يدعو التحالف الصيني ndash; الروسي ومعه سورية وإيران وعدد قليل من الدول العربية مثل العراق ولبنان وبعض دول اميركا الجنوبية مثل فنزويلا الى حل بين النظام والمعارضة من خلال الجلوس على طاولة المفاوضات من اجل ايجاد تسوية لحماية النظام ودون ادانة ممارساته القمعية، وحسب رأي روسيا زعيم التحالف ان بشار الاسد في موقع الدفاع مما يتعرض له من جماعات وان ثورة السوريين صحوة اسلامية ارهابية تهدد امن الوطن السوري.

وفيما يحاول التحالف العربي ndash; الغربي فرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري بسبب عدم التجاوب مع مبادرة جامعة الدول العربية ومساعي الدول الغربية، وفيما حاول هذا التحالف اصدار قرار ادانة في مجلس الأمن الدولي ضد نظام الاسد فإن موسكو وبكين لجئتا الى استخدام الفيتو بعنجهية متعمدة لتعطيل القرار الاممي، والدولتان تعارضان على الدوام فرض أي عقوبات على نظام دمشق وكما ترفضان حق التدخل العسكري لوقف قمع وقتل وارهاب الحكم السوري بحجة أن من شأن ذلك خلق التوتر وتهديد منطقة الشرق الاوسط بأسرها بعواقب وخيمة على دولها وشعوبها.

والحلف الموالي للنظام السوري من روسيا والصين لم يتردد من استخدام الفيتو ولم يستشير الجامعة العربية ودول التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية وقطر، وقد عاتب العاهل السعودي الملك عبدالله الرئيس الروسي على عدم الاستشارة واستخدام الفيتو دون وجه حق، ووجه لرئيس روسيا ميدفيديف صفعة عربية بليغة عندما أبلغه استحالة الحوار لحماية نظام الاسد.

وبفعل موقف هذا التحالف المشبوه أعيدت الجهود العربية ndash; الغربية الى نقطة الصفر وباتت مسألة فرض أي عقوبات على سورية بصورة شاملة من قبل المجتمع الدولي لا تحظى بموافقة دولية جامعة، وبذلك تحولت الإجراءات العربية والغربية الى مواقف فردية تتخذ على مستوى كل دولة على حدة وفق مصالحها وسياساتها الدولية، ولكن هذا الواقع لم يمنع من تقديم انواع من الدعم اللوجيستي غير الحاسم للمعارضة السورية خاصة للمجلس الوطني والجيش الحر، ورغم وجود قناعة في بعض العواصم العربية والغربية أن المعارضة بوضعها الحالي غير قادرة التوحيد وعلى الإمساك بالسلطة بسبب تشتت وتنوع مراجعها ومكوناتها السياسية والعسكرية، ولكن بالمقابل فأن رئيس النظام بشار الاسد غير قادر على استعادة سطوة حكمه وسيطرته على كامل المحافظات السورية وخاصة في المناطق التي تتمركز فيها الثورة مثل درعا وحمص وحماه وقامشلي وغيرها.

المهم في الأمر ان روسيا باستخدامها الفيتو في مجلس الأمن الدولي وجه صفعة الى مشاعر العرب الموالين للشعب السوري الثائر وجرح كرامتهم، وأقدم على موقف منافي للاخلاق وغير مراعي لعلاقاتها مع الدول والشعوب العربية والاسلامية، ورمت بمشاعر الأغلبية من المسلمين والعرب عرض الحائط وكأن لا وجود لهما، مقابل مصالح ومنافع روسية متواجدة على الاراضي السورية كان يمكن التفاهم حولها مع المعارضة للحفاظ عليها بين الدولتين بعد اسقاط نظام بشار الاسد، وهنا لابد من التذكير بالمواقف الروسية الى أضرت بشعوب ودول العالمين الاسلامي والعربي في العقدين الماضيين، ومنها:
1. المعاناة الانسانية المتواصلة من الاحتلال الروسي لافغانستان والذي تولد عنه كوارث كبيرة للشعب الافغاني وبالتالي أزمات معقدة ومتواصلة مازالت بدون حل جذري.
2. الدفاع المستميت الى حين لحظة السقوط عن نظام الطاغية صدام حسين وسياساته القمعية تجاه العراقيين من العرب والكرد والتركمان والاقليات المسيحية وبمختلف قومياتهم واديانهم ومذاهبهم وخاصة كرد وشيعة العراق.
3. التمسك بسياسة الدفاع المستميت عن الأنظمة العربية المستبدة التي توالت بالسقوط بفعل ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، واعتبار وضع الشعب الثائر في كل دولة شأن داخلي بالرغم من استخدام الخيار العسكري والامني والقمع الوحشي من قبل النظام ضد الشعب وخاصة في ليبيا وسوريا.
4. استخدام القمع الوحشي من خلال استخدام المجابهة العسكرية العنيفة ضد الشعب الشيشاني الثائر وعدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة والتعامل بقساوة شديدة مع الحاق الدمار والخراب الكامل بشعب وبلاد شيشان.
5. المساومة واستخدام سياسة الابتزاز مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة الامريكية في القضايا الدولية وفي الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي على حساب الشعوب بعيدا عن المباديء واخلاقيات العلاقات الدولية وحقوق الانسان.
6. دفع النظام الايراني الى سلوكيات وممارسات متسمة بالعنجهية المفرطة في المنطقة وضد دولها وجيرانها واتباع سياسة التوسع والتسلح العسكري والنووي غير المبرر بفعل الدفاع المستميت للحكومة الروسية عن طهران مقابل منافع ومصالح مالية ونفطية وقتية ممكن ان تتلاشى مع اي تغيير في المنطقة بفعل ربيع الثوات ومنها احتمالية انطلاق الربيع الايراني.

