أخيراً تذكّر الأسد بعد عقودٍ من quot;السلام الخفيquot; مع إسرائيل أنّ هذه الأخيرة quot;عدوّة محتلة لأراضٍ سوريةquot;، وأنّه في حال تعرّض نظامه لأية ضربات عسكرية من قبل الولايات المتحدة الأميركية وشركائها، سيقوم وجيشه بquot;الرد الفوري والسريع والحاسم إطلاق أكبر قدر ممكن من القوة الصاروخية ضد أهداف إسرائيلية، واستخدام قوة صاروخية بعيدة المدى لإصابة أهداف عسكرية أميركية بحريةquot;.

آخر الأخبار والتقارير، الواردة من غرف نظام الأسد السرية المشتركة مع إيران وحزب الله، لإدارة العمليات، تقول بأنّ الأسد مستعدٌّ أن يحوّل سوريا إلى ساحة حربٍ إقليمية مفتوحة على كلّ الإحتمالات، حال حدوث أيّ تدخل عسكري خارجي في شئون بلاده، وقيام الغرب بتوجيه ضربات عسكرية مباغتة ضد أهداف عسكرية سورية.

منذ البداية كان quot;أمن إسرائيل الذي هو من أمن سورياquot;(كما صرّح إبن خال الرئيس رجل الأعمال السوري رامي مخلوف لصحيفة الquot;نيويورك تايمزquot; الأميركية في الحادي عشر من مايو/ أيار الماضي)، هو أحد أهم الأوراق التي عوّل عليها النظام السوري، في لعبه مع الغرب الأوروبي وأميركا.
إسرائيل وأمنها، إلى جانب عدم وضوح ملامح البديل، الذي سيحكم سوريا من بعد الأسد، كانت أحد أهم الأسباب التي أدت إلى عدم حسم الأوروبيين والأميركيين لموقفهم تجاه الأزمة السورية، وترددهم حتى الآن، في توجيه ضربات عسكرية ضد نظام الأسد.

بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة إلى أميركا، وتأكيد الرئيس الأميركي باراك أوباما quot;التزامه مجدداً بأمن إسرائيل في واحة الديمقراطية بالشرق الأوسطquot;، ازدادت حدّة تصريحات المسؤولين الأميركيين تجاه النظام السوري، الذي وصِف على لسان أكثر من مسؤول كبير بquot;المجرمquot;. بعضٌ من هذه التصريحات لم تتوقف عند حدودها الديبلوماسية المعهودة، وإنما بلغت من الحدة إلى درجة التهديد بquot;التدخل العسكريquot; وquot;احتمال توجيه ضربات عسكرية إلى النظام السوري، إن تطلّب الأمر ذلكquot;.

أميركياً تمّ وضع خطط عسكرية لإستهداف النظام السوري، وباتت كلّ الخيارات على الطاولة. فعلى الرغم من تأكيد وزير الدفاع الأميريكي ليون بانيتا، على quot;الحلّ السلمي كأفضل الحلول للأزمة السورية والإنتقال السلمي للسلطة بحسب الخطة العربيةquot;، إلاّ أنه أكّد أيضاً، في تصريحاته الأخيرة، على أنّ الإدارة الأميركية quot;لا تستبعد أيّ خيارٍquot;، بما في ذلك خيار التدخل العسكري.

على الرغم من أنّ تدخلاً عسكرياً كهذا من قبل أميركا وشركائها، ضد النظام السوري لا يزال quot;خياراً مؤجلاًquot;، إلا أنّ تطور الأحداث في سوريا بشكلٍ دراماتيكي وانزلاقها نحو فوضى الحرب الأهلية، خصوصاً بعد اتخاذ الثوار على الأرض وquot;جيشهم السوري الحرّquot;، إلى جانب quot;المجلس الوطني السوريquot;، قراراً نهائياً بضرورة quot;تسليحquot; الثورة كحل وحيد لإنقاذها وإنقاذ الشعب السوري، من بطش النظام وآلة حربه الوحشية، كلّ ذلك دفع الأميركيين والأوروبيين، كما يبدو من تصريحاتهم الأخيرة، إلى إعادة النظر في حساباتهم، وإعادة قراءتها من زوايا أخرى، خصوصاً في تلك الحسابات والمسائل المتعلقة بquot;أمن إسرائيلquot;، وأمن المنطقة برمتها.

