أصدرت مجلة quot;كورييه أنترناسيونالquot; الفرنسية الأسبوعية عددا خاصا بعنوان quot;المرأة والسلطةquot; [ 7-12 تموز ndash; يوليو 2011] . وكما يشرح رئيس التحرير، فإن اصل الفكرة جاءت من اعتقال quot;دومينيك ستراوس كانquot;، المدير السابق لصندوق النقد الدولي، في نيويورك بتهمة اغتصاب عنيف لامرأة غينية مسلمة لاجئة. ونعرف أن هناك في العالم حالات كثيرة من سوء استغلال الرجال لنفوذهم للتحرش بالمرأة أو للعدوان عليها- علما، وكما كتبنا في كلمة سريعة، بأن قضية دومينيك الاتهامية تداعت مؤخرا أمام انفضاح أكاذيب المرأة الغينية، رغم أن محاميها الأفرو ndash; أميركي يواصل حملته الشرسة لتحويل القضية لتمييز عنصري ضد المرأة يمارسها البيض، ومنهم المدعي العام نفسه، كما يزعمون ويروجون لتهييج الأفارقة، والمسلمين منهم خاصة. وقد جرى تنظيم وظاهرة جديدة لرجال ونساء من الأفارقة في نيويورك باسم المطالبة بالعدالة للمرأة المشتكية. وصاح أحدهم: quot;لو كانت المشتكية هيلاري كلينتون لصدقوها.quot; وبالمناسبة، فإن العنصرية في الولايات المتحدة لا تقتصر على فئات من البيض، بل إنها منتشرة بين السود [ضد اللون الأبيض] بعنف وشراسة، وحتى في دول غربية أخرى. ومن خطة محامي المشتكية تعبئة وسائل الإعلام لصالحها لعلمه بدور quot;المحاكم الإعلاميةquot; في التأثير على الأحكام. وقد نشرت صحيفة quot;لو فيجاروquot; الفرنسية مقالا عن دور الإعلام الأميركي هذا، واستشهدت بمرافعات النجمة التلفزيونية الشهيرة، نانسي غريس، التي ظلت شهورا تؤيد التهمة الموجهة لامرأة اتهمت بقتل وليدها حال ولادته، وتنبأت لها بعقوبة الموت، ولكن القضاء برّأها فيما بعد.
ومع قضية نيويورك هذه، تقف، في الجانب الآخر، حالة الرئيسة الجديدة للبرازيل، ديلما روسيل، والحكومة البرازيلية ذات النساء العشر؛ ثم وصول الوزيرة الفرنسية كريستين لاغارد لمديرة صندوق النقد الدولي، كأول امرأة تتبوأ هذا المنصب الدولي الهام، وقبلها البلغارية التي صعدت لكرسي المديرة العامة لليونسكو. وهناك اليوم أيضا امرأتان من الحزب الاشتراكي الفرنسي ترشحان للانتخابات الرئاسية، وامراتان أميركيتان من quot; حزب الشايquot;، ما بين مرشحة ومحتمل ترشيح نفسها. ومن الدول النامية الصاعدة، عدا البرازيل، تأتي الهند بالعديد من النساء اللواتي يتولين مسؤوليات هامة في هذه الدولة المترامية الأطراف؛ ونضيف السياسية التايلاندية المعارضة quot;سوquot;، التي صارت رمزا للحرية عند الجماهير.
عدد المجلة يتنقل بين القارات ودول العالم، معتمدا على تقارير ومقالات الصحافة العالمية، لاستعراض أوضاع المرأة هنا وهناك. ومن هذا الاستعراض يتبين من جديد، ومرة بعد مرة، مدى تدهور أوضاع المرأة في البلدان العربية والإسلامية. ومما لم يكن يعرفه كثيرون حالة رصدتها المجلة في ماليزيا الدولة الإسلامية، والتي ينتشر فيها التطرف الديني. ونحن نتذكر تصريح المرشد السابق لإخوان مصر، محمد عاكف:quot; رئيس مسلم لمصر من ماليزيا ولا رئيس مصري قبطيquot;!
الحالة الماليزية إياها هي تشكيل ناد نسائي باسم quot;نادي النساء الخاضعاتquot;، أي الخضوع للازواج، وخاصة فيما يخص شبقهم الجنسي. والمبادرات لقيام الجمعية يعتقدن أن هذا الخضوع الكلي للرجل هو السبيل الوحيد لوقف العنف الرجالي المستفحل ضد المرأة!! يذكرني هذا بعدد من نائباتنا الإسلاميات الفاضلات في برلماننا العراقي العتيد، اللواتي يؤمنون بولاية الرجل على المرأة، وبأولوية أحكام الشريعة في التشريعات!
وتعرج المجلة على موضوع قيادة المرأة للسيارة في السعودية، وعلى مجمل الأوضاع المتخلفة للمرأة هناك، مما يعتبر خارج العصر تماما.
كذلك تكشف المجلة عن ازدياد حالات تعدد الزوجات في تركيا برغم أن القانون يحظر ذلك، ولكن صعود حزب أردوغان الإسلامي للسلطة راح ينقضّ تدريجيا على العديد من قوانين العلمانية الأتاتوركية. وحالة مشابهة في تونس، برغم أن قانون الأحوال الشخصية لبورقيبة كان طليعيا في دعم حقوق النساء، ومن ذلك حظر تعدد الزوجات. ويذكر أن الاعتداءات على المرأة التونسية كانت رائجة في العهد السابق، وهي مستمرة كما يبدو. والأغرب أن نقرأ أن ظاهرة تعدد الزوجات يمارسها فريق من كبار الأغنياء في جنوب أفريقيا.
أما الحالة المصرية، فهي الكارثة بحق برغم الانتفاضة ومظاهرات واعتصامات ميدان التحرير، وكرنفالات quot;الجمعةquot;!
إن هناك اليوم مطالبات متزايدة، وخصوصا من الإسلاميين، بتعديل قانون الأسرة، الذي لعبت سوزان مبارك دورا رائدا في تمريره، والذي كان لصالح المرأة. والأزهر نفسه، الذي كثر الحديث عن ميله لدولة مدنية، راح يصر على حق الزوج وحده بعد الطلاق بالوصاية على الأطفال. وتورد المجلة معلومات رهيبة عن تواصل الاعتداءات الجنسية على النساء المصريات في وضح النهار بعد أن كاد الأمن يتلاشى. وسبق أن توقفنا لدى حالة قيام العسكر بنزع ثياب متظاهرات بحثا عن quot;العذريةquot;؛ وأشرنا لحادث الاعتداء الجنسي لحوالي ستين رجلا [ 60 فقط !!!!!] من quot;الثوار الأشاوس الأبطالquot; على صحفية غربية، واعتدائهم على ضابط بوليس أراد إنقاذها من براثن همجيتهم الجنسية المنفلتة. فهل حدثت في مصر رجة او ضجة استنكار للجريمة؟ كلا. وهل سمعنا بتقديم أحد الجناة للمحاكمة؟ لم نسمع. ومع ذلك فهي ثورة ديمقراطية بحق وحقيق! وسبق أن أكدنا على أن ثقافة العدوان على المرأة وكرامتها لا تنجب ديمقراطية.
وإلى هنا نتوقف، فللحديث شجون وشعاب.