في أِنصاتِكَ للجُهّال ِ زيادة في الحلم، وفي أِنصاتكَ للعلماءِ زيادة في العِلم
quot;أِننا كعسكريين نخضع في كل الأحوال الى نظرة الحزب وننفذ قرارات مجلس قيادة الثورة السياسية في الحرب والسلام، وهذه الأمور لاتحتمل المناقشة العسكرية والتحليل الميداني في أجتماعاتنا مع القيادة العليا، لايستطيع أي قائد عسكري محترف أن يعكس وجهة نظره في مواضيع تتعلق بنظرة الحزب وعلى هذا الأساس خضنا الحرب دون حليف quot;.
هذا مارواه حد الأمناء من رفاق الفريق الركن سلطان هاشم الطائي رئيس أركان الجيش الذي ترك العراق بعد غزو الكويت، وأبدى في حينه الشك في تحقيق أي نصر عسكري دون حليف للعراق، وكان قد طلب من الفريق سلطان وضع حقائق الوضع العسكري وأستراتيجية العمل على طاولة الرئيس السابق صدام للمناقشة.
أخفى وزير الدفاع ورئيس اركان الجيش العراقي السابق الفريق الركن سلطان هاشم الطائي دهشته بصمته في أجتماعات الرئيس صدام المتكررة بقيادات الفيالق والفرق العسكرية العراقية عشية حرب عام 1991، ولم يعلن عن رأيه في تخلف الرئيس السابق عن فهم مغزى تحالف 34 دولة عربية وأجنبية تحت قيادة أمريكية لأخراج القوات العراقية من الكويت بالقوة وتحجيم قدرة القوات المسلحة العراقية والحصار الدولي وفرض المقاطعة.
الولاء الأعمى لقائد محترف كالفريق سلطان هاشم يضع علامات أستفهام للحالة الفريدة لفهم العقلية الأستراتيجية القديمة منها والجديدة وطريقة طرح الحوار المتعلق بالتحالف السياسي والعسكري والأقتصادي وأستخلاص نتائجه في عالم عربي يعيش دواماته وتقلبات أوضاعه كل يوم.
القيادات السياسية العراقية والعقيدة العسكرية المطبقة، بكل غرور وعنجهية، لاتعطي القيمة الحقيقية والأهتمام لصيغ التحالفات الأقليمية أو الدولية ( الأقتصادية والمالية والعلمية بالأضافة الى العسكرية ) ولاتدرك منافعها على المدى البعيد. ولقد سببت أزمات 3 حروب خاضها شعب وجيش العراق منذ عام 1980 أضافةً للدمار التام، سببّت أنكساراً نفسيا وقلقا ومرارة فكرية ومأساة أجتماعية عميقة، وعندما تستمع الى تفسيرات أختصاصيو السياسة والأحزاب والأدارة والأعلام العراقيين تكتشف بسرعة علة عدم فهمهم قيمة التجمع والتعاون والتحالف الأستراتيجي بين الدول. أنه بالتأكيد مرض طائفي فرضته التربية ألأجتماعية المُبرَّرة مذهبياً بشكل بغيض جعل قادة المجتمع يدورون في حلقات مفرغة، بغض النظر عمن يسوق عربة البلاد السياسية بالخطاب واللغة والمفردات العسكرية التي أودت بالسيادة العراقية إلى التهلكة.
ضياء الحكيم |
العراق في صورته الأستراتيجية الكبرى أدخل نفسه مرات عديدة في سياسة خرقاء تعتمد في أقصى مفاهيمها غباء quot; ذكر نصف الحقيقة السياسية ونصف الحقيقة العسكرية quot; والتي كانت تعني للناس كامل الحقيقة. والمفردات اللغوية البارعة للنصر التي أستخدمها مجلس قيادة الثورة العراقي بعد أحتلال الكويت أخذت في الأعتبار تسمية القطعات والوحدات العسكرية والجهد العسكري المتوفر لها أنتصاراً وأعطت الأنطباع بأن كفة النصر لصالح العراق دون تلخيص أو دراسة للقوة المادية والبشرية المقابلة وتسبّبت كما يعرف الجميع في نكبة أهل العراق وقواته المسلحة، مقارنة بالجهد العسكري للتحالف الدولي الذي وفرته ألادارة الأمريكية في الحربين الأخيرتين 1991 و 2003 لأنجاح الحملة مئة في المئة.
منذ القرن الماضي كان التحالف الأقتصادي المالي والعلمي وتبادل الخبرات والمعرفة العسكرية قد أعطى الشرعية الدولية السياسية للتدخل في شؤون دول وأبدال حكوماتها بالقوة، ولم يكن ذلك لنشر مفاهيم الحرية والعدالة والديمقراطية لرفاهية الأنسان، بقدر ماأعطى الميزة التجارية لدول تصدير الأسلحة وأِنفاق أموال النفط العربية الطائلة على شراء الاسلحة وهو الموضوع والعنصر الثانوي المتمم للتحالف الأستراتيجي و فتح الأسواق العربية لتوريد السلاح الغربي الذي لم تعامله دول النفط العربية بحذر.
