يروج التحالف الشيعي الحاكم في العراق برئاسة نوري المالكي لفكرة تشكيل حكومة اغلبية سياسية في العراق بديلا عن حكومة الوحدة الوطنية القائمة على اساس التوافقات والمحاصصة السياسية بين مجمل المكونات والاحزاب، بحجة ان حكومة الشراكة او الوحدة معرقلة للعمل الحكومي وتحول دون تنفيذ البرامج والمشاريع الرصينة والطموحة لرئيس الوزراء !!!

ان مفاهيم حكومة الشراكة او الوحدة الوطنية او الغالبية السياسية ترتبط بالنظم البرلمانية، فالحزب السياسي او التكتل الانتخابي الفائز في الانتخابات له حق تشكيل الحكومة ويمتلك القدرة لتمرير مشاريع قوانينه في البرلمان على اساس تمتعه باغلبية الاصوات في حين تتجه الاحزاب الخاسرة الى شغل كراسي المعارضة لمراقبة وتقييم العمل الحكومي.

وفي حال عدم تمكن اي حزب او تكتل من الحصول على غالبية اصوات الناخبين فأن الطرف الحاصل على اكبر عدد من الاصوات يشكل الحكومة بالتحالف مع عدد من الاحزاب سواء الصغيرة ام الكبيرة بعد الاتفاق على برنامج عمل الوزارة، فتسمى عندئذ حكومة ائتلافية تتمتع بغالبية نيابية تسمح لرئيس الوزراء بتمرير مشاريعه داخل قبة البرلمان. هذه هي الالية السليمة لتطبيق القواعد والمبادئ الديمقراطية اذا ما توفر المناخ السياسي والمجتمعي السليم.

حكومة الشراكة او الوحدة الوطنية هي الصيغة الاستثنائية في الممارسة الديمقراطية، لانها تنبثق عن ظروف مهددة لكيان الدول كالحروب الخارجية او الازمات الداخلية العنيفة التي قد تؤدي الى تمزق الوحدة الوطنية للدول، فتلجأ الاحزاب والكيانات والمكونات الى تشكيل حكومة وحدة وطنية بناء على اتفاقات وتوازنات سياسية تلبي مصالح جميع الاطراف، لذا فالصيغة التوافقية تحافظ على المناخ الديمقراطي وفي نفس الوقت تضمن عدم تفرد جهة ما بادارة البلاد والتحول نحو الاستبداد والديكتاتورية والغاء الاطراف الاخرى بذريعة مواجهة الا خطار الخارجية او اعادة الوحدة الوطنية للبلاد.

العراق ومنذ سنة 2003 يحكم بطريقة التوافق والارضاء بسبب ظروف الاحتلال الامريكي وتداعياته او بسبب تمزق الجبهة الداخلية بفعل الحروب الطويلة والسياسات العبثية والاجرامية للنظام الديكتاتوري.

مهند السامرائي

من الواضح ان المفاهيم السياسية قد اختلطت على رئيس الوزراء وعلى قادة التحالف الشيعيي فلم يعودوا قادرين على التمييز بينها، فالحديث عن تشكيل حكومة اغلبية لايصح من الاساس ليس بسبب تعقيدات الوضع العراقي فحسب وانما ايضا لعدم تمكن اي طرف سياسي من الفوز باغلبية اصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية الماضية، عليه فالمقصود هو تشكيل حكومة ائتلافية تضمن لها الاغلبية المريحة من الاصوات داخل البرلمان لتمرير القوانين وتوفر الغطاء والدعم لعمل الحكومة وهذا ممكن من الناحية النظرية.

هذا يعني ان على المالكي وائتلافه اقناع القوى السياسية التي يرغبون في الائتلاف معها لتشكيل الحكومة الجديدة، وتقديم الضمانات الكافية لتنفيذ الالتزامات والاتفاقات السياسية.