وقوع السلاح بيد الجميع، سيعني دخول الجميع في quot;حرب الحميع ضد الجميعquot;، ما يعني انزلاق سوريا وما حولها نحو حربٍ أهلية مدمّرة، ستترك آثارها على الكلّ، بما في ذلك جيران سوريا، مثل لبنان وتركيا والعراق.
انزلاق سوريا إلى مجهول حربٍ أهليةٍ كهذه، يعني دخول quot;أمن إسرائيلquot; في ذات المجهول، خصوصاً وأنّ الأوروبيين والأميركيين أعلنوا مراراً، عن خشيتهم الكبيرة من سقوط السلاح بيد quot;الجماعات الإرهابيةquot; مثل القاعدة وأخواتها.
عدم تدخل أميركا وأوروبا في حسم الأمور تجاه الأزمة السورية، التي ستتطوّر من سيءٍ إلى أسوأ، وهروبهما من quot;التدخل العسكريquot; بتوجيه ضربات عسكرية حاسمة للنظام السوري، سيعني في المستقبل، هروباً من quot;أمن إسرائيلquot; قبل أن يكون هروباً من أمن سوريا، وهذا ما لن يفعله الأميركيون والأوروبيون أبداً. هذا فضلاً عن أنّ وقوف هؤلاء quot;الأصدقاءquot; من قضية quot;تسليحquot; الثورة السورية موقف quot;المتفرجquot; أو quot;الحياد السلبيquot;، قد يؤدي إلى إفلات الوضع في سوريا، وسقوطه بالتالي، في أيدٍ quot;غير أمينةquot; أو quot;مؤتمنة عليهاquot; أوروبياً وأميركياً.

هؤلاء quot;الأصدقاءquot; توصلوا إلى قناعةٍ تامّة بأنّ الأسد إلى سقوطٍ، ولم يعد ذاك quot;العصفور المضمون في اليدquot;، المغرّد لأمن إسرائيل على حدود الجولان السورية.

تصريحاتهم الأخيرةُ، بالتلويح لquot;إحتمال القيام بتوجيه ضربات عسكرية ضد النظام السوريquot;، تشي بحدوث تطور نوعي في موقفهم الحذر من الأزمة السورية. التلويح بالقيام بquot;حربٍ أطلسية ممكنةquot;(أميركية بالدرجة الأولى) ضد النظام السوري، يعني أنّ هؤلاء quot;الأصدقاءquot; باتوا يحسبون لquot;أمن إسرائيل الذي هو من أمن سورياquot; ألف حسابٍ وحساب.
التلويح بإحتمال quot;التدخل العسكريquot; في سوريا، من جهة هؤلاء quot;الأصدقاءquot; يعني أنّهم باتوا يخافون بالفعل من احتمال quot;فرطquot; العقد السوري، وخروج الوضع عن سيطرتهم، وهذا ما لا يرتضوه ولن يقبلوا به أبداً. أحد أهم الأسباب التي تقبع وراء خوف هؤلاء quot;الأصدقاءquot; من quot;سقوط السلاح في يد الإرهابquot;، هو إسرائيل. عليه فإنّ الخوف الأميركي والأوروبي من quot;سقوط سوريا في يد الجماعات الإرهابيةquot;، هو في النهاية خوفٌ على quot;سقوطquot; أمن إسرائيل واستقرارها في فوضى القادم من سوريا ولاأمانها ولاإستقرارها.

أما خروج الأسد ونظامه عن صمته بشأن quot;أمن إسرائيلquot;، وتفكيره الآن بأنّ زمانَ quot;ضربquot; إسرائيل quot;المناسبquot;، بعد أربعين سنةٍ من التأجيل والتسويف قد حان، فهو دليلٌ على نفاذ كلّ أوراقه، ولم يبقَ أمامه إلا اللعب quot;الشمشونيquot; بورقة quot;أمن إسرائيلquot; الصعبة، على طريقة quot;عليّ وعلى أعدائيquot;.

نجح النظام السوري حتى الآن في هروبه من التاريخ، عبر اللعب بأوراقٍ كثيرة، كضرب المعارضة بالمعارضة وجرّها إلى معارك جانبية، وضرب الشعب بالشعب عبر ضرب الطائفة بالطائفة، وجرّه للبلاد إلى حربٍ أهلية، دارت معاركها في أكثر من مكانٍ سوري مشتعل، إلا أنه من الصعب عليه جداً، هذا إن لم يكن مستحيلاً أصلاً، النجاح في ذات الهروب من ذات التاريخ، عبر ضرب أمنه بأمن إسرائيل.

فهل توقيع الأسد على أمر quot;ضربquot; إسرائيل، بعد quot;سلامٍ خفيٍّquot; استمرّ لعقود، يعني التوقيع على quot;الطلاقquot; معها، وفسخه للزواج السري(المسياري) بها، وبداية نهاية شهر العسل الطويل بينهما؟