تشابهت إلي حد التطابق الثورة المصرية مع نظيرتها الإيرانية، حتي في التوقيت! فالثورة الإيرانية التي اندلعت في السادس عشر من يناير لعام 1979، كان لنظيرتها المصرية نفس إرهاصاتها. حيث تشابكت جميع القوي المجتمعية الليبرالية منها واليسارية والعلمانية والإسلامية، واجتمع في النهاية مليوني مواطن إيراني في ميدان أزادي ( الحرية )، تماما كما اجتمع نفس العدد تقريبا في ميدان التحرير لإسقاط مبارك ونظامه. وإذا كانت الثورة الإيرانية قد اندلعت في السادس عشر من يناير، فإن نظيرتها المصرية قد اندلعت في نفس الشهر؛ ولكن في الخامس والعشرين. لكن بقي للثورة المصرية خصوصيتها ورعاية الله لها، فهي اندلعت بإرادة إلاهية بدون أن يمثلها قائد حتي الآن، واستمرت علي هذا الحال إلي وقتنا هذا. والقوي الإسلامية في ظل وجود المجلس العسكري، وحرصها علي دستور يتم التوافق عليه، ويشارك في صياغته كل القوي، مؤهلون لتفادي الخطأ الفادح للخوميني، الذي ذهب إلي ربه محملا بدماء الأبرياء الذين كانوا سببا مباشرا في تقلده للإمامة المزعومة.
نحن لا نشكك في دور الخوميني في الثورة، ولا في دور أبنائه وأتباعه الذين ناضلوا لأجل إسقاط نظام الشاه. ولكن نعيب علي من يدّعون الإسلام، ويتحدثون باسمه أن يسرقوا ما ليس لهم. ويستبيحوا الدماء بالصورة الفجة التي قادها الخوميني وصحبته الثورية، سواء في الحرس الثوري، أو المحكمة الثورية، أو الحزب الإسلامي الثوري، والمجلس الأعلي الثوري.
الخوميني الفقيه نسي أن من هو أفضل منه ومن العالمين صلوات ربي وتسليماته عليه محمد.. لم يجمع عليه أهله في مكة! ، فكيف به بين الإيرانيين؟ كيف جرؤ علي أن يقيل بختيار رئيس الوزراء آنذاك، وينصب مهدي باذرخان، ويقول علي الملأ : quot; بما أني عينته، فيجب أن يطاع quot; بل وحذر قداسته من عصيانه. أي دين هذا الذي قال للخوميني الفقيه أن هناك في الكون بشرا لا يعصي؟!
بالقطع كان للخوميني أتباعه، وبالقطع كان حضورهم واستعدادهم للفداء قائم، وهذا أكسب الخوميني ثقة في قدرته علي أن يفعل ما يشاء؛ ولكن انقسم الجيش حتي الإقتتال علي الخوميني، وكذلك انقسم المجتمع الإيراني وسقطت الحكومة الإيرانية حينها.
وبعد إعلان المجلس العسكري الأعلي حياده حيال النزاعات الإيرانية الداخلية، تمكن الخوميني وأتباعه، من تشويه صورة معارضيهم. وأصبحت السلطات كلها في يد الخوميني بعد تأسيسه للحرس والحزب والمحكمة والمجلس الأعلي الثوري. ومنح الدستور الذي لم يعبر بالمرة عن الشعب الإيراني للخوميني القيادة العليا للقوات المسلحة، والحق في نقض المرشحين للمناصب، وأن المرشحين لأي انتخابات يجب أن يحوزوا علي الموافقة المباشرة منه، عبر مجلس صيانة الدستور!
وبموجب دستور الخوميني أغلقت الجامعات، وأقيل الأساتذة، ونفيت المعارضة، أو حوكمت ثم قتلت! فبعد التضييق والتنكيل بقيادات منظمة مجاهدي خلق، أقوي حليف للخوميني قبل الثورة، وأحد أكثر التنظيمات تأثيرا في المجتمع الإيراني ، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب الجبهة الوطنية الذين هددوا بإعدامهم حال تنظيمهم لأية تظاهرات.
في ظل هذا الخطف الفاضح من الخوميني وجلاوذته للثورة، كيف يمكننا القول أن إيران حرة؟ كيف لشعب أن يحتفي وشركائه في الوطن بعشرات الآلاف ما بين ذبيح، وطريد، ومطعون في شرفه وعرضه دون ذنب ارتكب؛ غير أنه عارض القديس ... الخوميني.
ثورة إيران قامت نعم لكنها لم تنته، وسيأتي اليوم الذي يعرف المجرمون جرمهم في حق شعبهم، وخداعهم بعد هذه العقود انكشف تماما، واقتربت ثورة التصحيح.