من الناحية العملية توجد عقبات جمة تحول دون امكانية تشكيل حكومة بديلة عن حكومة الشراكة، اولها تكمن في المالكي نفسه الذي يميل الى العدوانية والانفعالية و الانفراد بالرأي واتخاذ القرار وعدم احترامه لتعهداته واتفاقياته السياسية وخرقه بنود الدستور، تكفي الاشارة هنا الى اصرار المالكي على الاحتفاظ بادارة وزارتي الداخلية والدفاع وانشاءه قوات امنية وعسكرية غير دستورية فضلا عن ربط الهيئات المستقلة بمكتبه او برئاسة الوزراء كما عمد الى تمييع مبدأ الفصل بين السلطات عن طريق التأثير على القضاء وتهميش دور البرلمان الرقابي فضلا عن حمايته وتستره على المجرمين والمفسدين والقتلة من ابناء حزبه وطائفته الى جانب رفضه الالتزام باتفاقية اربيل التي تشكلت على اساسها الحكومة العراقية.

اما ثانيا، فهي الولاءات الخارجية للقوى والاحزاب السياسية العراقية، فليس خافيا توزع الارتباطات العقائدية والسياسية للشخصيات والاحزاب السياسية العراقية على دول، سواء النطاق الاقليمي كايران وتركيا ودول الخليج او الدول الاجنبية الكبرى. لذا فاستقرار الساحة السياسية العراقية مرتبط بطبيعة العلاقات بين القوى الاقليمية والدولية من حيث الصراع او التهدئة واقتسام المصالح ومناطق النفوذ.

الائتلاف الشيعي الحاكم لن يجد غطاء افضل من حكومة الشراكة الوطنية، يداري فشلهم واخطاءهم وافتقارهم لمشروع بناء الدولة والبلد والانسان العراقي في الوقت الذي تتوزع فيه مسؤولية الفشل والانتكاسة على جميع المكونات والاحزاب السياسية المتواجدة داخل الحكومة، وبالنسبة لرئيس الوزراء فهو يصول ويجول ويهدر الثروات ويعقد الاتفاقيات مع الدول ويتسلح ويرسم السياسات ويقيل كبار المسؤولين دون رادع او رقيب او حسيب.

يبدو جليا ان المغزى من الترويج او التهديد بتشكيل حكومة جديدة هو الضغط على القوى السياسية المختلفة لللحاق بركب المصالح الشخصية والدخول تحت عباءة التحالف الشيعي التابع لايران والخضوع لسياساته وتوجهاته هذا من ناحية، من ناحية اخرى عزل القوى السنية والشخصيات السياسية التي تحظى بدعم دول الخليج وتركيا الى جانب تحجيم القوى الكوردية المناوئة لسياسات المالكي. هذا المسعى هو جزء من معركة تكسير العظام التي بلغها الصراع المحتدم على العراق والمنطقة بين ايران من جهة ودول الخليج وتركيا من جهة اخرى، فالرد الايراني جاء قويا وصارما على محاولات اسقاط نظام الاسد، كان اول ضحاياه الحليف الرئيسي لتركيا ودول الخليج طارق الهاشمي الذي اسقط سياسيا بتلفيق التهم له، كما جرى تشتيت قيادات القائمة العراقية بالتهديد بفتح ملفات امنية وجنائية ضدهم تارة او بمغازلة اصحاب المصالح الشخصية منهم بالمال والمناصب والصلاحيات تارة اخرة. ويتم العمل حاليا على اضعاف وتقسيم التحالف الكردستاني.

بالمقابل حرصت ايران على تكريس زعامة المالكي وتقوية ارادته السياسية بالدخول في تحالفات دولية من خلال حثه على تعزيز العلاقات مع روسيا والخروج من المظلة الامريكية، وربما تكون الخطوة القادمة تشجيعه ودعمه لاستخدام القوة لاخضاع جميع مناطق البلاد بما فيها اقليم كردستان لحكمه المباشر.

من الاستحالة بمكان تشكيل حكومة اغلبية في البلاد حاليا او حتى في المستقبل المنظور بسبب الاوضاع الداخلية واوضاع المنطقة عموما، فضلا عن ان حكومة الاغلبية لن تحل مشاكل العراق بل ستزيدها تعقيدا، الحل يكمن في ايجاد مشروع سياسي وطني يسقط الارتباطات والولاءات السلبية للخارج، ينهض به سياسيون لديهم الرصانة والاتزان السياسي ويمتلكون النوايا الصادقة والرغبة الحقيقة لتبني وترسيخ القيم الديمقراطية الى جانب المرونة والانفتاح على الاخرين والقدرة على استيعابهم.