هذه ليست مقالة تحليلية لوضع سياسي، ولكنها نداء إنساني للملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وأهمية هذا النداء كونه يتعلق بوضع إنساني لشاب صغير السنّ، والملك يحتفل قبل أيام ببلوغه الخمسين من عمره، وهذا الشاب لم يبلغ بعد سوى ثمانية عشر عاما من عمره، وهنا في بلاد الغرب التي يعرفها جيدا الملك، يعتبرون هذا العمر أنه ىسنّ المراهقة، أي أنّ صاحبه أيا كانت جنسيته وهويته يتم التعامل معه بشكل يختلف عمن بلغ عمرا أكبر من ذلك.

ما هو هذا الوضع الإنساني؟
إنّه الوضع الخاص بالشاب الأردني (عدي أبو عيس) من رعيتك وشعبك يا جلالة الملك، الذي حكمت عليه محكمة أمن الدولة الأردنية بالسجن سنتين بتهمة (المسّ بكرامة الملك) لأنّه قام في الثاني عشر من يناير 2012 ، باعتلاء مبنى بلدية مأدبا وحرق صورتك. نعم إنّه عمل غير مقبول واستفزازي، وليتك تسمح لي للتذكير ببعض المعلومات والحقائق التي ستدعم قراراكم بالعفو عن هذا الشاب، وكون ما قام به لا يمسّ ولا يهزّ مكانتك لدى الشعب الأردني الذي يجمع على دعمك بأغلبية أحزابه وعشائره، ويطالبون فقط بالإصلاح الحقيقي الذي يليق بهذا الشعب الذي أسّس دولة عصرية رغم شحة الموارد الطبيعية التي عوضّها بموارده البشرية الغنية المتفوقة:
أولا: من المعلومات والمواقف العصرية الحديثة ما طالبت به منظمة هيومن رايتس ووتش بسحب تهمة المس بكرامة الملك الموجهة لأبو عيسى، واعتبرت أن تجريم الاهانات المنسوبة لرئيس الدولة لا تستقيم مع معايير القانون الدولي لحقوق الانسان التي تحمي حرية التعبير عن الرأي، وانت أدرى مني يا يا ملك البلاد بهذه القوانين الدولية في الدول الغربية الديمقراطية، ويكفي التذكير بنشر صورة الرئيس الأمريكي رئيس الدولة العظمى في العالم قبل أيام قليلة، وهي مثقوبة بالرصاص مما اعتبرته وكالة الأمن الداخلي الأمريكية أنّه تهديد صريح لحياة وسلامة الرئيس الأمريكي، ورغم ذلك لم يتم ملاحقة أو اعتقال بعض ممن تمّ التأشير على أنّهم وراء نشر هذه الصورة المثقوبة بالرصاص. وكذلك ملكة بريطانيا العظمى لم تسلم من تجاوزات كهذه كما نشر على صفحتها في الفيس بوك ألاف من تعليقات مسيئة في نوفمبر 2010 خاصة التعليقات المعادية للنظام الملكي، ووصف بعض زوار الموقع الملكة بأبشع الصور والأوصاف، ونشروا تعليقات مسيئة خاصة من أنصار ومطالبي بنظام جمهوري في بريطانيا، فلم تتم ملاحقتهم وكل ما تمَ هو حذف تعليقاتهم من الصفحة فقط.
ثانيا: ما أعلنه صراحة محامي الدفاع موسى العبدلات عن هذا الشاب المراهق من أنّ هذا الحكم غير عادل (حيث لم تأخذ المحكمة بأسباب تخفيف مدة الحكم نظرا لصغر سن الشاب الذي يبلغ 18 عاما وأسباب أخرى قدمها، كانت لتؤخذ بعين الاعتبار لو جرت المحاكمة في محكمة مدنية).
ثالثا: وهو الأهم للغاية ما نتذكره وموثق من سيرة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، كيف صفح عمن أساءوا إليه إساءات أكثر و أوقح من حرق صورتك. فمن يتخيل ما قام به بعض أفراد قبيلة الرسول قريش من ايذاءات وتشويه له خاصة بعد إعلانه الدعوة للإسلام. لقد كان أبو لهب وإمرأته في مقدمة الذين أساءوا للرسول الكريم إلى درجة أنّ الله تعالى وصف زوجته ب (حمّالة الحطب). ورغم ذلك لم ينزل الرسول الكريم لمستويات محاولة تعقبه أو تعذيبه وإهانته. وقصة الرسول الكريم مع جاره اليهودي الذي كان يكبّ كيس الزبالة يوميا على باب منزل الرسول، فيحمله ويرميه في المكان المخصص للزبالة. وفي يوم من الأيام لم يجد الرسول كيس الزبالة كالعادة، فسأل: مأاخبار جاري اليهودي؟ قالوا له: إنه مريض ، فنسيّ إساءاته وذهب ليزوره ويطمئن عليه. أليس حريّا بنّا الاقتداء بسيرة الرسول الكريم؟.
