تتسارع الأحداث في لبنان منذ يوم الأحد الماضي إلى حينه، في خطَّةٍ واضحةٍ لجرِّه إلى ما لا يريده ويخشاه الشَّعب اللبناني، عودة الحرب الأهليَّة، وسط توجيه صفعاتٍ متتاليةٍ للجيش اللبناني من خلال سعيه لفض الإشتباكات اليوميَّة المندلعة في العديد من المناطق اللبنانيَّة، تسعى لهزه وووضعه جانبًا تنفيذًا لمشاريع طائفيَّة أقليميَّة.

فمن حادثة الكويخات الَّتي نشبت حين رفض وفد الشيخ أحمد عبدالواحد الوقوف على حاجز للجيش وقيامه بإطلاق النار على الجيش اللبناني الذي إضطر للرد، ما أدى إلى وفاة عبد الأحد ومرافقه وهو ما استغل سياسيًّا أو لربما افتعل لإخلاء سبيل شادي المولوي المتَّهم بالإنتماء إلى تنظيم القاعدة، فكسرت هيبة الدَّولة وصُوِّرالمولوي عندخروجه من السجن علىأنَّه بطل حيث إستقبله رئيس الحكومة شخصيًّا في محاولة لإسترضاء الشَّارع الطرابلسي، وإحالة ضباط وعناصر الجيش إلى التحقيق مدنيًّا وعسكريًّا، مرورًا بالإنتشار المسلَّح لتيار المستقبل في طريق الجديدة والإشتباك مع أنصار شاكر البرجاوي المنتمي إلى التيار سابقًا، والذي تركه مفضلاً تأييد نظام الرئيس بشار الأسد، ما أدى إلى طرده من المنطقة بعد ليلةٍ ناريَّةٍ بإمتياز، كان ينتظر المستقبل على ما يبدو أي حادث متفجِّر للإنتقام منه وخلعه من المدينة، وصولاً إلى خطف حجاج لبنانيين شيعة كانوا في رحلة حج إلى إيران عند وصولهم إلى سوريا في طريق عودتهم إلى لبنان على يد الجيش السوري الحر، بهدف مقضاتهم مع موقوفين لهم لدى النظام السوري، لتطلَّ بعدها حادثة إطلاق النار على الشَّاب إيلي نعمان وشقيقه برنادرد في منطقة الدكوانة على يد بيار نعمة الذي يقال أنَّه من جماعة أنطوان الصحناوي وهو واحد من أبرز مؤيدي القوات اللبنانيَّة ما أدى إلى مقتل الأوَّل، علمًا أنَّ الشقيقين يعملان في مجال تصليح الدَّراجات النَّاريَّة ووقع الإشكال بسبب خلاف على سعر التَّصليحة، نهايةً بإشكال في منطقة كاراكس حيث كان الخلاف على فتاة هوى بين شباب تبيَّنوا أنَّهم من جماعة الـ13 التَّابعة إلى تنظيم القاعدة والمعترفين بقضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري والمفرج عنهم فيما بعد، حيث تدخل الجيش لفض الإشكال وإنهائه بعد ساعات من إطلاق النار المتواصل، وكلّه بالتزامن مع عمليَّات تسكير طرقات وإحراق الدواليب في مناطق عدَّة في ظاهرة تكرَّرت في الأيَّام الأخيرة عند حصول أي إشتباك أو خلاف أكان فرديًا أو سياسيًا.

هذا من ناحية الأحداث الأمنيَّة، أمَّا سياسيًّا فالعهر السِّياسي تفشى كالنَّار في الهشيم فبين مطالباتٍ سلفيَّةٍ بإسقاط الحكومة وإنشاء جيش لبنان الحر وطرد الجيش اللبناني من الشَّمال، وكسر هيبة الدولة الَّتي رضخت بعد أسابيعمن القبض على شادي المولوي المتَّهم بالإنتماء إلى القاعدة وإخلت سبيله، بهدف تهدئة الغضب السَّلفي في الشَّمال الذي تحول من غضبٍ شعبيٍ إلى مظاهر مسلحة وتهديد بتفجير الوضع اللبناني وحرقإطارات وأعمال شغب وتسكير طرقات، وذلك كله وسط مخططٍ مدروس لإضعاف الجيش اللبناني وخلق منطقة عازلة في الشَّمال لتكون مدخلاً لعلميات تهريب السِّلاح إلى المعارضين السوريين الَّتي أوقفها الجيش اللبناني، كما يرى السَّاعون لها أنَّها قد تكون موازية للمربع الأمني في الضاحية، فتتحقَّق المعادلة المنشودة: حرب باردة وتوازن قوى بين القوَّة السُّنيَّة والقوَّة الشِّيعيَّة، مع شبه سكوت مسيحي ودرزي، قطعه تصريحات رئيس تكتل التَّغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي رفض هدّ سلطة الجيش أو منعه من الدخول إلى أي منطقة وعزله عنها، وموقف النائب سامي الجميل الداعم للجيش، في حين باقي فرقاء 14 أذار ظلوا صامتين حيال ما يحصل لحين صدور بيان بعد إجتماعهم في الأمس يدعو لإسقاط الحكومة، ليعود ويتوافق عون مع رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط من حيث التَّمسك بالحكومة الحالية أكثر من أي وقت مضى كي لا يتدهور الوضع أكثر في ظل غياب أي سلطة تنفيذيَّة.

حيث الظاهر أنَّ دولة quot;لبنان المزرعةquot; بدأت تتضح معالمها أكثر، دويلة سنيَّة وجهها الدِّيني الفكر السَّلفي، ووجهها العكسري المسلَّح المطلوبون والمنضوون تحت راية المنظَّمات الإرهابيَّة، ووجهها السِّياسي تيار المستقبل، ودويلة شيعيَّة وجهها الدِّيني والعسكري والسياسي ممثَّل بحزب الله وحركة أمل، ليكون المسيحيون مقسومون إلى طرفين بين الدويلتين في محاولةٍ لحجز مكان لهم بعد إنتزاع صلاحياتهم منهم في quot;إتفاق الطَّائفquot;، والدروز ينتقلون من جهة إلى أخرى حسبما يرى زعيمهم المطلق أنّْ مصلحتهم تصب.