الآن وقد أعلن السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كوردستان العراق عن موقفه تجاه الحكومة الاتحادية في بغداد يتساءل المواطنون عن طبيعة الخطوة التالية لمثل هذا الموقف السليم الذي جاء متأخرا بعد أن وصلت العملية السياسية في العراق إلى طريق مسدود منذ مدة طويلة.

البارزاني يؤكد على أن السبيل لمعالجة القصور في العملية السياسية الشبه ميتة، يكمن في اللقاء الوطني المزمع عقده دون تحديد متى وأين وكيف سينعقد فلا اتفاق حول جدول الأعمال والبنود التي من المقرر مناقشتها، وحتى اسم الاجتماع لم يتم الاتفاق عليه وهل سيكون مؤتمرا وطنيا أم اجتماعا أو لقاء روتينيا أو ربما دعوة عشاء يتم خلالها إعادة الحياة لسياسة تبويس اللحى بعد أن لفظت أنفاسها الأخيرة قبل أعوام، وإذا كان هذا هو حال الاجتماع فكيف يمكن معالجة أي قضية حساسة ومصيرية بالنسبة للشعب العراقي في مثل هكذا لقاء وهل هناك أي بصيص أمل في أن تتفق الأطراف المعنية على حلول للمشاكل التي تعاني منها العملية السياسية إذا كانت أصلا غير مستعدة لقبول الآخر وهو الموقف الذي تمارسه كتلة دولة رئيس الوزراء عمليا وعن عمد وسبق إصرار، بعد أن حصلت على موافقة الآخرين في مؤتمر اربيل على تشكيل الحكومة ومن ثم تنصلت من كل الاتفاقات المعقودة بينها وبين بقية أطراف العملية السياسية بما فيهم التحالف الكوردستاني صاحب المبادرة، وعليه فليس أمام الرئيس البارزاني إلا الحل الآخر الذي ذكره في خطابه وهو اللجوء إلى الشعب الكوردي واخذ رأيه وهذا يعني فيما يعنيه الكثير اعتبارا من قطع العلاقة مع الحكومة الاتحادية وسحب الوزراء وأعضاء البرلمان وانتهاء بممارسة حق تقرير المصير وهو الأمر الذي يتحمل السيد رئيس الوزراء العراقي كل تبعاته جملة وتفصيلا نتيجة تفرده بالسلطة والسياسة التي ينتهجها ضد كل من لا يقف في صفه سواء كان حزبا أو كتلة برلمانية أو إقليما أو محافظة.

ماسبق يعني أن أيام السيد رئيس الوزراء باتت معدودة، فهو أمام أمرين لا ثالث لهما وهما : إما أن يدافع عن وحدة العراق وشعبه وهو يعني قبول الآخر والشراكة الحقيقية وتنفيذ مقررات مبادرة البارزاني التي بموجبها تم تشكيل الحكومة وأما أن يقبل بأنه اخر رئيس وزراء لدولة العراق الاتحادي قبل أن يتفكك إلى ثلاث دول متصارعة حول كل شيء، خاصة والمنطقة مقبلة على تغيرات جذريه ومن الممكن، إذا لم يكن في حكم المؤكد، أن تطال الحدود التي رسمها الحلفاء المنتصرون في أعقاب الحرب العالمية الأولى والتي لم تأخذ بنظر الاعتبار رأي وارادة شعوب المنطقة ومن بينها الشعب الكوردي الذي يملك أكثر من سبب لتوديع سلطة بغداد أو بالأحرى سلطة المنطقة الخضراء، مع وجود مثل هكذا سياسة وساسه في بغداد لا يزالون يفكرون بمنطق الاستعلاء القومي والاستعمار الاستيطاني ورفض ما هو موجود على ارض الواقع كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال.

صحيح ان الحركة التحررية الوطنية الكورديه نشأت وناضلت على مدى عقود تحت شعار وفكر ومبادئ التآخي العربي الكوردي، وعلى تلاحم الحركة الوطنية للشعبين الشقيقين من اجل الحرية والتقدم، وكان الكورد ولا يزالون متمسكين بالوحدة الوطنية العراقية والرد على المتصيدين في الماء العكر لا يستحق حتى إلى التفكير فيه، ولكن ومع وجود اناس يعتقدون إنهم متفضلين على الكورد بما يتمتعون به من حقوق حاليا في العراق وان الحالة الكورديه في العراق أفضل من غيرها في البلدان التي تقتسم كوردستان كما كان يزعم النظام الدكتاتوري المقبور، فهذا يعني انه ليس أمام الكورد، وبعد كل ما قدموه للعراق إلا طريق واحد، طريق الاستقلال عن العراق، يدفعهم إليه كل أولئك الذين لا يزالون يعيشون أوهام العنصرية البغيضة وأحلام الاستعمار الاستيطاني، الذين يصرون مثلا على حرمان الكورد المرحلين والمهجرين من ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها من العودة إلى ديارهم وممارسة حقوقهم المشروعة التي اغتصبها النظام السابق عبر جرائم همجيه تجسدها المقابر الجماعية التي لا يمر شهر دون اكتشاف المزيد منها، ناهيك عن كل المشاكل التي يخلقها النظام في بغداد لوأد التجربة الديموقراطية لإقليم كوردستان العراق، وهو أمر غير ممكن في كل الأحوال في عالم القرن الواحد والعشرين الذي يدشن عصر الاعتراف بحقوق الإنسان ووجوب احترامها.

عليه ومن اجل عراق موحد أرضا وشعبا، عراق ديموقراطي تتمتع مكوناته القومية والدينية بكامل حقوقها ويعم السلام والرخاء ربوعه، لا بديل عن الشراكة الحقيقية واحترام الآخر والالتزام بالدستور وأي تجاهل لهذا الفيصل الحاسم سيؤدي ولاشك إلى بلقنة العراق وعندها لن يكون الكورد مسؤولين عن النتائج أيا كانت، خاصة وأطراف عربية وإقليمية مهمة ومؤثره ترى الحق في الجانب الكوردي، فهل يعي المسؤولون في بغداد رسالة البارزاني الأخيرة أم في أذانهم وقر ولا يسمعون أجراس الغضب التي تقرع في كوردستان ؟ هذا ما سنعرفه قريبا وقريبا جدا.

bull;كاتب عراقي

bull;[email protected]