تدور في العراق اليوم رحى معركة ساخنة للسيطرة على مستقبل البلد السياسي و الأمني و الإجتماعي بين تيارات متباينة ومتعددة الرؤى و الخيارات و أقواها تيار الأحزاب الطائفية الظلامي من مختلف التوجهات السنية أو الشيعية، فلا فرق بين الحالتين، فالتيار التكفيري القاتل الذي وجد في العراق المحتل المتوتر الخارج من ركام فترات طويلة من الفاشية و الطغيان أرضا خصبة و مناسبة لبث دعواه و أفكاره، يتنافس بحدة و شراسة مع التيار الطائفي الشعوبي المدعوم و الموجه و الممول إيرانيا و الذي يسعى هو الآخر لتحويل العراق لمحمية طائفية إيرانية أو بالأصح لملحق تافه لحديقة نظام الولي الفقيه الخلفية.

خصوصا و أن الديموقراطية العراقية هشة للغاية و تسير على أرض رخوة و تفتقر للبنية التحتية الأساسية لأي تجربة ديمقراطية وهي الأدوات الفاعلة الشعبية و الأحزاب الوطنية النظيفة و الرؤية الثقافية العامة لمجتمع لم يزل يعيش قطاع كبير منه في ظل مجموعة من الأفكار الخرافية و الرؤى العشائرية و التعصب العرقي و كل أمراض الدكتاتورية المهزومة التي لم تهزم في العراق إلا بفعل قوة ضغط خارجية هائلة خارجة عن سياق و قوة الحركات الشعبية المعارضة، فما حصل في العراق منذ عام 1990 وهو عام غزو الكويت الذي أنهى الفترة الذهبية لنظام البعث، كان نتيجة لتخطيط خبيث وقوي هشم المجتمع العراقي وقواه الحرة و طبقته الوسطى و أفواج مثقفيه و أتاح المجال لقوى الطائفية و التكفيرية و التعصب بأن تكون البديل الجاهز للأحزاب الوطنية و القومية التي إنكمشت بفعل تبدل الظروف الطبقية و الفكرية وسيادة الجهل و الأمية، لتأتي ديمقراطية ما بعد الإحتلال الأمريكي عام 2003 بمثابة جنين مشوه غير مكتمل النمو ويفتقر لأسباب الحياة القوية و الفاعلة، فكل ما يحصل في العراق حاليا هو صناعة رديئة لقوى سياسية و طائفية تجاوزها التاريخ و أضحت تغرد خارج سياقاته المعروفة وشروطه التطورية، اليوم يبدو المشهد العراقي بائسا أمام التحدي القوي الذي تفرضه القوى الظلامية المتربصة لقنص الفرصة التاريخية وتطبيق رؤيتها المريضة و المتخلفة في مجتمع هش يبدو على إستعداد لتقبل الفانتازيا الطائفية الهوجاء بشكل مريع، فقد أعلن قائد ما يسمى حزب الله العراق وهو معمم إيراني الهوى و التوجه و الولاء يدعى واثق البطاط عن نظرته الشمولية ورؤيته المريضة للديمقراطية التهريجية القائمة في العراق بقوله من أنه وحزبه وطبعا من خلفه كل القوى الطائفية العاملة بالساحة العراقية يعملون من أجل قيام الدولة الدينية الثيوقراطية البعيدة عن الديمقراطية التي يعتبرونها كفر و إلحاد!!

وقد كشف الرفيق البطاط عن خاتمة المسلسل التهريجي القائم مستعجلا في طرح أوراقه و مؤكدا على قدرة الأحزاب الطائفية الكاملة على تحقيق المهمة وإنجاز الهدف خصوصا في ظل الصمت الشامل و حالة العجز المريضة التي أحاقت بالتيارات الوطنية و الديمقراطية و إنكشافها بالكامل أمام الهجمة الظلامية وعجزها عن قيادة ملايين الجماهير الصامتة أو المتفرجة للخروج بالعراق من شرنقة أحزاب التخلف و التطيف والموت الأسود الذي يعصف بالعراق، لا مندوحة من القول اليوم بأن التيارات الطائفية وهي تمارس لعبة التذاكي و الشيطنة و تطوع الدستور و القوانين وفقا لألعابها قد إمتلكت زمام المبادرة من خلال الرشاوي أو التهديد و الوعيد وما تهرب نوري المالكي و تياره من ملف سحب الثقة البرلمانية بأساليب بلطجية إلا إشارة قوية في هذا التوجه، الإيرانيون وعملائهم اليوم في العراق باتوا يمتلكون مراكز قوى فاعلة تستطيع قلب الصورة الإقليمية، بينما المشروع الديمقراطي و الوطني يترنح و ينهار بل و يتلاشى وتبدو الملايين تائهة وهي تساق كالنعاج نحو مسلخها الأكبر، الدكتاتورية الدينية بأبعادها المقدسة باتت اليوم الخطر الأكبر على وحدة العراق وعلى أمن المنطقة بالكامل، فهل يتدارك العقلاء و التقدميين الموقف؟ أم أننا سنظل نبكي أبد الدهر على ليلى المريضة في العراق وهي تحتضر لتكون العمائم هي هوية العراق في القرن الحادي و العشرين.

[email protected]