لا يختلف اثنان على أن مصر تولد من جديد، فلأول مرة في تاريخ مصر القديم والحديث على حد سواء ، يختار المصريون رئيسهم، بصرف النظر عن الفائز والخاسر في هذه المعركة الانتخابية، والتي ستزداد سخونة في جولتها الثانية، وهذا هو الأهم في بناء الديمقراطية بمصر الجديدة.

نتيجة المرحلة الأولي لم يتوقعها أحد على الإطلاق، استطلاعات الرأي منحت quot;عبد المنعم أبو الفتوحquot; ،وعمرو موسىquot; quot;وحمدين صباحيquot; الصدارة في مقابل تراجع quot;أحمد شفيقquot;، وquot;محمد مرسيquot;.

في بداية الاقتراع حكي لي زميل وهو صحفي فلسطينيي يحمل جواز سفر بريطاني يدعى quot;رياض الحاجquot; أن حلماً راوده قبل يوم من بدء الاقتراع في الرابع والعشرين من الشهر الجاري بوصول كل من: quot;محمد مرسيquot; وquot;أحمد شفيقquot; إلى جولة الإعادة ، وفعلا تحقق الحلم الذي ظننت أنه بعيد المنال.

على أية حال فإن المتأمل لنتائج هذه الجولة يدرك عدة ملاحظات :
الأولى : إن مجموع الأصوات التي حصل عليها quot;حمدين صباحيquot;، وquot;عبد المنعم أبو الفتوحquot; تقترب من تسعة ملايين صوت، ولو تنازل quot;حمدينquot; ل :quot;أبو الفتوحquot; أو العكس لحسمت النتيجة لأحدهما من الجولة الأولى، ومن ثم لا ينبغي ألا نلوم الشعب المصري على خياراته ، فقد مارس الشعب حقه في الاختيار، ولا بد إن نحترم هذا الحق ، واللوم يوجه ل quot;حمدين وأبو الفتوحquot; لأنهما أساءا تقدير الموقف ، ووجد كلاهما أن حظوظه كبيره في الفوز، بعد خروج quot;عمر سليمانquot; وquot;خيرت الشاطرquot; لأسباب قانونية، ففضل كل واحد خوص السباق منفرداً فخرجا معاً.

الثانية: إن ماكينة جماعة الإخوان المسلمين ستظل الأكثر تنظيماً وقدرةً على الحشد لصالح مرشحها، بدليل تسويق المرشح الاحتياطي quot;محمد مرسيquot; المحدود القدرات، ودفعه ليحتل المركز الأول، رغم تراجع ثقة المصريين في التيار الإسلامي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما اتضح في التصويت الكثيف لصالح quot;أحمد شفيقquot; في محافظات المنوفية والشرقية وغيرها من المناطق، التي يتمتع فيها الإخوان بنفوذ قوي.

الثالثة : إن مرشح حزب الحرية والعدالة غير قادر على حسم جولة الإعادة لصالحه، ما لم يتوحد مع القوى الأخرى، لمواجهة quot;شفيقquot;، ومن يرغبون في إعادة إنتاج النظام القديم، والاتفاق على تحقيق مطالب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأن يتشكل فريق من ممثلي الثورة quot;حمدين صباحيquot; وquot;عبد المنعم أبو الفتوحquot;، وغيرهم لخوض انتخابات الإعادة، والتكتل وراء مرشح الإخوان، لتفويت الفرصة على شفيق، وأنصار النظام القديم.

الرابعة: إن الناخب المصري خاصة من مؤيدي quot;حمدينquot; يجد نفسه في حيرة من أمره فهو أمام خيارين أحلاهما مر، إما التصويت ل quot;مرسيquot; وبذلك يسلم مصر للإخوان رئاسةً وبرلماناً وربما حكومةً، وإما التصويت لquot;شفيقquot; فيسلم البلد إلى أعداء الثورة، وبذلك تضرب بعرض الحائط أهداف الثورة، ويصبح دماء الشهداء، وما قدمه الشعب من تضحيات بلا قيمة.

الخامسة: إن كل القوى السياسية من إسلاميين، وليبراليين، واشتراكيين، وثوريين مطالبة بأن تعي أن مصر مبارك لن تعود، حتى إذا جاء واحد من تلاميذه، ويجب على الجميع إعلاء مصلحة الوطن، وفي حال عدم الاتفاق على ذلك، فالكل خاسر لا محالة.

السادسة : إن البداية في الجولة الأولى من الانتخابات لم تكن كالنهاية ، فالكومبارس تحولوا في نهاية المشهد إلى أبطال، والأبطال تحولوا إلى كومبارس، فظهور quot;أحمد شفيقquot; كان خافتاً في البداية، ثم بدأ يلمع خلال الأيام الأخيرة ، وأخذ quot;عبد المنعم أبو الفتوحquot; وquot;عمرو موسىquot; في التراجع ، بعد أن كانا نجما السباق في البداية ، وهذا التراجع صب في مصلحة quot;حميدين صباحيquot; ، ويظهر المرشح الاحتياطي quot;محمد مرسيquot; في دور مساعد، فيتحول إلى بطل، ويأخذ دوراً رئيساً مع quot;أحمد شفيقquot;، ليقترب الاثنان من نهاية المشوار، وهذا أقرب إلى الحالة التي تمر بها مصر الآن.

لقد حطمت الجولة الأولى من الانتخابات مقولة: quot;إن الإخوان يحتكرون الشارعquot; ، وثبت أن الشارع المصري لا يملكه فصيل، أو تيار سياسي معين ، بدليل هذا التفوق الذي حققه quot;احمد شفيقquot; وquot;حميد صباحيquot; ، إن كل مصر كلها تعي قواعد اللعبة السياسية ، ولن يستطيع أي تيار تزييف إرادة المصريين، فقد وجهوا رسائل عدة في هذه الجولة للداخل والخارج بأن عهد الوصاية عليهم قد ولى وأن خيارهم الديمقراطي لا رجعة عنه.
إعلامي مصري


\