الأستاذ الكبير مير بصرى ولد فى بغداد فى 19 أيلول 1911 ودرس فى مدرسة التعاون ومدرسة الأليانس حيث تخرج عام 1928. درس اللغة العربية على مصطفى جواد والأب أنستاس الكرملى، ودرس تاريخ العراق على يد عباس العزاوى والعروض العربى على يد الشاعر محمود الملاح واللغة العبرية على إسحق بونفيس، وتعمق واختص فى دراسة الإقتصاد والآداب العربية والعالمية...وقد تقلّد سابقا مناصب مهمة منها رسمية كالسلك الدبلوماسى أو الثقافي حيث قام بأعمال سكرتارية وزارة الخارجية العراقية ومدير التشريفات وكالة 1928 ثم مديرية البرق والبريد عام 1933 ثم غرفة تجارة بغداد عام 1935 معاونا لسكرتيرها ثم مديرا لها ودوره فى تأليف الدليل الرسمى العراقى عام 1936 م وكذلك عين وكيل مراقب للبورصة التجارية ثم عين سكرتيرا وعضوا للجان المختلفة فى التجارة وشؤون التموين إبان الحرب العالمية عام 1939 وفى عام 1945 تولى إدارة شركة تجارة الشرق وانتخب عضوا فى مجلس اللواء العام ومجلس إدارة لواء بغداد . ثم مديرا للتجارة والدعاية ومعاونا فى جمعية التمور التابعة لوزارة الإقتصاد.. وغيرها

مثّل العراق فى معرض باريس الدولى عام 1937 ومؤتمر التجارة الدولى بنيويورك 1944 ومؤتمرىالمستشرقين الدوليين فى كمبرج وميونخ وكذلك مؤتمر أدباء العرب ببغداد عام 1969...غادر بغداد عام 1974 وأقام بلندن وأنتخب رئيسا للطائفة الموسوية بعد وفاة ساسون خضورى عام 1971 ... وقام بنشاطات كثيرة وتآليف رائعة متعددة وحوارات بناءة.

نبيل الحيدري

إن البصرى من النوادر الذين أبدعوا فى مجالات متعددة من الشعر والثقافة والأدب والإقتصاد والأديان والفرق والسياسة.
كان عاشقا للعراق وكانت تدمع عيناه وهو يذكر العراق وقد ألّف ما لم يؤلفه غيره من المراجع والموسوعات وأهمها (أعلام العراق فى القرن العشرين) لشخصيات من مختلف الأديان والمذاهب والفرق والقوميات فى العراق ودامت كتابتها ما يقارب نصف قرن فى جهد جبار لألف شخصية عراقية. وفيها أعلام اليقظة الفكرية فى العراق وصدر عام 1971م، وأعلام السياسة عام 1978 م، وأعلام اليهود فى العراق عام 1983م، وأعلام الكرد فى العراق عام 1991 م، وأعلام الأدب فى العراق عام 1994 م وله ثلاثة أجزاء، ثم أعلام التركمان فى العراق عام 1996 م. وكذلك شخوص بغدادية لينقل لنا تجارب أشخاص مختلفين تجمعهم بغداد فى حكمة وموعظة من تجارب ونوادر وقصص تستحق التقدير لأنه عايشهم وعاصرهم وربما حاورهم أيضا ثم ختمها بفصل عن الفكاهة البغدادية للملا عبد الله الخياط الذى صار حديث البغداديين فى النوادر وأخيرا مأساة شاعر وهى صفحة لصبحى البصام والعبرة التاريخية منها. لقد كانت الموسوعة نادرة وجديدة فى منهجية علمية شاملة واسعة وليس مجرد ذكر لأشخاص وترجمة بل استيعاب فى تحليل ورؤية علمية منهجية لا يناظرها شئ فى الساحة فتكون مرجعا لكل ما بعدها. لقد كان مير بصرى يعرف الكثير منهم عن كثب وعاصرهم وأعطى رؤيته فيهم لقد أبدع فى الموسوعة أيما إبداع وقد ذكر أمورا لم تكن معروفة ليكشف لنا أمورا هامة مثلا تسلم فيليب ساسون وزارة الأشغال العامة فى بريطانيا عام 1974 وكذلك إنشاء مناحيم صالح دانيال لدار الميتم الإسلامى ببغداد عام 1928 وأن ساسون حسقيل شارك فى مؤتمر القاهرة عام 1921 برئاسة ونستن تشرشل ودوره الفعال وكذلك دور ساسون فى مفاوضات مع البريطانيين عندما كان وزير المالية فى حكومة ياسين الهاشمى حيث أصرّ على دفع الشركات البريطانية العوائد من الذهب مما أغضب بريطانيا وكان من مصلحة العراق كموقف وطنى بارز وغيره كثير مما يكشف بوضوح دور يهود العراق الكبير فى الحياة السياسية والإجتماعية والثقافية والأدبية والفنية فى العراق الحديث.

