تشهد الساحة السياسية المصرية كماً كبيراً من المعارك بين أنصار التيار المدني وأنصار التيار الإسلامي المتشدد، حيث نجح التيار الإسلامي في فتح جبهات عديدة بل في اليوم الواحد تفتح أكثر من جبهة، فمرة هجوم علي الفنانين ومرة ثانية علي المثقفين وثالثة محاولة عودة البرلمان المنحل ورابعة إقالة النائب العام، ومرة خامسة ضرب المتظاهرين في التحرير، إلي غيرها من سلسلة لا تنتهي من المعارك، وللأسف في كل مرة ينساق التيار المدني خلفهم ويدخل في تلك المعارك وفي رأيي أن التيار الإسلامي يختلق تلك المشاكل لمحاولة إشغال القوي السياسية المصرية والتيار المدني بصفة خاصة عن المعركة الأساسية وهي معركة الدستور.

معركة الدستور هي الأهم فلا يهمني فوز مرسي برئاسة الجمهورية أو حتي أخونة المؤسسات، فالمؤسسات التي تأخونت في ستة أشهر نستطيع أن quot;نمدنهاquot; في ست أشهر أيضا ولم لا ألم تكن هذه المؤسسات كلها وبدون إستثناء تتبع نظام مبارك وكما نجح الإخوان في أخونتها في هذه المدة نستطيع نحن أيضا أن quot;نمدنهاquot; ربما في أقل من هذه المدة.

ولكن لماذا يبقي الدستور هو المعركة الأساسية، لأن الدستور كما يعرفه رجال القانون هو القاعدة الأعلي ويسميه البعض هو الأب الشرعي لكل القوانين، كما أن الدستور هو الذي يحدد نظام الدولة وأختصاصات السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، كما أن الدستور يمكن أن يحتوي علي عبارات مطاطة قد تبدوا من الوهلة الأولي انها مقبولة ولكن عند تمريرها والموافقة عليها ستجد تفسيرات لها علي هوي من قام بوضعها وهو التيار الإسلامي بالطبع ولا يجوز لك الأعتراض علي هذه القوانين لأنها لا تخالف quot;الدستورquot;!!

مدحت عويضة

والدستور ايضا هو المعركة الأساسية لانه قاعدة محصنة فالدول قد يتغير فيها نظام الحكم كل اربع سنوات او خمسة حسب نظام الدولة ولكن الدستور دائما ما يحوي مواد تحصنه ليصبح فوق الأنظمة وفوق الاغلبية الحاكمة، فكل الدساتير في العالم تحتوي علي مواد مثل لا يمكن تغيير الدستور إلا بموافقة ثمانين في المائة من اعضاء البرلمان او خمسة وسبعون بالمائة وأحيان يكون ثلثي اعضاء البرلمان ومن هنا تاتي الخطورة وهو ثبات القاعدة الدستورية وعدم قابليتها للتغيير، وفي مصر وفي ظل قراءة للواقع السياسي المصري نستطيع ان نقول انه لو تم تمرير الدستور علي هوي الإسلاميين سيظل هذا الدستور قائماً لمدة طويلة نظرا لأن التيار المدني لن يكون قادراً علي الحصول علي نسبة ثمانين في المائة من مقاعد البرلمان إلا بعد مدة طويله قد تصل إلي عشرين عاما، أو من خلال ثورة والثورة تحتاج ليس فقط لإرادة شعبية بل إرادة دولية وهو الشئ الغير متوفر الآن حيث أن مزاج الإرادة الدولية اصبح يميل للتيار الإسلامي المتشدد، وهذا موضوع يطول شرحة قد نتناوله في مقالات قادمه.
الآن ليس امامنا غير اسقاط اللجنة التأسيسة للدستور وخصوصا أن quot;مرسيquot; كان قد وعد اثناء حملته الانتخابية بإعادة تكوينها ولكن هذا الوعد ذهب مع الريح مع غيره من الوعود التي وعد بها، وقد يقول قائل ما فائدة حل اللجنة التأسيسة للدستور الآن وعند تكوينها سيقوم مرسي بتشكيلها وسيعطي الغلبة للتيار الإسلامي فما الجديد، والرد أن الجديد هو التغيير الذي شهدته الساحة السياسية المصرية فاللجنة شكلت في ظروف سيطرة التيار الإسلامي علي صندوق الانتخابات بنسبة 73% حسب مقاعدهم في مجلس الشعب ولكن الآن وفي انتخابات الرئاسة حصل التيار الإسلامي علي 51% من الأصوات فقط وهي بالإضافة إلي انها نسبة مشكوك في صحتها فهي شملت أيضا نسبة كبيرة من التيار المدني الذي صوت لصالح quot;مرسيquot; كرها في quot;شفيقquot;.

والأهم من ذلك أن القوي المدنية ومنذ ثورة 24 أغسطس أمتلكت الجرأة علي الحشد والتظاهر ضد الإخوان وأخرها جمعة quot;الحسابquot; في 12 اكتوبر بل تغلبت القوي المدنية علي الإخوان وقامت بطردهم من ميدان التحرير ولأول مرة. وهذا يعني قدرة القوي المدنية علي الاعتراض علي تشكيل اللجنة التأسيسة القادمة في حالة عدم حصولهم علي نسبة مناسبة.

الدستور يا سادة هو معركتنا الاساسية فلا تسمحوا لأحد أن يشتت انظاركم وجهودكم في معارك جانبية، فدستور مصر لا بد ان يشمل ويرضي جميع المصريين بمختلف توجهاتهم واختلافاتهم الدينية والعرقية والسياسية، فدعونا نركز في هذه المعركة فهي الأهم فهي معركة مصيرية.