رابعا: في زمننا المعاصر كم سمعنا ورأينا من أوربيين غاضبين على سياسات ما في بلدانهم يعتدون على رؤسائهم ووزرائهم برميهم بالبيض والبندورة وغيرها، دون جلبهم للمحاكم أو الاعتداء عليهم من الحراس والشرطة. لأنّ هذه هي التعاملات التي تليق بالديمقراطية التي تمارسها وتعيشها تلك الشعوب، وتطمح لها شعوبنا ومنها الشعب الأردني الذي سقف الحريات عنده أفضل من غالبية الأقطار العربية.
لذلك كم ستكون خطوة جريئة وديمقراطية عالية، لو تمّ ضمن نفس السياق إلغاء المادة 195 من قانون العقوبات الأردني التي تنصّ على أنّه (يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاثة سنوات كل من ثبتت جرائته بإطالة اللسان على جلالة الملك من خلال ارسال رسالة خطية أو شفوية أو الكترونية أو أي صورة أو رسم هزلي لجلالة الملك، أو قام بوضع تلك الرسالة أو الصورة أو الرسم بشكل يؤدي إلى المس بكرامة جلالته، أو يفيد بذلك وتطبق العقوبة ذاتها اذا حمل غيره على القيام بأي من تلك الأفعال). إنّ هذا الإلغاء سيعني أن الملك من الشعب وإلى الشعب ومسؤول عن كل ما يحقق حرية التعبير، وينسجم مع معايير حقوق الإنسان التي سبق أنّ ذكّرت بها منظمة هيومن رايتس ووتش.
خامسا: وأخيرا هو نداء عائلة هذا الشاب الذي وجههته لجلالتكم معلنة ولائها لكم شارحة ظروف حياته الصعبة، طالبة منكم العفو عنه. حيث أكّد والده أنّ (ابني يشعر بالندم الشديد، جراء ما أقدم عليه، وكلنا في العائلة نحمل مطلق مشاعر الولاء للملك. يا سيدي، هذا ابني البكر، وسندي في الحياة، وأنت سند وعون لي وله ولكافة الأردنيين. نسألك العفو عنهraquo;. ومما لا بد من التذكير به أن الشاب نفس قد قدّم اعتذاره لجلالتك.
لذلك ولكل الاعتبارات والحقائق السابقة، اتمنى أن يصل هذا النداء للملك عبد الله الثاني من خلال بعض مستشاريه، ويصدر عفوا عن هذا الشاب وأيضا يلغي المادة المذكورة من قانون العقوبات ليثبت لشعبه أنّه منفتح على النقد البناء الخالي من الاتهامات الجزافية، وأنّه مع الديمقراطية الحقيقية المطبّقة فعلا في ميدان الواقع الأردني. تصور يا ملك البلاد كم ستؤسس لسنّة حسنة جديدة جريئة أمام ألأنظمة الملكية والأميرية والسلطانية في الوطن العربي. واعتمادي في إيصال هذا النداء لجلالة الملك عبد الله الثاني أولا على مستشاره الإعلامي الزميل الأستاذ أمجد العضايلة، المعروف بتواضعه واستماعه الشديد لكلّ ما يهم الأردن في كافة الميادين خاصة حرية التعبير وإبداء الرأي والدفاع عن المظلومين. وكي يضاف هذا العفو للمسيرة الديمقراطية وسقف الحريات التي يعيشها الأردن، خاصة أنّه في الأسابيع الماضية صدرت قرارت عفو عن سلفيين إسلاميين ، هذا الشاب المراهق أولى منهم بالعفو الملكي الذي أنا متأكد من صدوره.

ملاحظة مهمة
هذا النداء مجمل أفكاره لأصدقاء من نشطاء حقوق الإنسان من عدة جنسيات أوربية، اجتمعنا معا لمناقشة الحدث، وبالتالي ربما يكون دوري فيه هو ترجمة وتقديم أفكار الاجتماع والنقاش باللغة العربية فقط ، وأيضا حرصي على دعم المسيرة الديمقراطية في المملكة ليستمر هذا الوطن في البناء والتقدم اعتمادا على موارده البشرية التي يمكنها تعويض نقص الموارد الطبيعية.
[email protected]