السيدة توجان الفيصل النائبة الأردنية السابقة والكاتبة المعروفة بصراحتها وشجاعتها غير المعهودة، تفرض عليك احترامها اتفقت مع ارائها أم اختلفت، وذلك بسبب وضوحها في التعبيرعن قناعاتها بدون لف ودوران أو خوف أو مراعاة لأحد، فهي إمرأة حديدية بمعنى الكلمة، خاصة أنّها كانت أول إمرأة أردنية تدخل مجلس النواب الأردني في دورته بين عامي (93 ndash; 1997 )، وكانت نائبة مشاكسة بجرأة شديدة، مهما بلغت نسبة الاختلاف مع تطرفها في طرح أرائها، إلا أنّها قناعاتها الشخصية التي ينبغي احترامها طبقا لمعايير حرية الرأي خاصة عندما كانت نائبة في البرلمان مما يعني أن انتخابها كان من خلال جماهير مقتنعة بجدوى وجودها في مجلس النواب.
ما هي مناسبة هذا القول الآن؟
المناسبة مهمة للغاية خاصة في ظروف مصادرة حرية الرأي والتعبير في العديد من الأقطار العربية، ودور الأجهزة الأمنية ودوائر المخابرات تحديدا في لعب دور هذه المصادرة. والمناسبة الخاصة بالسيدة توجان الفيصل تستحق التوقف والتثمين لمن قام بهذا الدور، وهو كما نشرته العديد من وسائل الإعلام الأردنية، وروته توجان الفيصل شخصيا ل quot;الجزيرة نتquot; يوم الأربعاء الأول من فبراير 2012 كالتالي:
(قالت المعارضة البارزة توجان فيصل إنها تعرضت لتهديد بالقتل أمس الثلاثاء من قبل مجهولين، طلبوا منها عدم التوجه لمدينة الكرك تلبية لدعوة وجهت لها لإلقاء كلمة في إحدى الندوات هناك. وأضافت فيصل: أن ثلاثة أشخاص حضروا إلى باب منزلها قبل ظهر الثلاثاء، وسألها اثنان منهم إن كانت متوجهة للكرك للمشاركة في ندوة حول الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح. وتابعت quot;أجبت بتأكيد توجهي للكركquot;، فأخبرني اثنان من الموجودين: الأفضل ألا تذهبي إذا بدك تظلي عايشة.. فيما كشف الثالث عن مسدس كان يحمله تحت معطفه، وهو ما أشعرني بجدية التهديد .وتحدثت فيصل عن اتصالها بمكتب رئيس الوزراء وإبلاغها لمرافقه الشخصي بما تعرضت له، حيث عاد المرافق وأخبرها بأن المخابرات نفت أي علاقة لها بالأمر وأنها مستعدة لحمايتها في طريق ذهابها للكرك وعودتها من هناك.وقالت quot;حضرت سيارتان بالفعل من المخابرات لحراستي، ونظرا لتعطل سيارتي الخاصة ، أحضروا سيارة ثالثة وأقلتني للكرك حيث ألقيت كلمتي في الندوة هناك .واعتبرت توجان الفيصل أن سابقة تحققت أمس في الأردن ldquo;،حيث ذهبت لإلقاء كلمة في حشد معارض شارك به المعارضون سالم الفلاحات ورياض النوايسة بحماية من المخابراتrdquo;. وأضافت : quot;أتمنى أن تكون حماية المعارضين ومعرفة من يمارس البلطجة ضدهم نهجا عاما لا ردة فعل quot;.ورفضت المعارضة البارزة اتهام أي جهة بالوقوف وراء تهديدها.
أهمية هذا الحقائق الواردة تكمن في،
أولا: أنّها سابقة نادرة في الأقطار العربية أن يتولى جهاز مخابرات دولة عربية القيام بحماية معارض من وزن السيدة توجان الفيصل التي يعرف الجميع حجم انتقاداتها للعديد من المظاهر والممارسات في الحياة الأردنية الرسمية والشعبية، والقيام بإيصالها لتجمع شعبي لتلقي محاضرة فيه ليس مستبعدا أنّها ستنتقد كعادتها بعض الأداء الحكومي، ثم يقوم نفس الجهاز بإعادتها سالمة لبيتها. وضمن نفس السياق،كان الملك عبد الله الثاني قد أوعز بتوفير حماية مسلحة للمعارض البارز ليث شبيلات العام 2011، رغم انتقاداته الشديدة لغالبية أجهزة الدولة ورؤسائها، محمّلا الحكومة مسؤولية أي اعتداء يتعرض له. وتقوم نفس الأجهزة الأمنية بتوفير الحماية الأمنية لمقرات جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة بعد الحادث المؤسف المتمثل في حرق مقر الحزب في مدينة المفرق يوم الجمعة الثالث والعشرون من ديسمبر 2011 ، وكان واضحا أنّه من شباب مناهضين للحركة الإسلامية، كانوا لا يريدونها أن تقيم فعاليات ونشاطات في مدينتهم، وهذا منطق خاطىء لأنّه لا يمكن تجيير مدينة في أية دولة لفئة من البشر سواء كانوا عشيرة أو حزبا، فكل مدن أية دولة هي وطن لجميع المواطنين في أية مدينة يقطنون ولأي حزب ينتمون.
