لقد دأب في الاونة الاخيرة احد علماء الشيعة في العراق بتقديم نفسه على انه المرجع العربي العراقي السيد فلان الفلاني، ولماذا الفلاني انه السيد الحسني الصرخي، وانا لست هنا بصدد تقييم اعلميته فذلك ليس من اختصاصي،ولكنه على اي حال عالم دين ومرجع له اتباع يقلدونه، ولكني اردت التوقف عند كلمة العربي العراقي الذي يضعه اتباعه قبل ذكر اسمه، ولا ادري ان كان هذا الوضع هو باجتهاد من الاتباع ام بايعاز منه شخصيا، وفي كلا الحالتين ان كلمة العربي والعراقي ليست مناسبة في هذا المقام وقد تضره بدلا من ان تنفعه لان الضرب على وتر القومية لا يليق برجال الدين فضلا عن كونه مرفوضا في الاسلام لان الدين يتعارض مع القومية اذا استخدمت الاخيرة للتفاخر وازدراء الاخرين وقد حسم الاسلام ذلك باية وحديث واما الاية الكريمة فهي قوله تعالى (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) والحديث هو قول الرسول الاكرم صلى الله عليه واله (لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى) وقد قدم الاسلام بلال الحبشي على ابي لهب العربي القرشي واقول بان علماء آخرين لعبوا على وتر القومية ولكنهم لم يفلحوا، ولعل الرئيس السابق صدام حسين سبقهم الى ذلك بعد نشوب الحرب بين العراق وايران وعرض على الشهيد السيد محمد باقر الصدر الدعم الكامل ليكون المرجع العربي في الحوزة العلمية، كما ان صدام لم يتعرض لعدد من علماء الحوزة الغير عراقيين ولم يسفرهم خلال موجة التسفيرات الشهيرة لعلمه باهمية وجود هؤلاء في العراق لدعم مركز النجف امام ازدهار حوزة قم التي استقطبت الكثير من العلماء وطلبة العلوم الدينية من بلدان مختلفة.

والى جانب السيد الصرخي الحسني يوجد مراجع عرب اخرين امثال اليعقوبي والطائي والبغدادي والمؤيد لكنهم لم يركزوا على وتر العروبة كثيرا لاعتقادهم
بان هذا لن يجدي في المجتمع العراقي الذي لم يهتم يوما باصل المرجع بقدر الاهتمام بشهرته العلمية وزهده وتقواه ، وقد اشتهر من العلماء الايرانيين في العراق الكثير منهم السيد ابو الحسن الاصفهاني والسيد ابو القاسم الخوئي والشيخ عبد الكريم الزنجاني وآخرهم السيد علي السيستاني الذي صار اشهر من نار على علم ويحظى باحترام كبير في العراق ومن جميع الاطراف وهو احد الاربعة الكبار في النجف الاشرف وهم العراقي السيد محمد سعيد الحكيم والافغاني الشيخ اسحق الفياض والباكستاني الشيخ محمد بشير النجفي ، وقد حدث نوع من التحسس من قبل البعض حول اصل هؤلاء ولكن عموم الشعب العراقي لم يظهر اي حساسية تجاه الاصول النسبية لهؤلاء العلماء الفحول، وحتى الفضلاء في الحوزة ومن يسمون اهل الخبرة من حجج الاسلام العرب الاقحاح الذين عاصرتهم لم يبدوا اي تحسس من اصول العلماء ويكنون لهم الاحترام الكامل، بل وان المرجع الايراني المقيم في ايران قد يحظى بمقلدين ومقبولية لدى شيعة العراق والخليج ولبنان وباكستان واشهر هؤلاء هو الامام الخميني وكذلك السيد علي الخامنئي الذي يحلو للبعض من اهل الخليج ان يسميه بالسيد القائد، وقد حوت مدينة قم المقدسة التي ازدهرت علميا ابان الحرب العراقية الايرانية اسماء كبيرة مثل السيد محمد الشيرازي والسيد المرعشي النجفي والسيد الكلبايكاني والشيخ الاراكي اضافة الى الكثير من المرجعيات العرضية التي لم تنل نصيبا كبيرا من الشهرة.

اذن فالاصل والنسب ليس مقياسا لنجاح مرجع من المراجع والتفاف الناس حوله انما الاشتهار بالعلم والفضيلة والورع، وقد اشتهر عن جل علماء الشيعة بالاضافة الى العلم الغزير الورع والتقوى والزهد والكرم ، فضلا عن المثابرة في الدرس والصبر على المكاره وان لبعضهم قصص خيالية في الزهد والتقوى تدعو الى العجب، كما يوجد مثلهم الكثير في علماء اهل السنة والجماعة.

لقد اشتهر من ارض فارس الكثير من علماء اهل السنة والجماعة واما الشيعة تكاد لا توجد مدينة ايرانية لم يشتهر منها فقيه قلده الكثير من العرب قبل العجم وصلوا الى درجة الاجتهاد في رحلة شاقة طويلة من التحصيل العلمي مثل السبزواري والكركاني واللنكراني والقوجاني والكوهكمري والتبريزي والشاهرودي واليزدي والشيرازي والقزويني والاصطهباناتي والطهراني والآملي وغيرهم، واحيانا تحاول الحكومات التأثير في تعيين المرجع الجديد بعد وفاة المرجع الاعلى كما اشيع عن شاه ايران لمعرفته تماما بتأثير المرجعيات على العوام وكونها مراكز قوة وتأثير.

ومن الجدير بالذكر بان المرجع كالسمكة لا يعيش الا في موطنه وموطن المراجع الكبار هي النجف الاشرف وقم المقدسة حصرا وليس كربلاء ولا مشهد ولا سامراء ولا بيروت وان حدث ان اشتهر البعض القليل في مدن اخرى كما اشتهر الشيرازي الكبير في سامراء والسيد محمد حسين فضل الله في لبنان، وقد يتواجد آيات الله في لبنان والبحرين والقطيف والكاظمية ولكن شهرتهم ستظل حبيسة حدود المدن التي يقطنوها، وحتى مدينة لندن فيها عدد من آيات الله اعرف منهم شخصيا اربعة احدهم اية عظمى له انصار ومقلدين الا انهم لن ينالوا الشهرة المطلوبة ما لم يتخذوا لهم من النجف او قم مسكنا، على ان هذا لا يعني بان كل من سكن النجف او قم حقق الشهرة المطلوبة ، ولا كل من امتطى صهوة العروبة سيحقق ما يصبو اليه وان اتخذ من الغري مسكنا له، ولكنها ملكات يكتسبها العالم بالرياضة والدرس والتحصيل وبتوفيق من الله تعالى اولا واخيرا.
ملاحظة : يجب ان يلاحظ بان هذا المقال ليس طائفيا وانما معلوماتيا بالدرجة الاولى لا سيما وان الكاتب مناهض للطائفية.

[email protected]