جماهير الشعب المصري وقواه الثورة تعيش منذ يومين أزمة انتخابية عاصفة بعد أن أذاع رئيس اللجنة العليا ( ظهر الأثنين 28 الجاري ) أن جولة الإعادة ( 16 و 17 يونية القادم ) لإختيار رئيس جمهورية مصر التالي ستكون بين كل من.

-الدكتور محمد مرسي رئيس حزب العدالة والتنمية الذراع السياسي الذي يدين باللاء والطاعة لجماعة الإخوان المسلمون ومرشدها العام.
-والفريق أحمد شفيق المحسوب علي قوي النظام الذي اطاحت برأسه ووبعض رموزه ثورة 25 يناير.
بعيدا عن التعمق في..

الأسباب التى مهدت الطريق لحصول أحمد شفيق علي المركز الثاني والتى تترواح بين فشل مرشحي الثورة في الإتفاق فيما بينهم علي مرشح واحد كان يمكن أن تتجمع حوله كل أصوات المؤيدين لها المؤمنين باهدافها وشعارتها، وحاجة الدولة إلي رجل قوي ذو خبرة وتجربة لكي يملك مقومات وضع حد لتدهور الأوضاع الأمنية في البلاد ويعيد الثقة مرة أخري للظروف الجاذبة للإنتاج والإستثمار والتنمية.

.. وفي أسباب فشل محمد مرسي في الحصول علي أصوات نصف الذين شاركوا في الإقتراع + 1 ( حوالي 600 ر 11 مليون ناخب ) التى تترواح بين حقيقة تأثيرهم التى لا تتعدي نسبة الـ 25 % التى أيدتهم في هذه الإنتخابات.. وتراجع شعبيتهم بعد إنكشاف تكالبهم علي إحتكار أعلي منصبين تنفيذيين في الدولة بعد حصولهم علي الأغلبية في مجلسي الشعب والشوري.. إضافة إلي ضعف آدائهم علي المستوى التشريعي منذ نهاية شهر يناير وحتى الأمس القريب.. وبين تعاملهم مع مجلس الشعب كأنه واحد من مكاتب الدعوة التى تديرها الجماعة، يعلقون جلساته متي أرادوا ويسيرونها وقتما يشاؤون.
فالحقيقة الماثلة أمامنا الأن، هي.

الثورة شبه مهزومة! وأهدافها ملقاة علي قارعة الطريق.
لأن نتيجة المرحلة الأولي من الإنتخابات كما أعلنت وضعت الشعب المصري وقواه الثورية في مأزق انتخابي شديدة الوعورة.. حيث ستكون المواجهة التالية بين وجهي عملة واحدة.. ونعني بذلك : القوتين المحافظتين، المجلس الأعلي للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين.. اللتين تسببتا في تعطيل المسار الثوري منذ وقعا معاً حتى من قبل تنحي الرئيس السابق تحالفاً غير معلن لوأد كل ما طالب به الثوار من كرامة وحرية وعدالة إجتماعية.

مواقف شرائح المجتمع المصري الرافضة للنتيجة والتى تمتد من النخبة إلي مستوي الطبقات الفقيرة والكادحة، لا يحسدها عليه احد.
لأنها علي قناعة تامة، أن المجلس الأعلي ساهم في صمت ndash; بطرق لم يكشف الستار عنها بعد - لكي يحصل الفريق أحمد شفيق علي أعلي عدد من الأصوات في كثير من محافظات الدلتا وعدد من محافظات الصعيد، وبذلك أصبح ndash; أي المجلس - في موقف المتحدي لإرادة الثورة الشعبية.
أما جماعة الإخوان المسلمون التي تقود تيار الإسلام السياسي من موقع الأقدمية التاريخية مضافاً إليها الأغلبية العددية في المجالس النيابية، فلم تتمكن من تحقيق الفوز النهائي لمرشحها محمد مرسي بعد إنتهاء التصويت في المرحلة الأولي.

