لم أتصور أن تدار مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير2011، وانتخاب أول رئيس مدني في أخر يونيو 2012 بهذه العشوائية، أشعر أن حالة الارتباك التي ميزت العقد الاخير من حكم الرئيس المخلوع quot;حسني مباركquot; لا تزال سارية مع حكم الإخوان، الأدلة على ذلك واضحة، وأخرها التعامل مع حكم القضاء الأخير تبرئة المتهمين في quot;موقعة الجبل quot;، الحكم بالبراءة صدر لعدم كفاية الأدلة، هذا الأمر أربك مؤسسة الرئاسة، فما كان من الرئيس quot;محمد مرسىquot;، سوى التشاور مع مستشاريه، في أمر عزل عزل النائب العام رغم أن المادة 119 من قانون السلطة القضائية تحصن النائب العام من العزل، هداهم تفكيرهم إلى إستخدام سياسية quot;العصا والجزرةquot; مع النائب العام المستشار laquo;عبدالمجيد محمودraquo;، مرة بترهيبه من مصير الفقيه القانوني laquo;عبدالرزاق السنهورىraquo;، الذى تم ضربه بالأحذية بمكتبه بمجلس الدولة عام 1954 بزعم أنه طالب بعودة الديمقراطية ودستور 1923، وأخرى بترغيبه في قبول منصب سفير مصر في الفاتيكان، رفض النائب العام هذه المساومات الرخيصة، وتمسك بالبقاء في منصبه ليس حباً في المنصب، وإنما تحصيناً للسلطة القضائية من تغول السلطة التنفيذية، تحدى النائب العام قرار الرئاسة، وترك مستشاري الرئيس يتصارعون، ويلقون اللوم على بعضهم البعض في قضية أحرجت الرئيس quot;محمد مرسيquot; وأظهرته كالمستجير من الرمضاء بالنار.

ليس غريباً أن يتمخض عقل الرئيس، ومستشاروه عن حل غير قانونى للمعضلة، هم يتناسون أن النائب العام محصّن فى منصبه حتى الوفاة، بحكم القانون والإعلان الدستورى. وورغم أن إقالة النائب العام كان مطلباً ثورياً منذ نجاح الثورة، فإن جماعة الأخوان، ومن ورائهم جيش من القانونيين رفضوا هذا المطلب باعتباره غير ممكن من الناحية القانونية والدستورية، تغير موقف الإخوان وأقدموا على هذه الخطوة، حين شعروا بالخطر بسبب حالة الاحتقان التي سرت في الشارع المصري بعد تبرئة المتهمين فى موقعة الجمل، وفشل الرئيس في حل مشكلات خمس قطعها الرئيس على نفسه، ووعد بحلها في المئة يوم الأولى من رئاسته، فضلاً عن محاولة فصيل الإسلام السياسي الاستئثار بكتابة الدستور، شعر الإخوان بالخطر، فاستعانوا بأنصارهم لفض تظاهرات جمعة quot;كشف الحسابquot;، بعد ادراكهم أن الشرطة لن تتدخل في فض الاشتباكات بين كتائب الإخوان والقوى المدنية، فالعلاقة بين جهاز الشرطة والنيابة العامة علاقة وطيدة، فضابط الشرطة يعمل مع وكيل النيابة ولا يستطيع أن يعمل بمعزل عنه، حتى أن اللواء quot;أحمد جمال الدينquot; وزير الداخلية الحالي كان عضواً في الفريق الذي جمع الأدلة في قضية موقعة الجمل، الجيش أبعد نفسه عن الدخول في الصراعات السياسية، إزاء هذا الوضع، باتت سلطات الدولة تتصارع وتسير في دروب الهلاك، مؤسسة الرئاسة تتخبط يميناً ويساراً، وتفتقد الرؤية الواضحة في إدارة دولة بحجم مصر، المؤسسة القضائية تحاول أن تستقل لتعبر عن ضمير هذا الشعب، وتتجنب هيمنة السلطة التنفيذية، ومؤسسة الجيش أستوعبت درس المرحلة الانتقالية، وقررت عدم التدخل في صراعات سياسية، والحكومة عاجزة عن تقديم حلول تحفظ ماء وجهها، وتسير في طريق حكومات مبارك.

بدأ الشعب يشعر بأن شعار الثورة quot;عيش حرية، عدالة إجتماعيةquot; لم يأخذ طريقه الصحيح لتحقيقه على أرض الواقع، فشلت حكومة قنديل في إعادة الاموال المنهوبة، وأثرت أن تمد يدها لصندوق النقد الدولي للتفاوض على قرض قيمته نحو خمسة مليارات دولار، وعلى نفس نهج quot;مباركquot; جال مرسي العالم شرقاً وغرباً لجلب أموال، يعني بالبلدي كده رجعنا نشحت من اللي يسوى واللي ما يسواش، وهي السمة الرئيسة التي كان يبرر بها مبارك بقائه في حكم مصر يعني quot;رئيس بدرجة شحاتquot;، نجحت حكومة ليبيا في إعادة 100 مليار دولار من الأموال الليبية المجمدة، وتمكنت حكومة تونس من إسترجاع 13 مليار دولار من الأموال المسروقة، وبقيت حكومة quot;هشام قنديلquot; محلك سر، في انتظار ما تجود به المؤسسات المانحة، كما إكتفت بمتابعة وحضور خطب quot;محمد مرسيquot; في الملاعب والمساجد، مع أنها خطب لا تستحق المتابعة لانها كلام في كلام و رغي ع الفاضي، أو quot;قرقرquot; لأنها تفتقد لرؤية واضحة لمستقبل مصر خلال الأربع سنوات المقبلة، ولم نعد نعرف ماذا يريد أن يكون الرئيس مرسي؟ هل يريد أن يكون زعيما ثورياً مثل quot;جمال عبد الناصرquot; او إخوانيا يرضي مكتب الارشاد، أو وطنياً يرضي كل المصريين، أو جنرالا يقود البلاد في الظروف الصعبة أم شيخاً لجامع يلهب حماس المصلين مؤقتاً، أويريد الرئيس مرسي أن يكون كل هؤلاء؟

إعلامي مصري