquot;، ولكنه استبداد على أية حال وإن كان يتميز عن الاستبداد الوحشي لنظام الفقيه أو نظام صدام والنظام الشمولي السوري وغيره. وكان أن انفجر الشعب فجأة، وهرب بن علي تاركا البلاد في مهب الريح ولحد اليوم.
والرئيس حسني مبارك، تشبث هو الآخر بالمنصب وركز السلطة الفردية، ولم ينتبه لمشاكل البطالة والفقر الطاحنة التي يتعرض لها الشباب بوجه خاص. وقد كان مطلوبا منه الانفتاح السياسي وتحقيق الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية اللازمة، وعدم التشبث بمبدأ الرئاسة الدائمة أو التوريث.
والآن؟ الوضع المصري لا يزال مشحونا ومفتوحا على احتمالات عدة. وخطر الفوضى ملموس، والإخوان المسلمون راحوا يرفعون رؤوسهم للهيمنة على حركة الشباب العفوية، وربما استطاع الجيش ضبط الأمور- ولكن بأي ثمن؟
إن مصر عامل أساسي في استقرار المنطقة، ودورها هام جدا في قضية الصراع الفلسطيني ndash; الإسرائيلي، وهي سد منيع في وجه الأصولية المتطرفة والخطر الإيراني. ولذا، فإن كل تحول يؤثر سلبا على هذه المعادلة يصيب كل الدول العربية بالخطر. وهذه حقيقة مطلوب أن يضعها أحرار مصر في المعارضة على البال لكي يعملوا على دفع الأمور نحو التحولات الإصلاحية المتدرجة والأكيدة وتلافي أخطار الفوضى وانزلاق البلاد في سياسة عربية وخارجية متشنجة تستفيد منها القوى المتطرفة في المنطقة والعالم. ونعرف أن مصر مهددة من إيران وحماس وحزب الله والقاعدة، فضلا عن المخاطر الداخلية.
نعم، من حق المصري أن يطالب من حكومته ما يريد، كما يكتب الأستاذ طارق الحميد، ولو مست مطالبه الرئيس نفسه. quot; لكن مصر ليست للمصريين وحدهم، وخوفنا عليها كبير. هذا ما يجب أن يعيه المصريون.quot;
إن من حق الشعب المصري أن يطالب بالعمل، ورفع المستوى المعيشي، والانفتاح السياسي الحقيقي، وحماية الأقباط؛ ومن حقه أن يقول للرئيس المصرى أن ينبذ فكرة التوريث وأن يفكر في عدم تجديد ولايته واختيار بديل قدير من بين ساسة الحزب الوطني أو خارجه. وأعتقد أن قرار اختيار عمر سليمان نائبا هو قرار حكيم لما للرجل من تجارب سياسية، ولما عرف عنه من صلابة ضد التطرف وتيارات التطرف. كما أن على أحرار مصر وشبابها الواعي الانتظار قليلا لمعرفة برنامج الحكومة الجديدة والتوثق من مدى الجدية في معالجة المشاكل المزمنة الواجب حلها. وحل هذه المشاكل لا يتم بين عشية وضحاها، ولا بعصا سحرية، ولكن المهم مدى جدية الحكومة ومدى تطابق برنامجها مع مستلزمات الوضع وأماني الشعب.
لقد أشار الأستاذ حازم صاغية [ الحياة في 29 يناير2011 ] إلى بيان فريق من المثقفين التونسيين الذين حيوا انتفاضة شعبهم الباسل من أجل الحرية والكرامة والعدل. البيان يؤكد في الوقت نفسه على أن المرحلة الانتقالية لا تخلو من عراقيل ومخاطر داخلية وخارجية، ومع أهمية ما تحقق من بعض الإصلاحات اليوم، فإن المهمة جسيمة، والطريق نحو إرساء مسار ديمقراطي طويل. وكل من البيان وصاغية يحذران من الانسياق إلى وهم استئصال الماضي كما حدث في العراق. والأستاذ صاغية يحذر أيضا من أن تتطور الانتفاضات الشعبية العربية نحو الاصطدام بالغرب.
أعتقد أن هذه أفكار جيدة وعقلانية تصلح للوضع المصري أيضا. وهذا ما نرجوه لكي تتطور مصر نحو الأفضل- نحو ديمقراطية تداول السلطة، واستئصال الفساد، وتنفيذ الإصلاحات الاجتماعية العميقة. وإذا كان الجيش قد تدخل لحماية أمن البلد والمواطنين من المخربين، فالمأمول أن تنتهي التطورات بحكم مدني وطيد يكون عامل استقرار مضاعف للمنطقة، وسندا قويا للشعوب العربية، ولاعب دور متزايد في صيانة الأمن الدولي في وجه مخاطر تيارات وأنظمة التطرف والعدوان في المنطقة.
والمطلوب أن تستفيد بقية الحكومات العربية، الموصوفة بالاعتدال في سياساتها الخارجية والعربية، والمعرضة لخطر المتطرفين، من أحداث تونس ومصر، فتسرع بتنفيذ إصلاحات سياسية واجتماعية جريئة قبل فوات الأوان. ومن المؤسف أن الأنظمة الأكثر تعسفا وانغلاقا، كسوريا وإيران، لا تزال بأمان لأن هذه الأنظمة لا تتورع عن سحق المظاهرات سحقا وتنفيذ المجازر الجماعية كما حدث لحماة السورية أكثر من مرة، وكما يفعل نظام الفقيه، الذي يعدم بلا حساب [ مؤخرا إعدام شابين بتهمة وجود صورة تشوه احمدي نجاد وإعدام امرأة بتهمة المخدرات]. والملفت أن المصالح الغربية تصمت عن تجاوزات هذه الأنظمة، بل وتتملقها، بينما هي قوية في ردع الأنظمة الحليفة وما ينجم عنه من زعزعتها. وهذا بالضبط موقف أوباما الذي لا ينطق بكلمة واحدة في إدانة الإعدامات في إيران أو عن جلد 40000 امرأة سودانية عام 2010، والذي يرسل سفيره لدمشق قي الوقت الذي تلتهم فيه سوريا وإيران سيادة وأمن لبنان.
أمور مؤلمة حقا، وتكون البشرى يوم تنقض الانتفاضات الشعبية هناك أيضا ـ في إيران وسوريا ويوم يسقط البشير ويحاكم دوليا.