هناك فرق بين أن تعمل في مؤسسات الدولة الفاشية وبين أن تعمل في مخابراتها وأجهزتها الأمنية. وهناك فرق بين أن تكون منتسبا لحزب البعث السيئ الصيت والبناء والسمعة ldquo;مرغماًrdquo; وبين أن تكون ldquo;منتسباrdquo; وتسهم في إلحاق الأذى بالآخرين. وكنا نتوقع عندما أطيح بالطغمة الفاشية التي جثمت على أرض ألعراق أن يتم التعامل بموضوعية مع ركام حزبيين وركام وطن قادته الدكتاتورية نحو الهاوية تماما مثل ما حصل مع عناصر من الحزب الاشتراكي الألماني عندما سقطت الشيوعية في ما يسمى بألمانيا الديمقراطية حيث تم فرز العناصر المؤذية في الحقبة الشيوعية عن المواطنين العاديين الذين يعملون في مؤسسات الدولة أو حتى الذين أرغموا أن ينتسبوا للحزب الحاكم. وثمة من طلب هو نفسه أن يدخل السجن لأن مواجهة جدران السجن أرحم بكثير من عيون الناس الذين فقدوا حريتهم وفقدوا أحبابهم. فيما تجمع الآخرون في أكبر الساحات وأحرقوا هوياتهم الحزبية.
لقد سبب البعثيون والانتهازيون في ألحاق الأذى ليس فقط في مجالات السياسة والاقتصاد والمنظمات المدنية ولكن أيضا في صفوف الثقافة والمثقفين والإعلاميين, فهناك مثقفون اختفوا من الوجود ومن داخل مؤسسات الثقافة وهناك مثقفون عذبوا وهناك مثقفون غادروا أوطانهم وتغربوا وناموا على سواحل البحار وفي محطات القطارات وعاشوا في معسكرات لجوء مع الهاربين من جور الظلم من الأفارقة وأبناء يوغسلافيا السابقة. وعانوا ما عانوا حتى حصلوا على اللجوء السياسي وهم يعيشون في حلم الإبداع المؤجل في وقت رفل فيه شلة من مدعي الثقافة من مداحي القائد الضرورة ومداحي أجهزة المخابرات وحصلوا على القصور وسيارات المرسيدس مقابل قصائد المديح وأشرطة الأفلام السينمائية السوداء. بل وشوهوا التاريخ العراقي بل ولاحقوا المبدعين في منافيهم بمسدسات كواتم الصوت الثقافية وحتى غير الثقافية.
واليوم يعودون إلى ذات الساحة وكأن شيئا لم يكن وكأن الدكتاتور لا يزال رافعا يده محييا جماهيره, وكل ذلك بسبب طغمة العهد الدكتاتوري التي لا تزال تهيمن على مقاليد الثقافة والسبب يعود إلى أن وزارة الثقافة ليست مبعث اهتمام الحكومات باعتبارها وزارة هامشية فيؤتى بوزير لا يعرف واقع الثقافة وليس له علاقة بحلم المثقفين وتاريخهم وإبداعهم. وعندما يتسرب باتفاق غير مكتوب بين مؤسسة السينما ومرتزقي ثقافة العهد الدكتاتوري لهندسة بغداد كعاصمة ثقافية إنما بثقافة سوداء من ذلك العهد الأسود الذي مر على تاريخ العراق كي يسهموا في استكمال مهزلة الانحطاط التي ستقود العراق إلى الهاوية!
وزير الثقافة لم يستمع ولا يستمع وكذا رئيس الوزراء, لأن تركيبة الحكومة ولا أقول الدولة لا تزال غير محسوبة وغير نظامية بحيث يستطيع المسئول معرفة ما يدور في كل وزارات الدولة ومؤسساتها.
أمامنا مثال حصل في بريطانيا وفي المركز الثقافي العراقي في لندن الذي أسسه وزير الثقافة ضمن ما يقال ثمانية عشر مركزا ثقافيا ليست لها أية نشاطات. وهي مجرد مراكز أنشئت كي يصار إلى تعيين أحساب وأنساب في هذا المركز أو ذاك. وثمة دليل واضح على هذا الهدف.
