كثيرا ما ردد الإسلاميون بأن الصورة السلبية المنطبعة في ذاكرة الناس والمجتمع الدولي كرستها الأنظمة الدكتاتورية وأدواتها. بيد أن هذه الصورة لم تتغير مع سقوط الأنظمة، بل ربما أصبحت أكثر قتامة. ولعل هزيمة الإسلاميين في الجزائر (التوقعات كانت تشير إلى فوزهم بأغلبية مقاعد البرلمان) تعود في جزء كبير منها إلى فشل الإخوان المسلمين في مصر بتقديم صورة إيجابية تطمئن المواطنين والعالم.

واليوم وبعد النتائج الأولية التي تشير إلى تقدم مرشح الإخوان محمد مرسي ورئيس آخر حكومة في عهد مبارك أحمد شفيق ليكونا في جولة الإعادة، بات التوجس سيد الموقف في مصر. فالأقباط قرروا أن يقفوا صفا واحدا خلف شفيق لمنع فوز الإخوان، فيما يخشى صانعو الثورة من الثورة المضادة للنظام السابق، ويخشون في الوقت نفسه من تداعيات فوز الإسلاميين. وهنا يقف القوميون واليساريون وحتى السلفيون حائرون. فيما يرجح كثير من المصريين قيام الشعب بثورة سواء فاز شفيق أم مرسي.
والسؤال هنا، لماذا يكره الناس الإسلاميين؟

1-الخطاب الإسلامي للحركات الإسلامية خطاب غير واقعي، وليس مستنبط من المجتمع. همّ الإخوان المسلمين في مصر كان الاستئثار بالحكم والوصول للسلطة، دون أن يضعوا مطالب الفقراء والعمال والشباب في سلم أولوياتهم. فشعار الإسلام هو الحل الذي رفعوا على مدار العقود الماضية، لم يتحول إلى واقع على الأرض وبرامج عملية تقنع الناس، بل اشتد نفور الجماهير من هذا الشعار.

2-كل من يخالفهم ويخرج من تحت عباءتهم تلفق له تهم ويصبح quot;رجيمquot; ومن quot;المغضوب عليهمquot;. فالإخوان في مصر لا مشكلة عندهم في سقوط المشروع الإسلامي وفوز أحمد شفيق، المهم أن لا ينجح في انتخابات الرئاسة ذاك quot;المرتدquot; عبد المنعم أبو الفتوح. وهذا التفكير ينسحب على العقل الجمعي للحركات الإسلامية، وتتربى عليه الكوادر. وهنا تحضرني حادثة صغيرة لا بأس من ذكرها. فقد كنت أعمل مراسلا في قناة فلسطين اليوم ثم في قناة القدس، في الأولى اتهمت بالعمالة لحماس ومنعت من دخول المحطة، وفي الثانية مُنعت من أداء حتى صلاة الجمعة، وحاولت مرارا أن أخبر رئيس مجلس الإدارة عزت الرشق عن الأخطاء الموجودة في المحطة، لكني للأسف لم أجد أذنا صاغية ولا مبالية.

3-لم يراع الإخوان المسلمون في مصر أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة المقبلة. بل أرادوا حرق المراحل بشكل سريع، وهو ما لم يتأتى لهم ولن يتأتى في ظل التعقيدات الدولية والتشابكات الإقليمية وتقاطع الخيوط الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية في مصر. فمصر كما هو معروف قلب العالم العربي، وليس من السهولة بمكان أن تمسك بزمام السلطة ما لم تجر حسابات دقيقة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.

4-اعتماد النفعية والبرغماتية لا المبادئ الدينية والأخلاقية. فالإخوان أعلنوا أنهم لا يسعون لأكثرية في مجلس الشعب أو الشورى، ولن يرشحوا أحد لرئاسة المجلس، لكنهم نقضوا كل ذلك. كما إنهم أجروا صفقات مع المجلس العسكري على حساب الثورة والثوار. ففي الوقت الذي كان فيه الشباب يتظاهرون في الميادين، كان الإخوان المسلمون يفاوضون عمر سليمان. وطبعا يدرجون ذلك في إطار quot;المصلحةquot;، القاعدة المشهورة في أصول الفقه.

5-الاهتمام بالعقلية الأمنية كثيرا، فلطالما تحدث quot;الإخوةquot; عن تجنيد بعض quot;إخوتهمquot;
فقط لمراقبتهم وفضح خصوصياتهم، وهو الأمر الذي يعكر صفو quot;الإخوانquot;، ويؤدي إلى انتشار الغيبة والنميمة فيما بينهم. إضافة إلى ذلك، فإن المظاهر الأمنية المبالغ فيها تبدو بارزة أمام مؤسساتهم. وقد قلت لأحد الحراس أمام إحدى القنوات الفلسطينية عندما شاهدته يفرط في تفتيش الناس: quot;إن إسرائيل سترسل إليكم من يحرس المحطة. فقيل لي لماذا؟ قلت: لأنها هي المستفيدة الأولى من هذا الإعلام البائس واللامهني الذي تقدمه قناتكم، كنت أتمنى لو ينصب اهتمامكم على تأهيل الكوادر وتحسين أدائهم، بدلا من الاهتمام الكبير بهذه الأمور الشكليةquot;.

6-الاستعلاء على الآخرين. فالإخوان مثلا في مصر لم يطمئنوا الأقليات، بل فضلوا المواجهة، وهذا نفسه تراه عندما تتعاطى مع جماهير حزب الله مثلا في لبنان. فالقوة تؤدي بالجماعات الإسلامية إلى الاستعلاء على الناس لا استيعابهم.

في الختام، أود أن ألفت إلى أن الغرب يفضل أن يحكم العالم العربي اثنين: إما التيار القومي أو النيوليبرالي. وقد فشل التيار القومي بعد أن نخره الاستبداد الفساد. أما التيار النيوليبرالي فيعتبر أقليّة، وهو على صلة وثيقة بالغرب. وهنا فلا مناص من وصول الإسلاميين الذي يتمتعون بشعبية كبيرة إلى الحكم. وعليه فإن ما أخشاه أن يشكل الإسلاميون حصان طروادة للنيوليبراليين، ويقدموا تجربة سيئة وصورة بائسة عن الحكم الإسلامي، كما فعل أسلافهم المعاصرون، تؤدي إلى انفضاض الناس عنهم واللجوء للخيار النيوليبرالي بعد أن فشل الخيار القومي والاشتراكي.

*كاتب وباحث