(جِدَارٌ في احْتِقَاِن الفَجْرِ
يَقْذِفُ جُثَةً مَفْتُوحَةِ العَيْنَينِ
مَرْمَيِّةْ) سعدي يوسف
تناقلت الصحف بعض التصريحات المقتضبة لبشار الأسد في مقابلة أجرتها معه قناة روسيا اليوم ــ ستبث لاحقا ــ حيث قال الأسد في المقابلة (أنا من صنع سوريا) كما قال في تلك المقابلة عن التدخل العسكري في سوريا (كلفة الغزو الأجنبي لسوريا ستكون أكبر من أن يستطيع العالم بأسره تحملها)
إذا تجاوزنا الهراء الذي في هذه التصريحات وتأملنا في مدى دلالته على الحالة النفسية المعقدة لبشار الأسد سنجد أنفسنا أمام انسان يرى في ذاته قدرات إله. وهي حالة مرت بنا في تصريحات القذافي أيضا.
والحقيقة أن مثل هذه التصريحات يمكنها أن تفيد المعارضة من ناحية دلالتها النفسية كما يمكنها أن تفيد المجتمع الدولي كذلك. فهي بالرغم من طابعها العصابي الكاذب إلا أنها تشير إلى حقيقة مادية ظاهرة هي : بقاء الأسد حتى اللحظات الأخيرة في مواجهة الثورة. وهذه الحقيقة ستوفر على كثيرين مهمة تدبير خروج آمن للأسد من سوريا ــ كما دعا إلى ذلك رئيس الوزراء البريطاني ــ
وبنفس السيناريو الذي حدث للقذافي سيكون تماما مصير بشار. هذه الحقيقة ــ على الأقل من وجهة نظرنا ــ تسندها معطيات مهمة جدا : فمن ناحية لا يمكن لحق عشرات الالاف من الشهداء في هذه الثورة المباركة أن يضيع في هذه الدنيا بدون أن يلقى بشار جزائه العادل؛ فالعدالة السماوية تمنع ذلك. ومن ناحية ثانية إن الحالة الإلوهية الكاذبة التي تتلبس بشار بما تضخه في ذاته المتوهمة وجنوحها العصابي تجعله منفصلا عن الواقع، تماما كما كان حال القذافي، وهنا ستغيب عنه كل إمكانات النجاة والفرار، وسينفخ فيه ذلك الوهم قدرة خيالية تصور له النصر والغلبة إلى أن يجد نفسه وجها لوجه أمام المصير الذي يستحقه تماما.
إن الأمر في بقاء الأسد في مواجهة الثورة لا يتصل بالشجاعة أبدا ــ فقد رأينا كيف كان القذافي يتوسل بطريقة مخزية للثوار أن لا يقتلونه ــ فالشجاعة قيمة إيجابية ولا تنفصل دلالتها على فعل صاحبها الشجاع. وبطبيعة الحال ليس شجاعا من يفعل تلك الأفعال المخزية التي يفعلها الأسد من قتل النساء والأطفال والشيوخ.
وهنا يلعب ذلك الإدعاء الإلوهي الكاذب دوره فقط في الإبقاء على بشار الأسد منتظرا مصيره لا محالة.
إن أسوأ دلالات العمى الألوهي الكاذب في مثل هذه التصريحات؛هو الكشف عن مدى التخلف والاستبداد المقيم كالعار في هذه المنطقة، بحيث يكون أمثال بشار الأسد حالة عيانية بامتياز أمام العالم الحديث في دلالتها المخزية على انفصال دكتاتوريي هذه المنطقة العربية عن القيم الأخلاقية والإنسانية. وبهذا المعنى فإن فعل الثورة هنا يتجاوز تماما دلالة التغيير السياسي إلى مخاض طويل تخوضه هذه المجتمعات من أجل تصفية ذلك العار؛ عار الاستبداد.
فهذا الهراء الذي تفوه به بشار والذي عرض من خلاله حالة من الهذيان العصابي لا يصدقه أحد، وإنما فقط يكشف إلى أي مدى يستفز هذا المعتوه شعبه، بطريقة تجعل من الحاجة إلى تصفيته وتصفية المرحلة المظلمة من حياة الشعب السوري التي عاشها تحت دكتاتوريته ودكتاتورية أبيه هي البديل الوحيد للخروج من الأزمة.
وهكذا سنجد أن دلالات هذا الهراء تحيل إلى ما هو عكسه تماما، فبشار الأسد حقيقة ليس من صُنع سوريا ــ كما زعم ــ بل هو مدمر وصاحب خرابها الكبير الذي تبثه يوميا شاشات التلفزة العالمية. وأن أبناء القرى والمدن السورية وحدهم من سيقتلعونه من أرض سورية، دون أن يستدعي ذلك اختلال العالم من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي، كما زعم في تلك المقابلة.
الطغاة كالفئران لا يتعظون من تجارب الآخرين التي تقع أمامهم. ذلك أن الفأر وحده من يكون مستعدا لأن يقع مرة أخرى في المصيدة، وهو يرى صاحبه فيها!
بيد أن المفارقة هنا إن فعل الفأر هذا يضخه في نفس الطغاة هذيان ألولهي كاذب، وأحاسيس عصابية تفسد تماما قدرتهم على الإحساس بالعالم. وذلك تماما ما يؤدي إلى وقوعهم في أسوأ كوابيسهم.
إن نهايات الطغاة ترسمها دائما أعمالهم، ومن ثم فإن مصائرهم تعكس باستمرار معنى العدل الكوني في هذه الحياة. فمن ظن الإتيان بأفعال الإله، فيما هو بشر هش وقابل للعطب، إنما يفعل مثل هذه الخطايا الفظيعة بماله من روح واحدة. وإن أسوأ ما في الأمر هو : حين تزهق روح الديكتاتور ستكون قياسا بإزاء روح واحدة من ضحاياها. لابد إذن أن يكون هناك جزاء آخر خلف هذا العالم لروح الدكتاتور.
التعليقات