لم أصدق نفسي عندما سمعت السيد الرئيس مرسي يقول عبارةquot; ده ملهمش دعوة بصلاة الفجر دولquot; ولم أتعجب عندما صفق الحضور تصفيقا وهللوا تهليلا. فلم أصدق أن أحدا من الممكن أن يتفاخر بصلاته، أو يظن في الآخرين عدم الصلاة. بيد أنني لم اتعجب من التصفيق لأن التمسح بالتدين ومظاهره أصبح الآن موضة. كان ذلك في معرض حديث الرئيس في استاد القاهرة بمناسبة ذكرى نصر اكتوبر المجيد. حيث كان يرد على أولئك الذين ينتقدونه بأن صلاة الجمعة التي يصليها اسبوعيا تكلف الدولة ثلاثة ملايين من الجنيهات تدفع من جيوب ممولي الضرائب المصريين مسلمين ومسيحيين. على أية حال فقد استوقفتني هذه العبارة كثيراً، بل وأدهشتني جدا لأني تعلمت منذ نعومة أظافري أن المؤمن لا يجب ان يفاخر أو يتفاخر لا بدينه ولا صومه ولا صلاته ولا زكاته ولا أي عبادة او طاعة من الطاعات وإلا يكون قد استوفى أجره من الناس. وبالمناسبة لمن لا يعرف فإن المسيحيين أيضا يصلون صلاة الفجر ويسمونها صلاة باكر. فهم يصلون سبع صلوات في اليوم وتسبق صلاة باكر quot;صلاة نصف الليلquot; وتتكون من الهزيع الأول والثاني والثالث وتمتد حتى مطلع الفجر. لكنهم بهذا لا يصرحون ولا يتفاخرون لأنهم تعلموا من الكتاب المقدس أن الصلاة تكون في الخفاء حتى لا يمجدهم الناس وأن الصلاة ليست فقط سجود وكلمات وإنما اتصال حقيقي مع الخالق. فالله روح والذين يصلون له فبالروح يصلون في أي وقت وفي أي مكان في كل الوقت وفي كل مكان. وتعلمت أن الصلاة والصوم وكافة العبادات لا يجب أن يقدمها الإنسان خوفا من الله ولكن محبة لله. ولا يجب أن يقدمها بمقابل، بمعنى أن ينتظر الثواب والخيرات من الله ولكن لأنها تمده بالسلام والطمأنينة التي يحتاجها هو في رحلة الحياة فليس الله في حاجة إلى صلاة الإنسان وإنما الإنسان يحتاج للاتصال بمن يؤمن به.. ولذلك تجد البوذيين والهندوس وغيرهم يصومون ويصلون ومنهم أيضاً الكهنة والشيوخ والرهبان.. لكلٍ تعاليمه وطقوسه وصلواته الخاصة بإلهه فلا يعرف خبايا الأسرار إلا الله. أيضا فقد تعلمت أنه لا فرق بين الناس إلا بالتقوى. وأن الإنسان المتدين هو ليس ذلك الإنسان الذي يؤدي الفروض والطقوس والعبادات ولكن الذي تترجم أعماله إلى افعال رحمة، خير، ومحبة لأخيه الإنسان. وأن الإنسان البار ليس فقط الذي لا يرد الإساءة بالإساءة ولكن الذي يرد الإساءة بالإحسان. وأن الإنسان التقي ليس فقط الذي لا يؤذي الآخرين وإنما الذي يحتمل الأذى الذي يأتيه منهم. فكم من اناس يصومون ويصلون ويتعبدون وهم في الكبر وحب الذات غاطسون وعن أعمال الخير يتباعدون. وكم من اناس صاموا وصلوا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا فكانت لهم (كلمة الله) السيد المسيح أنههم لن يكون لهم نصيب في الملكوت لأن كلمة الله لا تعرفهم لأنهم لم يسقوا العطشانين ولم يكسوا العريانين ولم يزوروا المرضى، ولم يطعموا المساكين. من العجب أن ترى الناس تتباهى بالصلوات والعبادات وفي بلادهم الجوعى والفقراء بالملايين. شيء بشع عندما تجد اغنياء العرب ينفقون على العبادات، ودور العبادات، وكتب العبادات المليارات ويضعون الباقي في بنوك اوروبا وأمريكا في حين يموت الناس من الجوع والفقر والمرض في كل مكان. انه عالم التناقضات المريب. أنها صفات العشوائية الفكرية البغيضة؟ أيها السادة الصلاة علاقة خاصة ووسيلة اتصال سرية بين الإنسان ومن يحب. والصلاة والصوم ليست مقياسا للتفاضل بين الناس ولا حتى مقياسا للتفاضل عند الله. فلم أقرأ في أيه أديان ما يفيد ان الله يفاضل بين الناس بمقدار وكميات وإعداد الصلوات. فالعمل الطيب عبادة بل وأرقى العبادات. والإنسان غير مطالب بالإفصاح عن علاقته بالله فهذا أمر يخصه ولن يزيد من عدد محبيه ولن ينقص من عدد كارهيه ولا حتى عند البسطاء. سعداء هم الذين يخاطبون العقول أكثر مما يخاطبون القلوب. وأتقياء هم الذين يقدمون الأعمال والأفعال الطيبة ولا يفاخرون ولا يتفاخرون بالعبادات. والخالدون في سفر الحياة هم أولئك الذين غيروا حياة الناس وأخرجوهم من ظلمات التفكير الخاطئ إلى نور العلم والمعرفة ليصنعوا حضارة تحقق لهم ولغيرهم من شعوب الأرض التقدم والرخاء. د. إميل شكرالله
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات