اليوم السبت أول ديسمبر وأكتب إليكم وأنا أغادر القاهرة المتوترة، وبعد أن تم سلق الدستور في جلسة نهارية مسائية فجرية وإنهت لجنة الدستور مع شروق صباح الجمعة من التصويت وبالإجماع على مسودة الدستور وذلك بعد إنسحاب العديد من الأعضاء المؤمنين بمدنية الدولة، وكان هناك إصرارا عجيبا من لجنة الدستور ومن كل أطياف الإسلام الساسي على سلق الدستور بالرغم من إنسحاب العديد من الأعضاء والذين تم تصعيد أعضاء إحتياطي بدلا منهم وكأننا في مباراة كرة قدم لكي يحلوا محل الأعضاء المنسحبين، كان ماراثونا عجيبا من لجنة وضع دستور تستبق الزمن والأحداث قبل إجتماع المحكمة الدستورية العليا يوم الأحد لتقرير حل تلك اللجنة من عدمه، لذلك جاءت التعليمات لتلك اللجنة بأنها يجب إنهاء جميع أعمالها ورفع مسودة الدستور للرئيس للموافقة عليها قبل يوم السبت وبهذا يكون الرئيس قد ضرب عرض الحائط بأي قرار تصدره المحكمة الدستورية وتم وضعها أمام الأمر الواقع، ونتوقع من الرئيس أن يصدر قرارا جمهوريا قبل يوم الأحد بدعوة الناخبين للإستفتاء على الدستور.
والجميع في حالة قلق وترقب: الأخوان المسلمون والسلفيون في جانب وكل القوى المدنية بكامل أطيافها (من أقصى اليمين إلي أقصى اليسار) في جانب آخر. ولقد فوجئت وفوجئ الأخوان أنفسهم بأعداد المتظاهرين في ميدان التحرير يوم 27 نوفمبر 2101 أعتراضا على قرارات الرئيس محمد مرسي وإعلاناته الدستورية، وأنا فوجئت أكثر عندما علمت بأن زوجتى (والتي سبقتني للقاهرة) قد نزلت ميدان التحرير يوم الثلاثاء الماضي رغم أنني قد قلت لها أنه بما أننا تحت حكم إسلامي فيجب عليها عدم نزول ميدان التحرير بدون محرم!! ولكنها خالفت أوامر زوجها ونزلت ميدان التحرير، وحسابها عند ربنا. وزوجتى لا تهتم كثيرا بالسياسة حتى أنها نادرا ما تقرأ مقالاتي، ورغم ذلك نزلت ميدان التحرير مع عشرات الالآف من نساء مصر المحجبات وغير المحجبات وذلك لشعورهن بأن الحكم الإسلامي إذا تمكن من مصر تماما فقد يجعل مصر مثل أفغانستان، وسوف تكون المرأة أكبر ضحية.
والمصيبة أن الإسلاميين في مصر متعجلون على تطبيق الهيافة وليس على تطبيق الشريعة، (مثل زواج الأطفال وختان البنات وإرجاع المرأة إلي البيت وتحطيم أبو الهول ومنع المايوهات وإلخ...) إن الإمبراطورية الإسلامية والتى كانت يوما عظيمة لم تكن أمبراطورية هيافة ولكنها إمتدت من أندونيسيا وحتى الأندلس بسبب علمها وقوتها وتجارتها وأمانتها، فهل تعلم أن التجار المسلمون كانوا مسيطرون على تجارة quot;طريق الحريرquot; من الصين والهند والشرق الأقصى إلى الشرق الأدنى وأوروبا، وهل تعلم أن اللغة العربية كانت هي لغة التجارة الرسمية في طريق الحرير (مثلما أن الإنجليزية هي لغة الإنترنت اليوم) وهل تعلم أن التجار المسلمون هم أول من بدأ البيع بالأجل على طريق الحرير. وهل تعلم أيضا أن بعض ملوك ونبلاء أوروبا كانوا يرسلون أولادهم لتعلم اللغة العربية والعلوم في قرطبة عندما كان المسلمون في الأندلس، وليست أود الإسترسال عن عظمة تاريخ الإمبراطورية الإسلامية، لأن هذا ليس موضوعنا، ولكن ما أود أن أقوله هو أن المسلمون في هذا الوقت كانوا عظماء لأنهم كانوا يعملون ويبتكرون ويتاجرون ويعاملون الناس من مختلف الأجناس والأديان بإحترام فإحترمهم الناس، ولم يكونوا يتصدرون في الهايفة مثل متأسلمي هذه الأيام، لم يركزوا كل مجهوداتهم على تزويج البنات في سن الطفولة ولم يركزوا على ختان البنات ولم يغلقوا مدارس البنات ولم يشوهن وجوه البنات اللاتي يذهبن للمدرسة، ولم يفجروا أنفسهم وسط الأسواق بل ووسط المساجد، ولم ينعتوا من خالفهم في الرأي بالكفر والإلحاد ولم يقتلوا معارضيهم ولم يصفوا أتباع الديانات الأخرى بالكفر، وكانوا عف اللسان لذلك تعلم العالم لغتهم وكانت العربية (كما ذكرت) هي لغة التجارة بين الشرق والغرب.
وبدلا من أن يركز الرئيس مرسي وحزبه وأخوان وأهله وعشيرته على توحيد الصفوف عمدوا إلي شق الصفوف بسلسلة من القرارات والتي كانوا يتراجعون عنها، وكان آخرها هذا القرار الذي شق مصر نصفين، وبدلا من التركيز على البدء في جذب ال 200 مليار دولار إستثمارات والتي وعدونا بها قبل الإنتخابات ركزوا علي الهيافات حتى أخذت البلد تخسر يوميا ملايين، وبدلا من أن يبدأوا خطتهم في زراعة 2 مليون فدان في أربع سنوات وجدناهم يتركون الناس تبني على الأراضي الزراعية بدون مساءلة وأخذت مصر تخسر آلاف الأفدنة، وبدلا من الإهتمام بتشجيع المستثمرين للقدوم لمصر وخلق فرص عمل جديدة وجدناهم يطفشونهم بقرارات عجيبة لسحب مشروعات وشركات وأراضي تم بيعها بموجب عقود حكومية، وبهذا يزيدون من مشكلة البطالة، وبدلا من الضرب بيد من حديد على قطع الطرق وقطع خطوط السكك الحديدية والمضربين عن العمل وجدناهم يمالؤنهم ويحاولون تلبية بعض الطلبات الغير معقولة. وكلما تجاوبت الحكومة الضعيفة مع تلك الطلبات كلما رفع المزايدون سقف الطلبات، وكنا نتوقع أن يجئ الأخوان بحكومة قوية تستطيع أن تقف بحزم في وجه الكوارث الإقتصادية المقبلة على مصر وجدناهم يعينون أضعف حكومة يمكن في تاريخ مصر لأنها من quot;الأهل والعشيرةquot;، وبدلا من البدء في وضع خطة لكي يعمل الناس وتنخفض البطالة وجدنا أن البطالة في إزدياد مستمر، وبدلا من أن يعلنوا عن مليونية العمل وجدناهم يعلنون عن مليونية الشريعة ومليونية قندهار، وبدلا من تأجيج الشعور الوطني لبث الروح الوطنية لدى المصريين وجدناهم يرفعون أعلام تنظيم القاعدة وأعلام السعودية، وبدلا من أن يحاولوا إسترجاع السياح إلي مصر وجدناهم يركزون على وضع قوانين وقواعد تحدد ماذا سوف يشرب أو يلبس هؤلاء السياح، وهم يعرفون تماما أن وضع تلك القواعد على الباب ستجعل السياح يهربون من الشباك بغير رجعة وهم يقولون بناقص البلد دي، وبدلا من تحسين مواقع الآثار المصرية القديمة وجدنا بعض المتطرفين يغطون التماثيل بل وطالبوا بهدم أبو الهول والأهرامات وكانت فضيحة عالمية تطفش مزيدا من السياح، وبدلا من إسترجاع هيبة الشرطة وتكريم شهداء الشرطة الذين إستشهدوا دفاعا عن الأقسام والسجون التي حرقت وجدناهم يصمتون عن شهداء الشرطة بل ويطلبون بإعادة محاكمة من أخذ أحكام البراءة من ضباط الشرطة، فقل لي بالله عليك لماذا تدافع عن مواطني بلدك إذا لم يعترفوا بشهداءك ويريدون إعادة محاكمة من ثبتت براءتهم من الضباط من زملائك ولا يحاكمون من إعتدى على الأقسام أو وزارة الداخلية، بل والأنكي من يعتبرون من حاول الهجوم على أقسام الشرطة وقتل أمامها من الشهداء.
....
وعلى الجانب الآخر، فالقوى المدنية ليست لديها أي خطة وليست لديها قيادة أو زعامة يلتف الناس حوله، وأيام المجلس العسكري كل ما حاولوا فعله هو الهتاف يسقط يسقط حكم العسكر والشعب يريد إعدام المشير، فما كان من المشير ومجلسه إلا الإرتماء في أحضان الأخوان الأكثر تنظيما والأكثر براجماتي، وإذا ظلت القوى المدنية على تفككها فإن الإسلام السياسي هو الرابح بلا شك، وسوف يقتضي الأمر عقودا كثيرة للتخلص من حكم الإسلام السياسي.
ولقد قابلت العديد من الناس الذين يخشون من الحرب الأهلية بسبب حالة الإستقطاب والإنقسام العنيفة في مصر وكلا الطرفين لا يعرف الحل الوسط فمرسي والأخوان يقولون بأنه لا تراجع مطلقا عن تلك القرارات، وأنها جاءت لحماية الثورة!! والقوى المدنية تقول بأنه لا حوار مع الرئيس مرسي قبل إلغاء القرارات حتى يستطيعون حماية الثورة، فياأيتها الثورة كم من الجرائم ترتكب بإسمك؟ وربنا يستر، مصر جربت كل شئ في تاريخها الطويل، ولكنها منذ قيام مينا بتوحيد القطرين (الشمالي والجنوبي) لم تجرب حربا أهلية، وعاشت في وحدة فريدة، دعواتكم أن يتحكم العقل والحكمة في معالجة ذلك المفترق الرئيسي في تاريخ مصر.
[email protected]
وتابعونا على تويتر
@samybehiri