أعترف بجرأة وصراحة شديدتين أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأسدية التي جرت في سورية المضطهدة والمظلومة أسديا، خيّبت ظني وأظهرت خطأ توقعاتي. و للأمانة الديمقراطية أو غير الديمقراطية ففي سورية الأسد الأمران ملتبسان، فالديمقراطية والحريات السياسية غير موجودة منذ استيلاء البعث الفاشي على السلطة عام 1963، وترسخت مصادرة الحريات بشكل قمعي في زمن الأسد الأب، فورث الأسد الإبن نفس التسلط، ولكن كونه قادم من بريطانيا (و زوجته أسماء الأخرس المواطنة الحمصية تحمل الجنسية البريطانية)، فقد أعطى نتائج انتخاباته الرئاسية الأخيرة لمسة بريطانية على الخفيف تماما كمن يرش حبات الملح على أكلة ما، ولكن أكلة الأسد هذه تأكل الشعب السوري خاصة مدينة حمص مسقط رأس وموطن زوجته أسماء الأخرس، التي من المؤكد مات من رصاص قناصة وشبيحة زوجها بعض معارفها أو من جاورتهم ودرست معهم وربما أقاربها إن لم تكن قد نقلتهم بالجملة قريبا من قصرها الرئاسي.
ما هي هذه النكهة الجديدة في انتخابات دستور رئاسة للأبد؟
توقعت في مقالتي السابقة (دستور قمعي على مزاج ديكتاتور وريث بالتزوير) المنشورة يوم الإثنين السابع والعشرين من فبراير الماضي بعد يوم واحد من بدء الانتخابات الديكورية وقبل إعلان نتائجها، أنّ النتيجة معروفة مسبقا وأن الأسد سيحصد كالعادة فوق 95 بالمائة من الموافقين على مواد دستوره التي فصلّتها بدقة وأهمها بقاؤه بعد الانتخابات في منصبه لعام 2014 ثم من حقه ولايتين جديدتين لمدة 14 عاما، أي أن الشعب السوري كان مطلوبا منه أن يبقى الأسد الوريث بالتزوير حتى عام 2028 وبعدين بيحلها تعديل جديد لما يسمى مسخرة الدستور. لقد خابت توقعاتي هذه، وما اعتبرته نكهة بريطانية حاول الأسد أن يخدع الجماهير الثائرة بها، هي أن النتيجة التي كانت جاهزة مسبقا، اكتفى فيها لأول مرة في حياة الأسرة الأسدية، بنسبة 90 بالمائة، كما اعلنها اللواء محمد الشعار وزير داخلية الأسد، والغريب الذي يصل حد الدجل هو قول الوزير (انّ 4،89 بالمئة من المشاركين باستفتاء الأمس وافقوا...ليصبح بذلك دستورا ناجزا، وليدشّن ما وصفه بعهد جديد من التعددية السياسية).
أية تعددية ونفس الأسد سيبقى لعام 2028؟
إنّ تفاصيل الأرقام التي أعلنها الوزير البعثي تمت صياغتها بدقة معتقدين أنّها ستمرّ وتدخل عقول من يعرفون طبيعة هذا النظام وتخصصه في مجالات أهمها: التزوير، القمع، القتل، تعدد السجون والمراكز الأمنية، ومصادرة حرية التعبير، والفساد وسرقة ثروة الشعب السوري. ولأنّ طبيعة النظام هذه معروفة للداخل والخارج لذلك كانت غالبية ردود الفعل رافضة لهذه المسخرة التي هي إهانة واضحة للشعب السوري أن يتم الإدعاء أّنه وافق على بقاء الأسد الإبن مبدئيا حتى عام 2028 أي أنه حتى هذا العام يكون هو ووالده قد حكما سورية شعبا وثروة لمدة 58 سنة فقط (عين الحسود فيها 58 عودا). طبعا إذا لم يتم اسقاط هذا النظام بإرادة الشعب السوري أولا، ففي عام 2028 يكون الأسد الإبن ما زال شابا عمره 63 عاما فقط، وحتما سيتم تعديل جديد لمسخرة ما يسمى الدستور، ويتم التجديد له إلى أن يتذكره عزرائيل ملك الموت، فلولا عزرائيل هذا صدقا وحتما لبقيّ الأسد الأب حافظ محافظ على الرئاسة حتى اليوم.
