اكثر من مرة سألت ما هي المكاسب التي جنتها جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها بما يزيد عن ثمانون عاما وحتى الآن ولم يجبني أحد. غير أن الإجابة بسيطة جدا ويمكن لأي إنسان بسيط أن يكتشفها بنفسه متى علم أنهم يتحركون في المكان أو على محيط دائرة!!!!... على أية حال فسبحان الله فقد أدخلت جماعة الإخوان المسلمين مرة أخرى نفسها في متتابعة الخسائر بإرادتها أو بخداعها... وليس أمامها الآن إلا سحب مرشحها الدكتور محمد مرسي من سباق الرئاسة تبرهن على أنها مع الثورة وليست من فلول الثورة....كيف نفسر هذه الكلام؟

لا يخفى على أحد أن الصراع الدائر في مصر هو حرب شرسة على السلطة بين الأخوان والنظام القديم.. تلك الحرب التي بدأت منذ ثورة 1952 ميلادية ومازالت حتى اليوم.. نعم لم تكن حربا بين نظام قديم وثوار.. أبدا لم تكن كذلك وإنما هي بين النظام القديم والإخوان المسلمين وقد استغل جميعهم (النظام القديم والإخوان) تطلعات الثوار والشعب المصري لحياة كريمة في دولة مدنية غير دينية لتحقيق أهدافهم. بيد أن المفارقة الحقيقية هي أن النظام القديم يريدها مدنية والإخوان يريدونها مدنية بمرجعية دينية (دولة دينية).

إذن فالذي يحدث الآن في مصر هو حرب سياسية بين الثورة المضادة والثورة العكسية.. بين فلول النظام وفلول الثورة.. ماذا يعني هذا الكلام؟؟ يعني أن فلول النظام والذين افسدوا النظام القديم حتى قامت الثورة في مواجهة فلول الثورة الذين أفسدوا الثورة حتى لا يعود النظام القديم.. وإن كانت الثورة المضادة تعيق مسار الثورة حتى ينحرف مسارها فيفقد المواطن أمنه وسلامه ويتوق للنظام القديم فإن الثورة العكسية كانت تعمل دائما على استغلال هذه التحولات لإحداث التغيير العكسي لإقامة دولة الخلافة.. كيف نفهم هذا الكلام؟؟

قامت ثورة 25 يناير لتطالب بدولة مدنية بينما كانت مطالب الثورة العكسية دينية... ففيما كانت مطالب الثورة المواطنة وحقوق الإنسان كانت مطالب الثورة العكسية الشريعة ودولة الخلافة... ولذلك نجد أن الأخوان ومنذ اللحظة التي جلسوا فيها مع السيد عمر سليمان في حوار بعيدا عن القوى الثورية الشبابية للاتفاق على بعض الشروط في مقابل تحولهم من جماعة محظورة إلى جماعة علنية وقد استمروا في جولات الصفقات وكان الهدف الخفي الإجهاض على الثورة تلبية لرغبة النظام القديم غير أن الإخوان كانوا يسعون لتحويلها إلى الثورة العكسية كما يؤمنون هم.

وهل ينسى أي منصف للحق أن الاخوان هم من قاموا بتنفيذ بعد الأعمال التي صبت جميعها في صالح النظام القديم؟ فعرقلوا وضع الدستور أولا، ووافقوا على نعم للتعديلات الدستورية التي مكنتهم من دخول البرلمان ففرحوا بهذا غير أن فرحهم تحول إلى حزن عندما ظهر للشعب مهازل الأداء البرلماني الضعيف بقيادتهم فخسروا أكثر بكثير مما اعتقدوه مكاسب... وهل ينكر أحدا اللجنة التأسيسية للدستور وبطريقة الاستحواذ التي أغضبت جموع القوى الوطنية وفئات الشعب فخسروا اللجنة وخسروا القوى الثورية،وكسب النظام القديم... ومن لا يتذكر كيف طالبوا بدفع دية بدلا من محاكمة النظام السابق فخانوا الثوار، وكيف طالبوا فى برلمانهم اهالى الشهداء بتقديم صحيفة الحالة الجنائية، ولم يوافقوا على استخدام وصف شهيد على من مات بداية من احداث ماسبيرو وحتى مجزرة بور سعيد وما بعدها حتى ظن الجميع أن الثورة بدأت تفقد أهم ما تملك وهو دماء الشهداء. كيف بعد كل هذا يقولون أنهم مع الثورة... ألا تعني هذه الأفعال أنهم من فلول الثورة

وكيف نفسر تضحية الإخوان المسلمين بسمعتهم وتراجعهم عن تصريحاتهم وزجوا بمرشح رئاسي ضاربين عرض الحائط بما طالبت به الكثير من القوى الوطنية من قبل؟... ألم يخدموا بذلك النظام القديم بحرمان حمدين صباحي و ابو الفتوح من الفوز بعد حسبة بسيطة للقوى التصويتية... أليس بوجود محمد مرسي خلصت نتائج الانتخابات إلى استبعاد كل من أبو الفتوح وحمدين صباحي من السباق فعادت السلطة مرة أخرى للتنافس بين الغريمين النظام القديم والإخوان المسلمين.

