يقول درس التاريخ إن في أعماق الإنسان جوهراً أصيلاً بعيداً لا تستطيع قوة إرهاب في الدنيا أن تقتله..
ربما يغيب هذا الجوهر زمناً طويلاً في ظروف القهر والإرهاب أو تحت حجب كثيفة من الانحراف والانحلال واتباع الشهوات والركون إلى ملذات الدنيا لكنه يظل كامناً في الأعماق..
وفي لحظة تاريخية يكتشف فيها الإنسان جوهره فإنه ينفض عن نفسه ذل السنين وركام الأغبرة والحجب ويظهر جوهره العميق الذي هو أجمل ما فيه والذي هو سر إنسانيته فيحطم كل الأصنام والأوثان ويحقق كلمة الله فيه ويجسد آيات البطولة والفداء فتحتار قوى البغي وتتساءل:أين كان كل هذا القدر من التمرد والثورة مختبئاً!!..
إنهم حمقى لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا لذا فهم لا يؤمنون بالإنسان..لو كانوا يؤمنون بالإنسان حقاً لعلموا أن هذه الثورة لا تزيد عن كونها تعبيراً عن أعمق ما في هذا الإنسان، ذلك الذي يستعصي على المحو والاندثار ولأدركوا أن مكر الليل والنهار وكل وسائل الترهيب والإكراه التي طالما أنفقوا عليها أموالهم غدت عليهم حسرةً وأنها أوهن من بيت العنكبوت وأضعف من أن تطال هذا الجوهر العميق..
إن هذا الجوهر الإنساني العميق يظهر في حرية الإنسان وإرادته، وإنه لا سلطان لأحد عليه حتى الشيطان ذاته لا يملك أن ينفذ إلى هذا الجوهر العميق quot;إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوينquot;..
ربما تستطيع قوى الأرض أن تلحق بالإنسان الأذى والضرر وأن تخوفه وأن تكبت حريته، لكنها لا تستطيع أن تقتل جوهره الذي هو سر إنسانيته لأن ذلك الجوهر متصل بالله مباشرةً فهو نفخة من روح الإله..
إن أحداً على وجه لا يملك أن يكره إنساناً على الإيمان بما لا يقتنع به أو على الكفر بما قد آمن به ولو استعمل كل أدوات القهر والإرهاب فهذه خارج قدرة البشر quot;لا إكراه في الدينquot;..
لقد ظهر هذا الجوهر العميق في سحرة فرعون رغم طول سنوات الذل التي عاشوها تحت حكم فرعون حتى أنه كان يشتري ضمائرهم بهباته وعطاياه quot;أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبينquot; إلا أنهم في لحظة صدق مع الذات فاجأوا فرعون وسجلوا موقفاً تاريخياً quot;فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنياquot;..
ظهر هذا الجوهر العميق في بلال بن رباح حين اكتشف ذاته فتحرر من أغلال العبودية التي كان يرزح فيها وصرخ في وجه الطاغوت صرخته الخالدة التي سجلها التاريخ quot;أحد أحدquot; غير مبال بلهب السياط في رمضاء الصحراء..
ظهر هذا الجوهر العميق في شعب مصر حين نزلت ملايين الجموع فجأة محطمةً أصنام الخوف والعبودية ومتمردةً على ذل القرون وهي تصدع بكلمة حق في وجه سلطان جائر..
ظهر هذا الجوهر العميق في شعب سوريا الذي ظننا في حقبة تاريخية سوداء أنه قد شبع موتاً واستمرأ الذل والمهانة فإذا بالحياة تدب فيه من بعد الموت ويفاجئنا بأروع آيات الفداء والتضحية مما تعجز قوانين المادة عن فهمه وتفسيره..
إنها آية الله في بعث الموتى وفي انتصار بذرة الحياة الكامنة على مظاهر الموت المنتفشة..
وما حدث في مصر وسوريا وغيرها سيحدث في كل أرض تشهد ظلماً حين يأتي يوم لا ريب فيه تستيقظ فيه الشعوب وتنزع عن نفسها لباس الذل والخوف..
أيها المخلصون: لا تغرنكم مظاهر الفساد والضياع التي تملأ العالم فتفقدوا الأمل وتيأسوا من روح الله..إنها قشور تخفي في طياتها جنين ثورة وتحرر، وحين تحين اللحظة التاريخية المناسبة سوف تفاجئكم هذه الشعوب فيخرج منها خير كثير، وسترون من عصاة اليوم من يجسد بطولة سحرة فرعون في مواجهة الظلم والاستكبار..
أيها الظالمون: لا يغرنكم صمت الإنسان على إفسادكم واستكباركم فإنما هو صمت خادع سيتبدد وإن الإنسان سيحقق يوماً ما كلمة الله فيه فيحطم الأصنام ويقيم كلمة التوحيد حيث لا يتخذ الناس بعضهم أرباب بعض من دون الله، بل تكون كلمة العدل والسواء.. وحيث تسقط كل امبراطوريات الشر والإفساد ومشاريع الهيمنة والاستعلاء في الأرض ونهب الثروات ولا تكون إلا دولة الإنسان التي يتجسد فيها العدل والحق والحرية..
والله غالب على أمره..
[email protected]
التعليقات