مؤسسات البحوث المهتمة بأستراتيجية الدول وصيغ العلاقات الدولية قد لاتجد مايدعوها لفهم شخصيات هذه البلدان الفريدة وزعاماتها السياسية التي تسير الى جانب السياج فراداً في خشية التحالف الاقتصادي والسياسي والعسكري المتزن قبل القدوم على مغامرات العمل العسكري وصخب ضجيجها الأعلامي بمن سينتصر في الحرب مالياً علمياً وعسكرياً. وذلك ماأصابني بالأعياء والأشفاق على قيادات الأركان العراقية وأرتكازها على عزيمة القوات المسلحة وحدها التي لاتساندها أي دولة ولايدعمها أي عون من أي حلف أقليمي أو دولي.
ماهو التحالف وماهي قيمته المادية؟ في بلد كالعراق يحتاج منظريه السياسيين والعسكريين الى دراسة شامله لفهم وأفهام شعبهم بأن التحالف الأستراتيجي يعني بالدرجة الأولى أزالة شبح الحروب والتقليل من التهديد الأقليمي والأرهاب الدولي وعدم الوقوع بين مخالب دول ذات مصالح متشابكة (شيعية أو سنية مسلمة أو غير مسلمة) في المنطقة. فلو نظر قادة العراق الى جارتهم الشمالية تركيا لأدركوا أنها لم تدخل أي حرب منذ عام 1918، أذا ماتركنا التوتر العسكري عام 1974 مع اليونان خلال الأزمة القبرصية، ولتبين لهم أستماتة القادة الترك في التحالف مع حلف شمال الأطلسي الأوروبي الأمريكي - الناتو- لأسباب أقتصادية وتجارية وأمنية وعسكرية رغم أنها ليست بلاداً أوروبية. والتحالف يعني بناء أرضية تعاون أقتصادي وتجاري نفطي وعلمي وتكنولوجيا التطوير والأبداع في مجالات الأعمار والسياحة وتبادل الخبرات كي لا تكون البلاد محطة تحريض عقيدة ضد عقيدة أو أشاعة الأرهاب ضد معتقدات وقيم قد تكون بالية في نظر المجتمع. وقبل النهوض الاقتصادي و العلمي والتهيؤ للطاقة والعمران أستبقَ العراق الكثير من الدول في انفاق الاموال الطائلة على شراء الاسلحة والتسلح دون الدخول في أحلاف مع الدول الأقليمية أو الدولية للتخفيف عن كاهل عمل القوات المسلحة. فمع أن المملكة السعودية تعتبر في المركز السابع عالمياً من حيث النفقات العسكرية إذ يبلغ مقدار نفقاتها العسكرية ٤٨.٢ مليار دولار أِلا أن مايخدم الغرض الأستراتيجي للمملكة هو أسس التحالف مع دول الخليج والولايات المتحدة.
وربما كان العراق محقاً في عدم الدخول في تحالف أقليمي أو دولي كما يناقشه البعض في دراساتهم الأكاديمية العسكرية وكما يصوره بعض المستحدثين وأدعياء الأستراتيجية وصحفيو الأثارة الأعلامية السيئة الصيت، ولكن ذلك يعني من الناحية السياسية أن أغلب الدول هي على عداء زمني تاريخي مع العراق ويتطلب أبقاءه منفرداً تتجاذبه أطراف سياسية ومذهبية وأعلامية متنافسة.
دخول العراق عضواً في عصبة الامم في جنيف سنة 1932 و منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية سنة 1945 يعتبر تحالفاً مع دول الحضارة والأعتراف الجيوبولتيكي للدولة القائمة. والعراق من الأعضاء المؤسسين لمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة الدول المصدرة للنفط أوبك. وقد لايدرك البعض أن نشأة هذه المنظمات الدولية والعربية هي الأساس في الحفاظ على وجودها وسيادتها على أراضيها وأن بناء التحالفات الدولية التي عادة ً ماتبدأ بمشاورات ومفاوضات ترمي الى تحقيق مصالح شعوبها والدخول في تحالفات ثنائية وثلاثية وبمجموعات مالية دولية تصون من خلالها الدول أستقرار بلدانها وتنمية تجارتها وأستثماراتها وشركاءها في العالم. ومن هذا السياق، قام التحالف الأستراتيجي بين روسيا الشيوعية والولايات المتحدة الرأسمالية في الحرب العالمية الثانية لدحر ألمانيا الهتلرية، كما أن القادة العسكريين في الولايات المتحدة يهمهم توزيع الجهد العسكري وتنسيقه مع حلفاء ولاتستطيع أي أدارة أمريكية أعلان الحرب أِلا بعد مناشدة حلفائها المشاركة الفعلية في مجهود العمل العسكري.
أن العراق حالة فريدة من نوعها في تاريخ العلاقات الدولية.... وهو حال أغلب الدول الضعيفة التي تقع تحت رحمة الدول الحليفة ويستهوي قادتها أدارة دفة البلاد بعقلية الفرد.
باحث وكاتب سياسي
التعليقات