يبدو أن حليمة عادت لعادتها القديمة!
فكما كانت أمريكا في القرن الماضي ومطلع هذا القرن، تساند الدكتاتوريات القروسطية العربية، عادت لتساند هذه الدكتاتوريات من جديد. وبذا، فأمريكا الآن، تتحمل وزر ما تقوم به من تعطيل لزحف quot;الربيع العربيquot;، وتعطيل لمسيرة الإصلاح السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، هنا، وهناك.
فما هي مصلحة أمريكا في ذلك؟
هل هو الخوف من quot;التيار الدينيquot; الصاعد؟
ولكن هذا quot;التيارquot; هو واقع العالم العربي، والشارع العربي، المتدين تديناً شعبياً فطرياً، والذي رأينا مظاهره الواضحة في تونس، وليبيا، ومصر، واليمن، وغيرها.
فما مِنْ مهرب منه.
وما مِنْ علاج له، إلا بالاقتراب منه، ومحاورته، والتفاهم معه. أما محاربته والوقوف ضده، فهذا يعني مزيداً من الإرهاب، ومزيداً من العنف، في المنطقة، والعالم كله. ولقد جرّبت أمريكا ذلك من قبل في 2001، وذاقت مرارة الحنظل.

أمريكا تدعم من جديد الدكتاتوريات
أمريكا اليوم تعود الى سيرتها الأولى في دعم الدكتاتوريات القروسطية العربية، كما كانت تفعل في الماضي. وهذا ليس اكتشافاً عظيماً، ولا سبقاً إعلامياً نفوز به، ونقدمه اليوم للقراء. ولكنه نباهة ويقظة المعارضة الأردنية، التي قالت لأمريكا وجهاً لوجه، تباً لسياستكم الرديئة، في طي ملف الإصلاح الأردني، وطي ملفات الفساد، التي فُتحت قبل أسابيع، وأغلقت بسرعة، خوفاً من استمرار محاكمة النواطير دون محاكمة السواطير، التي سبق وتحدثنا عنها وتنبأنا بحدوثها وإغلاق ملفات الفساد من جرائها. فكان واضحاً منذ البداية، أن فتح ملفات الفساد، وبالطريقة البلهوانية الاستعراضية، التي حدثت، كان يعني وصول (القيل والقال) إلى المقام السامي، والساطور الأكبر، ومن حوله من النواطير الصغار.

صح النوم!
ولم تدرك أمريكا حتى الآن، أن ما كان ينطوي على المعارضة العربية -والأردنية بشكل خاص - في القرن الماضي، لم يعد ينطوي عليها الآن، في زمن quot;الثورة العالمية الثالثةquot;، وهي ثورة الانترنت، ومن تبعها من ثورة في المعلومات، والاتصالات، والتواصل الاجتماعي.

على مائدة عشاء السفير الأمريكي

ففي الأمس، كان على مائدة عشاء السفير الأمريكي في عمّان، مجموعة من الشخصيات الأردنية، كما أفاد الموقع الإنترنتي (صحفي) الأردني (19/5/2012)، حضرها عدد من الإعلاميين، بالإضافة إلى موظف من الديوان الملكي، وأمين عام وزارة التنمية السياسية. ودار حديث مطوّل عن الاصلاح السياسي في الاردن.
أحد الإعلاميين وجه نقداً قاسياً للجانب الأميركي، لأن الإدارة الأميركية - حسب ما قيل- كانت قد أعطت الملك ضوءاً أخضر للتراجع عن الإصلاح. وأُضيف، أن الزخم الشعبي الداخلي والإقليمي، الذي كان موجوداً كان كافياً لإقناع الملك - الذي كان يشعر بحالة غير مسبوقة من ضغط الشارع- للمضي بإصلاحات حقيقية. غير أن ما حدث، هو تراجع عن الإصلاح من خلال حكومة جديدة، غير إصلاحية، وتعيينات أخرى في الدولة، فُهم منها رسالة، أن الدولة قد تراجعت عن الإصلاح.
والمحسوبون على الدولة في هذا العشاء، لم يتمكنوا من الدفاع عن السياسة الرسمية لوجاهة الملاحظات، ووجهات النظر، التي قُدمت.