هذه هي سيكولوجية الديكتاتور
وهي منظومة غير أخلاقية أصبحت عرفا في الحياة العربية لولا اندلاع هذه الثورات. فهذا الديكتاتور أيا كان اسمه قد كان مواطنا عاديا في الغالب فقيرا أو بسيطا، ووصل للسلطة غالبا عبر الانقلابات العسكرية أو التوريث، ليتحول من شقة بسيطة إلى قصور وخدم وحشم وحراسات رئاسية واستعراضات عسكرية وسجاد أحمر في المطار وثراء فاحش بالمليارات في البنوك المحلية والغربية. هل هذا الديكتاتور من خلال هذه السيكولوجية الجديدة المعقدة سيقبل بالديمقراطية الأوربية والأمريكية التي لا تسمح للرئيس بأكثر من ولايتين لمدة ثماني سنوات، والعديد منهم لم يفز في الولاية الثانية فحكم لمدة أربع سنوات فقط، بما فيهم رؤساء دول عظمى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
ردود فعل عنيفة على تزوير ديكتاتور بالوراثة
وليد جنبلاط يمتلك الشجاعة ويهاجم قتلة والده
النائب اللبناني وليد جنبلاط رئيس quot;جبهة النضال الوطني quot; والزعيم الدرزي المعروف، رغم تقلباته السياسية الأخيرة وتحالفاته بعض الوقت مع داعمي الأسد الوحش، إلا أنّه مع انطلاق ثورة الشعب السوري، عاد لمواقفه المبدئية متذكرا أنّ هذا النظام المتوحش هو من اغتال والده الزعيم كما جنلاط في السادس عشر من مارس 1977 وبأوامر شخصية من حافظ الأسد وشقيقه رفعت. ولقراءة التفاصيل المذهلة لهذا الاغتيال الإجرامي يمكن قراءة التحقيق مع العميد عصام أبو زكي المسؤول في الأمن الداخلي اللبناني على الرابط التاالي:
http://alhakika.cjb.net/
لذلك يواصل وليد جنبلاط منذ شهور هجومه ونقده العنيف للنظام الأسدي غير خائف أن يلاقي مصير والده. وقد وصف الاستفتاء الأسدي بأنّه (المسرحية الدستورية) ولم يوفر من نقده الموقفين الروسي والإيراني الداعمين لنظام الأسد في مواجهة شعبه.
واشنطن للأسد: الاستفتاء على الدستور وقاحة مطلقة
وهذا ما أعلنته فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، معتبرة انّ هذا الاستفتاء يعبر عن وقاحة مطلقة من نظام الأسد وأنّه استفتاء يثير الضحك، لأن الهدف المخطط له هو بقاء الأسد في السلطة وهذا ما حصل. والأهم تساؤلها: quot; عن كيفية انطلاق عملية لإرساء الديمقراطية فيما الدبابات وقوات نظام الأسد تواصل اطلاق النار على المدنيين. هذا وقد وصفت هيلاري كلينتون الأسد (يمكن القول إنّ الرئيس السوري مجرم حرب بشكل رسمي).
مرشح فرنسي: النظام الأسدي حقير
هذا ما صرّح به المرشح الرئاسي الفرنسي عن الحزب الاشتراكي الفرنسي للانتخابات الرئاسية، داعيا إلى فرض عقوبات على النظام وممارسة الضغوط وتهديد الأسد بإحالته إلى محكمة الجنايات الدولية. وقد جاءت فورا العقوبات الدولية الأوربية الجديدة، إذ أعلن الاتحاد الأوربي تبني مجموعة جديدة من العقوبات تشمل تجميد ممتلكات البنك المركزي السوري في أوربا، ومنع سوريا من التجارة في المعادن الثمينة كالذهب، ومنع طائرات الشحن السورية من الهبوط في المطارات الأوربية.
لذلك فالشعب السوري أمام احتمالين لاثالث لهما،
بعد الإقرار التزويري لهذا الدستور التوريثي الأسدي:
1. أن تتمكن الثورة السورية بدعم عربي ودولي من اقتلاع هذا النظام الأسدي من جذوره، وتحويل رموزه الأساسيين لمحكمة الجنايات الدولية.
2. أو سيبقى بشار الوريث بالتزوير منذ عام 2000 رئيسا بشكل أولي حتى عام 2028،ثم سيقوم بمسخرة جديدة تعدّل ما يسمّى زورا الدستور، ليجدد رئاسته وهو في عمر 63 عاما، إلى أن يتمكن منه ملاك الموت عزرائيل، وليس مستبعدا أن يكون قد ورّث ابنه حافظ الثاني. فلينتظر الشعب السوري ونحن معه لنرى أي هذين الخيارين سيحدث؟ ومن لديه خيار ثالث فليتفضل بإخبارنا علّ فيه فرج قريب للشعب السوري غير توقعاتي.
[email protected]
التعليقات