ثانيا: هو أن يكون حماية المعارضين ومعرفة من يمارس البلطجة كما قالت توجان الفيصل ( نهجا عاما لا ردة فعل ). أي أن يكون سياسة عامة لها تطبيقاتها القانونية من أجهزة الأمن والمخابرات، وليس هبّة وقتية لكل حادث من هذا النوع. ولا ينكر أي مراقب أن ما تشهده الأردن من احتجاجات واعتصامات وحشود يكاد يكون يوميا، ومن الصدق أن نسجّل أنّه نادرا ما يحدث احتكاك بينهم و بين رجال الأمن، وهذه ظاهرة تستحق التقدير والتثمين. وللموضوعية يجب على قوى الأمن أن تضبط كل من يقوم بهذه التجاوزات لتظهره على حقيقته، من هو ومن أرسله لممارسة البلطجة والتشبيح سواءا أفرادا أم أحزابا أم جهات حكومية، فبهذه الممارسة تقترب أجهزة الأمن والمخابرات من مواطنيها وشعبها ويصبحون دعما لها في مواجهة ما يواجهه الوطن من مخاطر، خاصة في ظلّ حساسية الأردن بسبب موقعه الجغرافي والحدودي مع أكثر من منطقة توترعربية. وهذا الاحتكاك السلمي بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية يحدث حتى في الدول الديمقراطية، كما لاحظنا في شهر نوفمبر 2011،الاحتكاكات بين الشرطة الأمريكية وحركة (احتلوا وول ستريت) في إحدى الساحات بمدينة نيويورك، وأجبرت الشرطة المحتجين المعتصمين سلميا على مغادرة المكان بعد أن قامت بتفكيك خيامهم.
إذن من يمارس البلطجة والتعديات التي نرى بعضها؟
من الشجاعة أن نعترف أنّه في أحيان كثيرة يقوم بهذه البلطجة في بعض الدول ذات الهامش الديمقراطي الواسع كالكويت والأردن، أفراد من الشعب يضعون الانتماء والعرف العشائري فوق قانون الدولة وهيبتها. وهذا لا يليق لا بالأفراد ولا العشائر نفسها. فكيف يمكن أن نفهم تهجم عشيرة كويتية على خيمة مرشح نيابي وحرقها مما استدعى فوضى عارمة وتهديدات أدت إلى تدخل رجال الأمن. وفي الأردن كيف نستوعب قيام بعض الشباب يوم الأحد الثلاثين من يناير الماضي بالتهجم شديد اللهجة وبعبارات نابية على خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في بيت العزاء الخاص بالمناضل بهجت أبو غربية، والغريب أنّ بعض هؤلاء المتهجمين من الحزبيين المعروفين. و لو لم يتحاشى خالد مشعل ووفده الرد على المتهجمين، أما كان ممكنا عندئذ أن يحدث اشتباك وعراك بالأيدي وغيرها؟. و فورا سنجد من يقول أنّ هذا مدبر من الأجهزة الأمنية لإفشال زيارة خالد مشعل إلى الأردن التي فتحت صفحة جديدة بعد انقطاع دام 13 عاما.