وبالرغم من التبرير غير المقنع لتفسير الموقفين الروسي والصيني، الا ان موقف موسكو يفسر إنها تتخوف من عدوى انتشار وامتداد التيار الاسلامي الصاعد في دول الربيع العربي ليصل اليها ويمتد آثارها الى الشيشان الأمر الذي يهدد الأمن القومي الروسي ليس فقط داخل اراضيها بل حتى داخل مكونات الأمة الروسي في ظل توقعات عن ارتفاع كبير في اعداد المسلمين قياساً الى المسيحيين داخل روسيا، يضاف الى ذلك ان النظام الروسي لن يتخلى بسهولة عن وجودها في البحر الابيض المتوسط من خلال تواجد قواته واسطوله على الشواطىء السورية لضمان قدرته على الاحتفاظ بقوة رادعة في مواجهة منظمة الصواريخ الأميركية على أراضي جارته تركيا، واضافة الى لعبة تحكمه بالنظام السوري للعب بورقة قابلة للصرف والمساومة والابتزاز في أي مشروع سلام دول منطقة الشرق الأوسط وبين الاسرائيليين والفلسطينيين، وبالاضافة الى احتمال رسم سيناريو روسي لاقامة حلف لمحور بؤر الشر يمتد من ايران الى سورية وجنوب لبنان مرورا بالعراق للعب دور ابتزازي في المنطقة على حساب شعوبها وانتهاج لعبة دولية جديدة للمساومة مع الغرب وامريكا لمنافع ومصالح غير اخلاقية.

اما المارد الصيني الاقتصادي فإنه لم يعد خائفا من الغرب لمقاطعته تجاريا لأنه صار قطبا من الإقتصاد العالمي لا يمكن الاستغناء عنه، وفي ظل الأوضاع الدولية الاقتصادية والتجارية والمالية باتت الصين الأمل المنقذ لأميركا واوربا خاصة في منطقة اليورو لحل الأزمة المالية العالمية التي تعاني منها هذه الدول من خلال استثمار الكتلة المالية العملاقة للصين في سندات الخزينة الامريكية والخزائن الاوربية، ولهذا بدأ المارد الاسيوي من خلال استخدام الفيتو بالكشف عن حقيقة طموحاته الاقليمية والعالمية من خلال اقامة نوع من التكتيك والتحالف مع روسيا للتعامل مع الغرب وامريكا حول القضايا الدولية ولمواجهة أي مد أسلامي يصل اراضيه وشعوبه ولمجاملة النظام الايراني بسبب تهديده بوقف صادرات النفط الخليجية بغلق مضيق هرمز وهذا يشكل خطراً على صناعات الصين خاصة وأنها من اهم المستهلكين عالمياً للنفط ومن اكبر المستثمرين فيها، وبهذا الاستعمال للفيتو تمكن هذا المارد الاقتصادي من إعطاء انطباع ببدايات ظهور قطب جديد في السياسة العالمية لترسيخ دوره دوليا مع مرور الوقت، ولكن بفعل الردود العربية والاسلامية حول موقف الصين في مجلس الامن فانها تحاول التهدئة وتعمل على رسم انطباع انها لا تدافع عن النظام السوري.

لهذا تبقى مسألة الرد على الموقفين الروسي والصيني وتعامل العرب معهما وخاصة مع روسيا من الضروريات الأساسية للتعبير عنه بجدية من خلال اتخاذ موقف صارم تجاه موسكو ليكون عبرة لها وللصين، ويمكن التعبير عن هذا الموقف للعرب بتأديب سياسي لكي تدفع بروسيا الى التعقل والتحسب باجراء الف حساب مع اي شأن متعلق بالعالم العربي، وافضل موقف يمكن للعرب اتخاذه بهذا الصدد هو ان يتزعم مجلس التعاون الخليجي هذا الموقف من خلال تبني عمل دبلوماسي جماعي هو سحب سفراء دول الخليج من موسكو وطرد سفرائها من العواصم الخليجية وربط هذه المقاطعة الدبلوماسية بمطلب سحب الدعم الروسي من سوريا وايران لانقاذ الشعب من نظام الاسد وعزل نظام طهران من احد الاقطاب الدولية لدفعه الى التعقل واتباع الحكمة لصالح ايران ولصالح شعوب المنطقة.

وفي نهاية الدعوة لبيان حاجة العرب الى تأديب روسيا لا بد من القول ان الوقت قد حان لاتخاذ موقف حاسم من هذا الدب المستوحش الذي يمارس الابتزاز والمساومة على حساب الشعوب ومآساتهم ومعاناتهم، ولا بد لمجلس التعاون الخليجي من التبني لهذا العمل خاصة وان العاهل السعودي الملك عبدالله قد عبر عن احد مضامين هذا الموقف للرئيس الروسي وقد كان رده صفعة تهذيبية على خدود الرئيس ميدفيديف، ولكن رد الملك بحاجة الى دعم خليجي لتطويره وتوسيعه وتوجيهه بقوة وحسم الى موسكو لمجابهة موقفها السلبي والمتسم بالقلق الدولي لدعمها بؤر الشر في دمشق وطهران، ونأمل ان يتخذ مجلس التعاون هذا القرار الحاسم، وفي الختام نقول نعم والف نعم للرد الحازم للملك عبدالله ولموقف المملكة في مؤتمر اصدقاء سوريا في طرابلس ليبيا، ولابد من موقف حازم للعرب لتضميد جرح الكرامة التي سببها الدب الروسي المستوحش.

[email protected]