المركز الثقافي البريطاني الذي دعينا إلى أمسيته السينمائية لمشاهدة فيلم quot;بيوت في ذلك الزقاقquot; خبرونا بأن مخرج الفيلم سوف يتحدث مع المدعوين عبر الإنترنت ndash; عبر السكايب, لنكتشف أن المركز الثقافي ليس فيه إنترنت بعد الساعة الخامسة والنصف, وهذا يعني بأن المركز يغلق الإنترنت مع الشركة المانحة بعد انتهاء الدوام لأنهم يعرفون أن لا نشاطات ثقافية مسائية! والمركز ليس سوى مؤسسة للدوام الرسمي, وهذا ما حرمنا من حوار قد يفيد في كشف حقائق موضوعية عن السينما في العراق. لكن المجتمعين وبعد أن تمت مناقشة الفيلم واكتشفوا بالوثيقة التي عرضت على الشاشة والتي قام النظام السابق عبر أحد المخرجين بحذف مشاهد من الفيلم وإخراج مشاهد أخرى أدخلت ضمن الفيلم بعد أن رفض المخرج إجراء أي تعديل في الفيلم وغادر العراق.
اليوم يعود إلى مؤسسات الثقافة ذات المخرجين الذين خربوا الثقافة ليرسموا بغداد عاصمة للثقافة العراقية.
هي مهزلة أيها السيد رئيس الوزراء وهي مهزلة أيها السيد وزير الثقافة. دعونا نقرأ النداء الذي وجهه الحاضرون إلى زملائهم السينمائيين وهذا النداء بمثابة استغاثة بعد أن نفذ صبر المثقفين وبعد أن نفذ صبر العراقيين عن كل ما يدور في وطنهم من المهازل التي تقود الوطن إلى الخراب وإلى كل ما يحول دون عملية بناء ولو آجرة واحدة في بناية الوطن لأن ثمة من يمسك معول التهديم ونهب المال العراقي. ولا أخال مؤسسة السينما العراقية بعيدة عن هذا الفساد وتلك المساومات بينها وبين من يجيد لعبة الرشوة والتزييف والتزوير وسرقة المال وتجميل صورة مخابرات النظام السابق وتشويه تاريخ العراق بل وإنتاج الأفلام التي تحرض على القتل وتصفية المثقفين والمواطنين عبر أفلام عرفها كل من عمل في مجال السينما.
السينمائيون العراقيون الشرفاء في تقديري مترفعون عن مهزلة الانخراط في لعبة الدولة الجديدة لأن الدولة الجديدة غير قائمة على أسس بناء الوطن. وهذه اللعبة لا يجيدها سوى الانتهازيين من أيتام النظام السابق الأرعن, وهؤلاء لهم قدرة اللعب والرقص والطعن بالحراب المسمومة نحو ضمائر نظيفة تمثل حلم أهلها ومشروعية العمل الجميل, ولذلك فإن وزارة الثقافة مدانة ورئاسة الوزارة مدانة أن تترك مؤسسة عليها مسؤولية ثقافية يديرها مرتزقة من أيتام النظام وتستقطب ذات المشوهين والمشوهين لتشويه بغداد بشارع رشيدها بصالات السينما فيها بالمقهى البرازيلية ومطعم عمو الياس ومشرب سولاف وصولا للشارع النؤاسي حيث كانت كل هذه المحافل تزدحم بالمثقفين وتنتج الإبداع ومنه أبداع المسرح والسينما قبل أن تأتي الطغمة الدكتاتورية وتعبث في حلم مثقفيها قتلا وتشريداً.
سامح الله من.. وغفر لمن.. وعاقب من.. ترى هل بلينا بوطن غادر, أم أن الوطن قد أبتلي بأهل غادرين. دعونا أولا نقرأ النداء وهو نداء الاستغاثة الذي صدر من العاصمة البريطانية, ليس من مكان معارض للدولة في سياستها الثقافية بل من مركز ثقافتها الذي أنشأه وزير الثقافة عسى أن يسمع الصوت.