كان يمتلك علاقات واسعة وقد خبر الفعاليات العلمية والسياسية والإجتماعية والثقافية والأدبية والصحفية والمالية والإقتصادية والتجارية فضلا عن أخلاقه العالية وبيته المفتوح
له كتب عديدة أخرى منها تجارة العراق فى مائة عام، ستة كتب عن اقتصاد الدول العربية، أعلام الوطنية والقومية العربية، مواكب العصر، رجال وظلال، نفوس ظامئة، بشر وآلهة، أرانين، مواكب العصر، رحلة العمر، رحلة نيهولت إلى العراق، علم الفلك عند الإفرنج... فضلا عن مقدماته لكتب كثيرة أهمها (نزهة المشتاق فى تاريخ يهود العراق) وغيرها.

نشر آثاره الأدبية فى الجرائد والمجلات العراقية واللبنانية والمصرية والسورية كذلك مقالاته الإقتصادية والإجتماعية وغيرها. عمل محررا اقتصاديا لجريدة (الإخاء الوطنى) و(البلاد) وجريدة (الشعب) وتحرير جريدة (الدليل) الإسبوعية ورئاسة تحرير (مجلة غرفة تجارة بغداد الشهرية لمدة ثمان سنوات، كما ألقى فى الإذاعة العراقية والتلفزيون العراقى وإذاعة الشرق الأدنى ولندن والهند مواضيع مختلفة فى الإقتصاد والأدب والإجتماع وغيرها
نال تكريمات كثيرة منها نوط المربد فى البصرة عام 1971.

أعتقل ظلما مدة شهرين كاملين بلا أمر قضائى عام 1969 ثم أخرج لحضور مؤتمر الأدباء العرب ببغداد، وقدم بحثا متميزا بعنوان (دور الأديب العربى فى بناء المجتمع العربى المعاصر). وأما سجنه فيذكره ويقول
ايه يوما قضيته فى السجون
فى أسار من الونى والشجون
رسمته رؤى النوى والمنون
شاحبا مقفرا كليل الجنون
وقال أيضا
أى جرم جنيته فى حياتى
لأجازى جزاء باغ وعات
أوقوفى منضلا وثباتى
لعراقى ودجلتى وفراتى
هكذا كان حبه حقيقيا صادقا لبغداد ودجلة والفرات
إنه موسوعى كبير عاصرناه واستمعنا لحديثه المشوق وحبه لبغداد والبغداديين والعراق والعراقيين بأخلاقه السمحة وبيته الكريم المفتوح... فيستحق كل الإجلال والإكبار، فإن تركنا فقد خلّف لنا تراثا وتاريخا وفكرا خالدا وزاخرا
ولنعم ما قال السموألأ
إذا المرء لم يدنس من اللوم عرضه... فكل رداء يرتديه جميل
توفى عام 1996 وكان تشييعه مهيبا لمختلف الطبقات والأديان والفرق من رجال دين ومثقفين وكتاب وعشاق متوحدين ولسان حالهم يردد ما قاله جميل صدقى الزهاوى
عاش النصارى واليهود ببقعة hellip; والمسلمون جميعهم إخوانا
وما قاله معروف الرصافى
وإنى أرى العربى للعرب ينتمى.. قريبا من العبرى ينمى إلى العبر
هما من ذوى القربى وفى لغتيهما... دليل على صدق القرابة فى النجر
ويبقى الوطن العراق يظلهم جميعا إخوة كما قال محمد صادق الأعرجى
رغم اختلاف الدين سوف يظلنا.. وطن يوحّد بيننا دستوره.

اعتبر القرآن الكريم الرسل كلهم من الله تعالى (لانفرق بين أحد منهم) ودعى القرآن أهل الكتاب إلى المشتركات فى كلمة سواء بين الأديان الإبراهيمية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية. وأن الله بعث النبى رحمة لجميع البشر (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وجاء أيضا فى القرآن الكريم فى الدعوة للسلام (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة) ليكون السلام هدفا للبشرية والرحمة لجميع الناس
وكما جاء فى أرميا (واطلبوا سلام البلد الذى أوعزت بنقلكم إليه أسرى وصلوا إلى الله من أجله ففى سلامه سلام لكم) أرميا -7-29

من المهم جدا التمييز بين الصهيونية وبين اليهود خصوصا العراقيين الذين رفضوا الصهيونية وأسسوا أحزابا ضدها ولهم مواقف معروفة ومشهودة وهم يعشقون العراق وخدموه بتاريخ ملئ بالفخر والعزة والكبرياء.