أيضاً شرائح المجتمع المصري علي قناعة تامه، أن كلا الإختيارين في مذاق العلقم.
ليس هناك قرق كبير بين أن يختار الناخبون مرشح الدولة الدينية التي تقف علي خط معادي للثورة، أو أن يصوتوا لصالح مرشح النظام الذي ثار عليه الشعب.
المجلس الأعلي للقوات المسلحة يراهن علي أن مواجهة تيار الإسلام السياسي الذي يخطط لإحتكار عصب الدولة التنفيذي علي مستوي رئاسة الجمهورية ومن ثم رئاسة الوزارة إلي جانب الهيمنة علي لجنة صياغة الدستور بعد أن حصد الأغلبية النيابية، لن تتحقق سوي بالتكتل الشعبي وراء أحمد شفيق الذي يروجون له أنه القادر علي الوقوف بحزم أمام تصاعد وتيرة هيمنة التيار السياسي الإسلامي علي مفاصل الدولة المصرية.. وعلي التصدي للتدهور الإقتصادي والإنفلات الأمني والإحتجاجات الفئوية.

تيار الإسلام السياسي كما تمثله جماعة الإخوان المسلمون لم يفقد الأمل برغم مؤشرات تراجع تأييد الجماهير له.. لذلك سعي إلي الإلتفاف علي النتائج الإنتخابية بعرض مبادرات شتي علي الذين كانوا ينافسون مرشحه حتى قبل ساعات معدودة.. منها ما يتصل بمنحهم منصب نائب الرئيس، كبار مستشاري الرئيس، نائب رئيس الوزراء.. بهدف ضمان أن يصوت العدد الأكبر من أنصارهم لمحمد مرسي في جولة الإعادة، ولكنهم لم يحصدوا سوي الرفض المهدب والإستنكار.
مأزق القطبين المحافظين يتمثل في خشية المجلس الأعلي أن لا يتواصل زخم التأييد لمرشحه أحمد شفيق من الآن وحتي 16 و 17 من الشهر القادم.. أو أن يصدر ضده حكم قضائي يدينه من واقع القضايا والأوراق التي ستنظرها بعض المحاكم في الأيام القليلة القادمة.

أما مخاوف جماعة الإخوان المسلمون فتتركز فيما سيتوالد من سلبيات بسبب رفض مبادراتهم.. فهي ستمثل أولاً عدم ثقة في وعودهم.. وستقوي ثانياً من مواقف هؤلاء الرافضون النضالية المعارضة ضدهم بعد كانوا في خندق ثوري واحد.. وهي ثالثاً ستضيف قوي مجتمعية إلي المعسكر الشعبي الرافض للتعاون مع فكر تيار الإسلام السياسي الذي كان يعارضهم منذ انضمامهم المزعوم للثورة.

ليس هناك وصفة يمكن عن طريقها التوصل إلي حل لهذه الاشكالية شديدة الوعورة لأن كلا المرشحين لا يحظيان بثقة القطاع الأوسع من الناخبين ولا يتمتعان بمكان رحب علي الساحة، وفلي نفس الوقت لا بد من المفاضلة بينهما لأختيار أحدهما بعد ان تراجعت حظوظ من كان يمكن ان يريح الشعب المصري من هذه المواجهة التصادمية، ونقصد به حمدين صباحي.

هذه المفاضلة سترتكز في رأي علي ما أهم مكسبين تحققا للمجتمع المصري علي يد الثورة الشبابية، وأعني بذلك:

1 ndash; سقوط حاجز الخوف من السلطة وتوافر عوامل الاستعداد لمواجهة اخطائها وتعدياتها علي مستوى ميادين التحرير في كل محافظات مصر، بل هناك من يؤكد القدرة علي التجمهر في مواجهة مقر رئيس الجمهورية.

2 ndash; القدرة علي كشف المفاسد وإهدار الحقوق بكل الوسائل، والتمكن من عرضها علي الهواء مباشرة لحظة وقوعها في كثير من الأحوال.
لذلك لا أخشي فوز اي المرشحين بالمنصب لأني اثق في قدرة غالبية الشعب المصري علي التصدي لأي رئيس الجمهورية الآتي من منطلق الحقائق التى رسختها الثورة.

bull;استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا
[email protected]