نداء إلى السينمائيين العراقيين
ونحن نشاهد فيلم quot;بيوت في ذلك الزقاقquot; الذي تم تشويه جانب منه حيث ألغيت بعض المشاهد من الفيلم وجيء بمخرج آخر ليصور مشاهد أخرى أدرجت في بناء الفيلم, ونحن نشاهد الفيلم نتذكر الحقبة الدكتاتورية الفاشية ووقوف عدد من العاملين في مجال السينما إلى جانب السلطة ليس كمخرجين منفذين لأفلام سينمائية بل ومروجين لفكر السلطة الفاشية بامتياز, فقاموا ليس فقط بتشويه الثقافة بل وتزوير التاريخ والدعوة لثقافة الحروب والتدمير ومباركة العدوان على بلدان الجوار وغزو بلدان أخرى التي راح ضحية جنونها مئات الآلاف من أبناء شعبنا وروجوا للمخابرات مصورينها كقوى حريصة على الوطن وآثاره التاريخية وسببوا إيذاءً لسينمائيين عراقيين حيث حاربوهم في المهرجانات وسحبوا أفلامهم من المسابقات مستغلين العلاقات السياسية مع بلدان تلك المهرجانات وهم الذين حرضوا في عام 1963 على إبادة الناس من خلال اتهامات مفتعلة لقوى الديمقراطية وكلنا يتذكر فيلم quot;حمامات الدمquot; سيء الصيت الذي عرض قبل البيان المشئوم الذي يحمل الرقم ثلاثة عشر, فكرمتهم السلطة الفاشية بالعقار والمال والسيارات رداً على جميلهم في تكريمها وتجميل وجهها القبيح.
هؤلاء السينمائيون هم نفسهم اليوم الذين يريدون رسم مدينة بغداد كعاصمة للثقافة بالتعاون مع مؤسسة السينما العراقية, ويقف السينمائيون الذين أحبوا شعبهم ينظرون بعين الدهشة والاستغراب بعد رحيل الدكتاتورية لتبقى ذات الثقافة الفاشية ويبقى ذات السينمائيين في المقدمة يرسمون بعين التخلف صورة بغداد المتقدمة على مر العصور.
ندعوكم أيها الزملاء السينمائيون إلى إعلان رفضكم لصيغة الابتزاز الثقافية التي تنطوي على جملة من الشكوك والتساؤلات, سيما والوطن اليوم بحاجة إلى وقفة مشرفة للمثقفين أكثر من أي وقت مضى
نحن لسنا بموقف تصفية حسابات شخصية من هذا السينمائي او ذاك انما ننشد العودة الى هدفنا السامي بمشروع سينما عراقية أصيلة تساهم في بناء وطننا الغالي وترنو الى مستقبل زاخر بالعطاءات التي تؤسس العدالة الاجتماعية والحياة الحرة الكريمة لشعبنا.
ندعو وزير الثقافة العراقية بتفادي هذا الخلل قبل أن يستفحل ويتحول إلى واقع سيصبح بمثابة ندبة العار في مسار الوطن الثقافي العراقي الذي تحرر من ربقة الفاشية والدكتاتورية
المجتمعون في لندن - المنتدى العراقي
التاسع من شهر أكتوبر عام 2012
هذا ما قالته العرب في الماضي, ويبدو أنهم عانوا مثل ما عانينا فجاء صوتهم quot;لقد أسمعت لو ناديت حياً, ولكن لا حياة لمن تناديquot; هو تعبير عن أن الواقع بات لا يشعر بما يجري ولا يعرف إلى أين يقود هذا الوطن الخربان على شتى الصعد وفي المقدمة منها الخطرين الثقافة والإعلام وكل أداة من هاتين الأداتين يؤسس للوطن في نهوضه وخرابه. فإذا قاده مبدعون وشرفاء سار نحو المجد ولو قاده خونة ولصوص فإن الوطن راحل نحو عالم مليء بالمخاوف والاحتمالات المدمرة, هي ليست قضية فيلم سينمائي وليست قضية ندوة ومركز خال من شبكة الاتصالات ومن داخل بريطانيا, لكنها مسألة خراب قائمة على أسس ومنهج التخريب لاستعادة نهج النظام السابق بأشكال جديدة ونشر ثقافة الجهل والتجهيل في بغداد كعاصمة للثقافة العراقية.. مع الأسف.
لقد أسمعت لو ناديت حياً
كاتب وإعلامي عراقي مقيم في بريطانيا
[email protected]
التعليقات