منذ الإنقلاب الأبيض للإبن على أبيه في العام 1995م، فقد أعلنت قطر هويتها الجديدة، وأضحت تبحث عن دور اكبر لها في المنطقة والعالم.. وكان الإعلام هو المطية التي اطلقت لها الادارة السياسية لقطر العنان لتبث نفوذها من خلال جهاز متمكن وممتهن اللعبة الاعلامية وآليات توجيهها لتحقيق النفاذ السياسي. وجاء الغاز لينفخ الحالة القطرية ببلاين الدولارات التي اتاحت لقطر أن تلعب لعبتها الاقتصادية وأن تؤسس لمكينة انشاءات واستحواذات تمددت لتصل أن تكون قطر مالك في العديد من الشركات والمؤسسات الاقليمية والدولية الفاعلة وذات الوجود الاقتصادي العريق في مختلف القطاعات الانتاجية والخدمية والعقارية ووصلت أن تكون شريكا مؤسسا لبناء أكبر ميناء لتصديق الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الأمريكية على خليج تكساس. كما كان لقطر أن انشأت العديد من المؤسسات المتطورة في الداخل القطري في شئون الثقافة والتعليم والفنون والرياضة وأولت هذا اهتماما كبيرا له احترامه ولا أكثر وضوحا سوى اعتلاء شعار (مؤسسة قطر) (Qatar Foundation) ملابس فريق برشلونةquot; الكاتلونيquot; لكرة القدم مزاحما لشعار اليونيسيف.

أما عن الهوية السياسية لقطر، وتداعياتها في ظل الحراك العام لمنطقتنا والذي تأتي مكانة المملكة العربية السعودية راسخة في مساره المعاصر، فليس لنا الا أن نقول بأن شيوخ قطر من آل ثاني، وهم سلالة مجتمع تعود اصوله الى قلب نجد وحصل وأن تعايش مع القوى الاقليمية ذات الكيانات المسيطرة وبالذات مع الدولة السعودية بكل مراحلها وصولا الى العصر الحاضر، وتحالف معها ودان بنهجها الفكري والعقدي، نقول، لربما يعيشون حالة من الحس المتوهج بالإستقلال والتمرد وإثبات الوجود والذات ولربما يتواجد في داخلهم هاجس في أنهم الأجدر بقيادة المنطقة في مقابل الشقيقة الكبرى السعودية.. يتبين هذا الحراك المحموم من خلال ما سرى ولايزال يسري الى حد الان من اشتباكات يأتي مسراها اعلاميا أحيانا، وحراكا سياسيا واجتماعيا في أحيان أخرى، تبلور بعضه في افتتاح قطر مؤخرا لمسجد (الإمام) محمد بن عبدالوهاب في الدوحة، وما يحصل من ترسيخ للهوية (التميمية) لقطر وحكامها بما فيه من استرجاع لذات القبيلة المنتشرة في ارجاء المنطقة وربط الهوية القطرية بها، وآخرها ما يقوم به اليوم أمير قطر في زيارته العجيبة لقطاع غزة المحتل. وهو القطاع الذي تحكمه حكومة غير شرعية تمت اقالتها من قبل السلطة الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كما تراه المملكة العربية السعودية والأمم المتحدة وحتى اسرائيل.

يأتي حراك الدوحة نحو (حماس) مؤطرا بحراك قطري محموم نحو احتواء فعاليات (الإسلام السياسي السني) التي بدأت تفرض وجودها القوي على الساحة السياسية في العالم العربي بدءا بتونس ثم مصر فالمغرب وقريبا سوريا. عدى عن سعيها لتكون بؤرة الحل في الخلافات التي تشوب العلاقة بين السنة والشيعة من خلال حراكها الذي ثبت فشله في لبنان وسوريا. ولكنها تبقى بيتا قويا لحركة (النهضة) وفي جزيرتها الاعلامية خانة قوية لمنظري الفكر الأخونجي والذي يفرض من خلاله القرضاوي اطروحاته ومنهجه الفكري المؤدلج بشكل اسبوعي.. وهو الذي خطب وصلى في ميدان التحرير إبان ذروة احداث الحراك الشعبي المصري الذي آل بأن يكون الأخوان هم الحكم.

يصعب علينا قراءة هوية قطر.. ولكننا أيضا نعرف بأن المصالح هي التي تقود الحراك السياسي.. وليس في الامكان الا التعاطي مع الحالة القطرية من هذا المنطلق.. وإن تأملنا في الحال فإننا نرى بأنه وتزامنا مع حصول قناة الجزيرة على حقوق بث الدوري السعودي الممتاز لكرة القدم (دوري زين للمحترفين)، فقد هدأت الحالة الاعلامية القطرية تجاه السعودية وأخذت بحساب مصالحها هنا.. وحيث تم الغاء هذا العقد واعطاء الحقوق للرياضية السعودية، فهل نتوقع فورة جديدة من (الإتجاه المعاكس)..