إن كنت من محبي ومؤيدي جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أو من معارضيهم وكارهيهم، فهذا لا ينفي أنّهم القوة الحزبية الرئيسية في الحياة السياسية في الأردن، خاصة في ظلّ وجود ما لا يقل عن عشرين حزبا مرخصة رسميا من وزارة الداخلية الأردنية، أغلبها مجرد تشكيلات لا قاعدة شعبية واسعة لها بين الجماهير الأردنية، وهذا لا ينفي حقها في العمل السياسي والحزبي أيا كان عدد أعضاء كل حزب، فهذه هي صفة الديمقراطية الحقيقية والتعددية السياسية التي أطلقها الراحل الملك الحسين بن طلال عام 1989 بعد أحداث مدينة إمعان الأردنية التي كانت أول تحرك جماهيري أردني، كان الحسين الراحل في مستوى تطلعات الجماهير فأطلق مستوى عاليا من الحريات الديمقراطية والتعددية الحزبية، ما زالت تزخر بها الحياة السياسية الأردنية حتى اليوم، مما أوجد سقفا عاليا من الحراك الجماهيري لم يقابل بأي نسبة من العنف الرسمي قياسا بما شهدته حراكات شعبية في أكثر من دولة عربية، وهذا ليس دعاية للنظام بقدر ما هو حقيقة يعيشها المواطن الأردني، فمنذ بداية عام 2011 شهدت المملكة عشرات الاعتصامات والتجمهرات دون أن يقتل فيها أحد، ما عدا ذلك المواطن الوحيد الذي قتل في تجمهر ميدان الداخاية في مارس 2011 ، ومن بعد هذا الحادث الوحيد تستمر التجمهرات الشعبية والاعتصامات النقابية التي فعلا تكاد تكون يومية، مطالبة بالإصلاحات ورفع الرواتب وعدم رفع الأسعار وملاحقة الفساد والفاسدين دون أي تعرض لهم من قوات الأمن أو الجيش. وكذلك الحادث المتخلف الذي قام به البعض وهو حرق مقر جبهة العمل الإسلامي في مدينة المفرق في ديسمبر 2011 ، كان عدد المصابين في فك الاشتباكات من رجال الأمن أكثر من المصابين من المواطنين، وكان من أصيبوا في ذلك الحادث مدير الأمن العام الفريق حسين هزاع المجالي، أثناء محاولته تهدئة الأوضاع. وللعلم فإنّ المؤكد في الشارع الأردني أنّ من قام بحرق المقر هم مواطنون مناوئين لحزب جبهة العمل الإسلامي، ويعتقد بعضهم أنّه لا يحق للحزب إقامة أية تجمعات أو نشاطات في مدينتهم بدون إذنهم، ويستفاد ذلك من بيانات صدرت في المدينة بعد ذلك الحادث المؤلم، دون أن يعرف الذين قاموا به أنّ عملهم هذا موجه للأمن والاستقرار والدولة الأردنية أكثر مما هو موجه لحزب جبهة العمل الإسلامي أكثر الأحزاب الأردنية انتشارا وتأثيرا بين الجماهير الأردنية.

بدايات إخوان الأردن برعاية ملكية

من المعروف تاريخيا أن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، كان في مدينة الاسماعيلية المصرية عام 1928 على يد مؤسسها الأول المرحوم حسن البنا، ثم امتدت للعديد من الأقطار العربية والإسلامية، ومنها الأردن حيث تأسست هذه الجماعة عام 1945 بجهود المرحوم عبد اللطيف أبو قورة، في رعاية الملك المؤسس عبد الله بن الحسين الذي قام شخصيا بافتتاح مقرها الرسمي الذي ما يزال موجودا في وسط مدينة عمّان، وظلت هذه الجماعة تعمل بشكل رسمي تحت مسمى ( جمعية خيرية ) إلى أن شرّع الراحل الحسين بن طلال التعددية الحزبية رسميا، فأعلنت الجماعة عام 1992 تشكيل حزبها الرسمي باسم ( حزب جبهة العمل الإسلامي ) الذي شارك في أغلب الدورات البرلمانية، وكان آخرها عام 2007 رغم مقاطعته دورة 2010 . ومما يجب أن لا يغيب عن الملاحظة أنّه طوال هذه الفترة الطويلة من عمل الجماعة الرسمي في الأردن، كانت جماعات الإخوان في أكثر من عاصمة عربية تتعرض للعنف والسجن والاعتقال والحظر، إلى حد أن القانون السوري رقم 94 لعام 1980 في زمن الرئيس حافظ ألأسد ينصّ حرفيا على ( إعدام كل من يثبت انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين )، ومن المعروف أيضا أنّ بعض قيادات الجماعة السورية هربت إلى الأردن في زمن الملك حسين بن طلال، واستقرت بأمان سنوات طويلة مما سبّب أحيانا توترا في العلاقات السورية الأردنية في بعض الأحيان.

ما المقصود من هذه المعلومات التأسيسية؟

المقصود بصراحة شديدة أنّ جماعة الإخوان المسلمين الأردنية وحزبها السياسي ( حزب جبهة العمل الإسلامي )، قديم الجذور في الساحة الأردنية بفضل رعاية النظام الملكي الأردني، لذلك أعلنت الجماعة في الشهور الماضية مرات عديدة على أنّهم مع استمرارية النظام الملكي في الأردن، ويطالبون بالإصلاح الحقيقي فقط. وقد كانت أوضح هذه التصريحات ما صدر عن الشيخ حمزة منصور الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي في يناير 2011 مع انطلاقة الثورات العربية، حيث قال: (إخوان الأردن سيستمرون في رفع شعار المطالبة بإصلاح النظام لكنهم لن يرفعوا أبدا شعار إسقاطه أو الانقلاب عليه ). وأردف موضحا ( لسنا دعاة ثورة ولا دعاة انقلاب، نحن دعاة إصلاح، وحتى لو تم التصعيد ضدنا مستقبلا، فإن ذلك لن يخرجنا عن مسارنا في المطالبة بإصلاحات شاملة وحقيقية بوسائل سلمية وبمشاركة جميع الأطياف السياسية بالبلاد ). وأرى أنّ هذا قمة الحكمة والعقلانية من الشيخ حمزة منصور، فهو وجماعته أدرى بأنّ النظام الملكي هو السقف الوحيد الذي يمكن أن يجمع الأردنيين من كافة المنابت والأصول في ظلّ تنامي الأصوات الإقليمية والنزعات العشائرية التي تحاول في مناسبات عديدة أن تكون فوق القانون، مع أنّ كرامة العشائر الأردنية كافة لا يحفظها إلا القانون، مما يعني أنّه من الحكمة والمنطق أن تحتكم فيما بينها من خلافات ومشاكل لمنطق القانون وليس العرف العشائري، كي تسهم في بناء دولة قانون تعطي الجميع حقوقهم بغض النظر عن الأصل والمنبت والانتماء، وهذا ليس صعبا تحقيقه في ظلّ أنّ كافة العشائر الأردنية ساهمت في بناء الأردن الحديث، ولا تخلو عشيرة من الأكاديميين والسياسيين والحقوقيين المرموقين، الذين تقع عليهم مسؤولية الارتقاء إلى مستوى الدولة المدنية العصرية. كما انّ مطلب المحافظة على النظام الملكي في الأردني مع مصاحبة ذلك بالإصلاح الحقيقي الشامل الجذري، هو تأكد من جماعة الإخوان المسلمين أنّ أي نظام آخر أيا كان اسمه لن يتيح لهم هذا القدر من الحريات والتحركات في ضوء نسيج المجتمع الأردني الذي لا يمكن أن يجمعه إلا نظام ملكي يشكل السقف العام والظل لكافة المنابت والأصول.

ما هو المطلوب من الإخوان الأردنيين؟

أرى أنّ جماعة الإخوان المسلمين الأردنية من خلال حزبها (جبهة العمل الإسلامي ) تستطيع القيام بدور جذري في دفع عملية الإصلاح الشاملة في المملكة الأردنية، وذلك من خلال فعاليات وتحركات لا أمليها من طرفي على أحد بقدر ما هي رؤية تحليلية لمعرفتي العميقة بالواقع الأردني، وحتما جماعة الإخوان المسلمين يعرفونها أكثر وأعمق مني. رؤيتي هذه تتلخص فيما يلي:

أولا: مشاركة الجماعة وحزبها في كافة الحوارات الخاصة بتفعيل الإصلاحات، مهما رأت واعتقدت أن هناك تأخيرا في العملية، لأنّ أي مطالب بالإصلاحات لا يستطيع دفعها إلى الأمام وهو في وضع المراقب تاركا التحرك لفعاليات أخرى أقل منّه تأثيرا في الشارع الأردني.

ثانيا: أهمية المشاركة في الانتخابات البرلمانية والبلدية من المنطلق ذاته، لأنّ البرلمان هو من يشرّع القوانين ويلاحق كافة القضايا والتجاوزات الحكومية، وبالتالي فإن وجود حزب جبهة العمل الإسلامي داخل مجلس النواب الأردني مهما كان عدد أعضائه الفائزين بالعضوية، من شأنه أن يشكل رقابة وحضورا فاعلا سيدعم عملية الإصلاحات الشاملة التي تطالب بها الجماعة وحزبها، وتدعمها في ذلك غالبية الجماهير الأردنية.

ثالثا: وهو مهم للغاية حسب قراءتي للواقع الأردني، وهو ضرورة تركيز الجماعة وحزبها على الشأن الداخلي الأردني بعيدا عن أية أجندات إخوانية إقليمية أو دولية من خلال الارتباط بسياسات القيادة العالمية للجماعةن لأن الشأن الأردني الداخلي يستحق كافة جهودها وفعالياتها. ومن هذا المنطلق كان الإشكال القديم الجديد وهو الارتباط بين الجماعة الأردنية وحركة حماس الفلسطينية، الذي أعتقد أنّه في طريقه لحل جذري بعد التطورات التي تشهدها حركة حماس ومحاولات فصل جماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية عن الجماعة في بلاد الشام، وبالتالي ستكون لحركة حماس استقلاليتها التنظيمية عن الجماعة الأردنية.

تلك هي رؤية تحليلية شخصية، تهدف لدفع عملية الإصلاح الأردنية التي تميزت بعدم الوقوع في دائرة العنف الذي وصل لقتل الألاف في أكثر من عاصمة عربية. وبالطبع نتمنى الإصلاح والحرية والديمقراطية لكافة الشعوب العربية بدون عنف وقتل، فيكفي هذه الشعوب ما عانت طوال ما يزيد على سبعين عاما مضت.
[email protected]