الكرة الآن في ملعب الأخوان المسلمين فإن كان الاخوان المسلمين صادقون في قولهم بأنهم يحملون الخير لمصر وإنهم من الثوار وليس فلول الثورة فلن يخرجهم من هذا المأزق إلا سحب مرشحهم محمد مرسي وبذلك تكون الإعادة بين حمدين صباحي وشفيق فتهدأ القوى الثورية وتحسم صناديق الاقتراع الأمر. إذا لم يفعلوا فسيدخلون في نفق مظلم وأعتقد أنهم لن يفعلوا....

أما إذا ركبوا قطار العناد فسوف يتحملون أثقال لا تقدر على حملها الجبال.. هل يعرفون أن فوز محمد مرسي مستحيل؟ هل يعرفون أن فوزه لن يقبله المجلس العسكري ولا معظم القوى الوطنية ومعظم فئات الشعب؟ على ماذا يراهنون إذن؟ أعتقد أن عقلاء الجماعة يعرفون حجم قوتهم التصويتية الثابتة عددا، وأن مشروعهم طويل الأمد والهجين بين الدين والسياسة لا يمكنهم ألا أن يكونوا جماعة معارضة في البرلمان وليس أكثر.

إذا بقي الوضع كما هو عليه فلن يكون أمام الشعب المصري إلا اختيار الفريق شفيق والذي يثقون في أنه قادر بما يملك من دعم أكثرية الأغلبية الصامتة والتي ترغب في الأمن والاستقرار بعد سنة ونصف من العذاب من النظام البائد والمراوغات من جماعات الإسلام السياسي. كذلك فإن كل الأقباط الذين لا يريدونها دولة دينية سيدعمون شفيق، وكذلك مؤسسة الأزهر المعتدلة، والطرق الصوفية، وعموم العمال والفلاحين والمحليات، والكثير من مؤسسات الدولة، وفئات كثيرة من الشعب تلك التي لا تثق في سياسات الإخوان وتعرف ماضيهم البعيد والقريب وبذلك يقطعوا الطريق على تحكم الإخوان في البرلمان والرئاسة وكل مقدرات البلاد.

الفريق أحمد شفيق لا يحسب على فلول النظام السابق لأنه رجل لم يشارك في فساد سياسات الحزب الوطني ولا لجنة السياسات وكان رجل أداري محنك يعمل في صمت وأحدث نهضة غير مسبوقة في كل المشاريع التي امتدت اليها يداه بالإضافة إلى كونه من غير المقيدين بأفكار رجعية تعيقه عن التقدم بالبلاد والعباد وله سابقة اعمال لا يستطيع السيد محمد مرسي أو غيره أن يمتلك منها نقطة واحدة. أيضا فإن الفريق شفيق أعلن أنه سيجتهد في علاج أخطاء النظام السابق ولأنه رجل ذكي سيبذل جهدا لكسب تأييد الثوار بطمأنتهم أن حقوق الشهداء لن تضيع هباء لأنها هي التي أتت به إلى هذا المنصب وانه سيعمل على مشاركتهم بكل اطيافهم السياسية في الحياة السياسية وفي صنع القرار. ومن المؤكد أن الشعب المصري على قناعة تامة ويعلم جيدا أن كل السلطات التنفيذية وكل مؤسسات الدولة التقليدية ستسانده ولن تعانده كما هو متوقع مع كافة المرشحين الآخرين...

في علم الرياضيات يجب أن نبحث عن الحلول العددية (numerical solutions) في حالة تعذر الحصول على الحلول التامة (exact solutions). لذلك وانطلاقا من هذه القاعدة العلمية ليس امامنا إلا اختيار الفريق شفيق كحلا عدديا (تقريبيا) أوليا تتوالى بعده الحلول التي تكمل مطالب الثورة المدنية كما أرادها الثوار وكل جموع الشعب المصري العظيم والمتمثلة في دولة مدنية عصرية. أو ننتظر رحمة الله وسيناريوهات أخرى، والله الموفق.

[email protected]