وفي قضية الدكتور أحمد عويد العبادي
هناك قضية عدلية رفعها ضده مجموعة من المتقاعدين العسكريين، فتمّ استدعاؤه للمحكمة، فهل من المنطقي أو الحكمة رفض قرار المحكمة واللجوء لحماية العشيرة؟. منطق وهيبة الدولة، أية دولة، يفترض الامتثال لطلب المحكمة كي نؤكد وجود قانون يحمي أمن وسلامة الجميع، إذ بدون ذلك بدلا من أن نتقدم نحو دولة مدنية ديمقراطية لجميع مواطنيها سنعود لمنطق وعرف العشائر الذي مع احترامي لكافة العشائر الأردنية لا يجوز أن نحتكم إليه في قضايا عدلية لها علاقة بأمن الدولة ومستقبل النظام المظلة لجميع الأردنيين من كافة العشائر والمنابت والأصول. ولأن المسألة تتعلق بهيبة الدولة واحترام القانون، أصرّت أجهزة الأمن على أن يقوم بتسليم نفسه للمحكمة وهذا ما تمّ مساء الخميس الثاني من فبراير الحالي، حيث سيباشر مدعي عام محكمة أمن الدولة التحقيق معه. وفعلا من المنطقي السؤال: ماذا كسب الدكتور أحمد عويد العبادي من كل هذه الضجة والاستعراض والتحدي لقرار المحكمة العدلي سوى أنّ أقرب المقربين له، تخلّوا عنه وأصدرت الحركة الوطنية الأردنية التي ينتمي إليها بيانا بفصله، وهذا نصه:
( تفاجأت كوادر الحركة الوطنية الاردنية بتصريح الدكتور أحمد اعويدي العبادي على موقع خبر جو، والذي يقول فيه أنه سيعلن الجمهورية الاردنية ، وأنه سيعلن من واشنطن ويكون بذلك يستقوي بالخارج
وبناء عليه دعت الحركة الوطنية الاردنية الى اجتماع عاجل تدارست فيه أبعاد هذا التصرف اللامسؤول وقررت مايلي:
1 .اعتبار الدكتور احمد عويدي العبادي خارج الحركة الوطنية الاردنية وجميع أطرها، وقطع أي اتصال معه، وإن كل ما صدر عنه يمثله شخصيا فقط.
2 .التاكيد على ثوابت الحركة الوطنية الاردنية المعلنة في برنامج الحركة وفي مؤتمرها الاول وجميع ادبياتها والتي التف حولها الاردنيين.
3 .الدعوه الى اجتماع موسع لكوادر الحركة الوطنية الاردنية ودعوة عدد من الرموز والشخصيات الوطنيه لاختيار رئيس للحركه.
عاش الاردن حرا عزيزا
امين سر الحركة الوطنية الاردنية
(رشيد كراسنة، أبو الحكم ).
هذا وقد أعلن لاحقا تعيين الناشط السياسي سعود الغويين رئيسا للحركة بالوكالة بعد اجتماع عقده المكتب التنفيذي للحركة، مؤكدين الاستمرار في اجراءات تأسيس حزب جبهة العمل الأردني كذراع سياسي للحركة.
مع أنّه كان بإمكان الدكتور العبادي بدون هذه الضجة أن يمثل للتحقيق، ويثبت أنّ ما أدلى به يقع ضمن حرية الرأي والتعبير، وكان سيجد فعلا من يقف معه ويسانده، أمّا الاحتماء بالعشيرة ضد القانون والدولة فهي سابقة لم أسمع بها سابقا لا في الأردن ولا في أية دولة عربية. لذلك كان موقفا شجاعا أيضا من عشيرته، أن اجتمع وجهاؤها صباح الأحد الموافق الخامس من فبراير الحالي لمناقشة ما أسموه ( الأحداث المؤسفة التي وقعت يومي الخميس والجمعة، مؤكدين الولاء والانتماء للعرش الهاشمي الذي ورثوه عن أبائهم وأجدادهم، وتأييدهم لرؤية جلالة الملك المفدى على منهجية الإصلاح السياسي والاقتصادي في المملكة الأردنية الهاشمية ومحاربة الفساد والمفسدين ). وطالبوا ب ( العفو عن جميع المعتقلين على أثر الأحداث المؤسفة التي حدثت..وكذلك العفو عن الدكتور أحمد العويدي مع تأكيده والتزامه بالولاء للعرش الهاشمي ). وأنا أعتقد أنّ هذه الزوبعة ستنتهي بما يحقق الوئام والوفاق الذي من شأنه دفع عجلة الإصلاح المطلوبة في الأردن التي يستمر الحراك الشعبي في المطالبة بها والتسريع في تنفيذها.
لذلك فإن هذا الدور السلمي للأجهزة الأمنية الأردنية من المهم العمل على تطويره أكثر مما هو الآن، ليصبح فعلا حاميا لهذه الهوامش الديمقراطية الواسعة وحرية التعبير والتعددية السياسية التي هي الوسيلة الوحيدة لبناء دولة عصرية. وكي استبق تعليقات البعض من القراء الأعزاء أقول بوضوح: إنني سوف أثمن أي هامش ديمقراطي وتعددية حزبية في أي قطر عربي وأي دور حضاري لأجهزتها الأمنية حتى لوكانت من الدول والأنظمة التي انتقدتها بعنف. وإذا وجد هذا الهامش والممارسة والتعددية والهدوء في التجمعات والاعتصامات في أية دولة عربية أخرى، تناسيتها أو تغافلت عنها فلينبهني السادة القراء لمتابعة ذلك وتثمينه. فلا مصلحة لي إلا مع مصلحة المواطن العربي الذي شبع قهرا وظلما قبل أن يشبع خبزا وطعاما.
[email protected]
التعليقات