بُهتَ السفير!
أما السفير الأميركي، فكان حذراً، وكان يستمع أكثر، خاصة أن المدعوين الاردنيين، تكلموا بسقف مرتفع، موجهين سهام نقدهم لما وصفوه بتراجع واضح للدولة عن وعودها بالإصلاح، وضربها لمطالب الحراك الاصلاحي بعرض الحائط.
وقال موقع(صحفي) الأردني، إن بعض التسريبات تشير، إلى أن عرّاب quot;الربيع العربيquot; جيفري فيلتمان، كان في زيارة رسمية لعمان، قبل أقل من شهر، وفيها أعرب عن إعجابه لما يقوم به الأردن من quot;إصلاحاتquot;! وقال بأن الإدارة الأمريكية، لا تنتظر أكثر من ذلك. quot;وهذا انقلاب في موقف الإدارة، التي وضعت ضغطاً على الأردن في شهر آذار العام الماضي، عندما قابل وليام بيرنز (مساعد وزير الخارجية) الملك في عمان. وما أن عاد وليام بيرنز إلى واشنطن، والتقى مع الرئيس الأميركي، حتى هاتف باراك أوباما الملك طالباً منه إجراء حزمة من الإصلاحات السريعة.

سر الإنقلاب الأمريكي
فما هو سر هذا الانقلاب الأمريكي؟
يقول بعض المحللين:
quot;الانقلاب الأميركي، جاء بعد حالة من الترقب، وعدم التيقن، لما يجري في مصر. ويبدو أن هناك رغبة أمريكية في تقديم الاستقرار على الإصلاح في الأردن.
فبئس هذا الانقلاب، وبئس ذاك الاستقرار!
وكيف يتم الاستقرار بدون إصلاح؟!
أن حالة الترقب، وعدم اليقين هذه، التي تقضُّ مضاجع الإدارة الأمريكية، قائمة منذ ستينات القرن الماضي، ولن تنتهي في المستقبل القريب.

quot;جاء الهوا على بو سواquot;
وقد جاء كل هذا، ليلقى من رأس النظام الأردني كل دعم، وسعادة، وارتياح، وبذا لقي quot;الربيع العربيquot; في الأردن انتكاسة حزينة!
فالمحلل السياسي الأردني لبيب قمحاوي، قال في الأسبوع الماضي في مقاله، ما معناه quot;أن الهوا جاء على بو سواquot; وعلى quot;قد خاطرquot; رأس النظام، الذي quot;أشهد الأردن الآن انقلاباً هادئاً على حركة الإصلاح والحراك الشعبي، ومطالبها. وخلافاً للعادة، فإن هذا الانقلاب، لا ينحصر في الأبعاد العسكرية، والأمنية التقليدية، بل يمتد في وسائله وآثاره، ليشمل كافة مؤسسات الدولة، ومعظم القوى الاجتماعية خصوصاً التقليدية، والعشائرية. وانسجاماً مع حساسية النظام لتبعات سياساته الداخلية على سمعته، وعلاقاته الخارجية، فإن هذا الانقلاب يجري بهدوء، وتحت ستار الدستورية، وبأسلوب ناعم جداً، وضمن غطاء الإصلاح، الذي قام النظام باختطافه، وإعادة تعريفه، ليناسب مقاسه. وعلى هذه الخلفية ،قام الحكم بعدة خطوات، أدت وتؤدي إلى الانقلاب الذي نشهده الآن، والذي كان من أولى نتائجه، تقوية يد النظام، وإضعاف مسيرة الإصلاح، والالتفاف عليها، تمهيداً لتفريغها من أي مضمون، ومن ثم إجهاضها.
ما الذي يدور في رأس النظام؟
تساءل قمحاوي:
ما الذي يدور في رأس النظام؟
وماذا يريد؟
والأهم من ذلك ما لا يريد؟
وقال:
ما لم ينطق به النظام صراحة، قد يكون هو الأهم، وهو المحرك الحقيقي الخفي، لسياساته، ومواقفه.
النظام لا يريد المساس بسلطات الملك المطلقة.
والنظام لا يريد بقاء ملفات الفساد الكبير مفتوحة، كما لا يريد محاكمة المتهمين بها.
ومن أجل ذلك تم اتخاذ بعض الخطوات مؤخراً، في سبيل وضع الأمور في هذا السياق.quot;
فهل طويت صفحة الحراك الشعبي الأردني؟
لا.
فما زال في الشعب الأردني قلبٌ ينبض، وعقلٌ يفكر، وذراعٌ تعمل!
السلام عليكم.