سيناريو سحب الثقة عن رئيس الوزراء العراقي لا يتم بهذه الطريقة المطروحة، أي اجتماع كتلتين متناقضتين في الاهداف والمصالح مثل العراقية و البرزانية (وهي جزء من التحالف الكردستاني) حيث يكونان اكثر من 100 مقعدا برلمانيا، لأنها كتل متناقضة متصارعة وبعد الإسقاط ستدخل العراق بدوامة كبيرة ومنها حرب سياسية ومواجهات ملشيواتية تُرجع البلاد الى مربع العنف الأهلي في 2007 والذي اضر بجميع طوائف العراق. وإذا كانت لدى المجتمعين على اسقاط المالكي القدرة على ذلك لما لا يسحبوا الثقة تحت قبة البرلمان العراقي؟ ولماذا يتخوفون من استجوابه في البرلمان قبل سحب الثقة؟ وهذا هو الطريق الذي سيخفف من كارثة الصراع المتوقع بينهم حين تتضح الامور امام الشعب ليرى من المقصر؟ والسؤال الاهم كيف يسحب المجتمعون الثقة من الحكومة التي يشكلون 75% من وزراؤها؟ أي هل يمكن ان تسحب حكومة ما الثقة من نفسها؟ و ما السبب الدستوري لسحب الثقة؟ اذا كان السبب اتفاقية اربيل، فهي اتفاقية غير دستورية كما يقول خبراء القانون العراقي، واذا اعتبرنها توافقية فقد نفذ رئيس الوزراء بنودها المطابقة للدستور، مثل قوانين(النظام الداخلي لمجلس الوزراء ndash; قانون النفط والغاز - قانون ألأحزاب - المصالحة الوطنية ndash; الشراكة في الحكم quot;ما عدى مجلس السياسات بصلاحيات لم تنص عليها الاتفاقية الخ)، ولكن حولت تلك القوانين الى رئيس مجلس النواب (ينتمي للقائمة عراقية) ولم يطرحها للتصويت لحد الان للمساهمة بخلق الازمات و احراج الحكومة.
اما طرح موضوع اختيار رئيس وزراء بديل من نفس كتلة التحالف الوطني، فالمراد منه طمأنت الصدر على ان المنصب لن يذهب من قبضة الشيعة، ولكن الصدر يعرف ان آلية اختيار رئيس الوزراء داخل الإتلاف الوطني تعتمد على التصويت وباعتبار دولة القانون الكتلة الاكبر فيه وهي كتلة رئيس الوزراء المتمسكة به بشدة، فالخيار سيعود لدولة القانون مرة اخرى او الخيار الآخر انهيار التحالف الوطني وذلك ليس من مصلحة التيار الصدري.
وإذا كان هنالك من يراهن على انضمام كتلة الصدر (40 مقعدا برلمانيا) الى الكتلتين العراقية و البرزانية، فهذا من المستحيل في الواقع لان التحالف بين العراقية (مدعومة سعوديا) والتيار الصدري (مدعوم ايرانيا) لا يمكن ان يحدث ولا يأتي حتى في جدول تفكير الداعم او المدعوم لما يعرفه الجميع من حجم الخلاف والصراع التاريخي والمذهبي و المصالحي بين ايران والسعودية.
اما الاكراد فلا يمكن ان يتفقوا مع العراقية لان اكثر مشاكل الاكراد العالقة هي مع العراقية، وقادتها الاكثر تطرفا في المشهد السياسي العراقي وتصريحاتهم قبل انتخابات 2010 دليل ذلك مثل تصريح طارق الهاشمي بعدم جواز ترأس كردي للعراق العربي (المقصود الرئيس جلال الطالباني).
لذا فما يمكن قراءته من تجمع الكتل السياسية المتنافرة هو قوة رئيس الوزراء الحالي ونجاحه النسبي الذي يشكل خطر على جميع الكتل السياسية و لكل منهم اسبابه فرئيس وزراء قوي يعني بالنسبة للعراقية : ان البعث سيستكمل اجتثاثه ومصالح الدول الداعمة لهم في مهب الريح والأكراد سيحصلون على كامل حقوقهم في المناطق المتنازع عليها.
اما بالنسبة للأكراد فرئيس وزراء قوي يعني وضع الاقليم في موقعه الصحيح أي ثلاث محافظات متحدة و البارزاني محافظ بدرجة امتياز وإيقاف تهريب او تصدر النفط دون إشراف المركز، أما بارزاني فسوف لن يبقى رئيسا هو وعائلته الى امد الحياة فتيار التغيير بقيادة نوشيروان مصطفى قادم في ظل الديمقراطية الناشئة ورعاية الحكومة المركزية لها. اما بالنسبة للتيار الصدري فهذا التحرك ليس لإسقاط المالكي، بل للضغط علية والتمهيد للانتخابات القادمة لأنه يطمح ان يكون رئيس الوزراء القادم صدريا، كما يُبعد شبح مذكرة القاء القبض الصادرة بحق رئيس التيار مقتدى الصدر في قضية مقتل مجيد الخوئي، ويلجم تيار عصائب أهل الحق المنشق عنه.
ونستطيع ان نقرأ من عدم حضور البارزاني وعلاوي الى اجتماع النجف على انه ردة فعل على عدم التزام الصدر باتفاق سحب الثقة، وهي محاولة صدرية للمناورة الى ابعد نقطة قبل الانضمام الصدري الى الداعين الى المؤتمر الوطني وليس سحب الثقة. ونستطيع ان نقرأ تمهيدات و تبريرات التراجع التي يطلقها التيار بين الحين والحين الاخر.
لذا فمحاولة اسقاط رئيس الوزراء هذه المرة تختلف عن عملية تنازل التحالف الوطني عام 2006 عن حق رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري نزولا عند رغبة الكتل السياسية الاخرى. المحاوله هذه المرة سوف لن تنجح لسببين؛ الأول : التجمع المتناقض لا يوفر غطاءً اميركيا ايرانيا لمشروع اسقاط رئيس الوزراء القوي ولا يمتلك الاصوات الكافية على ارض الواقع.
اما السبب الثاني: مصدر قوة رئيس الوزراء هو الشارع العراقي وأميركا وإيران وهم القوى الفاعلة في العراق، كما ان التحالف الوطني سوف لن يجعل من التنازل عرفاً، أي من لا يعجبه رئيس وزراء او لم يحصل على مكاسب كافية يطالب بسحب الثقة.
لذا سيكون المالكي (650 الف صوت تقريبا والاول على العراق) و كتلته دولة القانون (89 مقعدا) اقوى في الانتخابات المقبلة بسبب الخطوات العملية التي قام بها والتي كسب من خلالها تعاطف الشارع و المجتمع الدولي و منها: القضاء على المليشيات - التأكيد على عراقية كركوك رسمياً ndash; محاربة الارهاب والفساد ndash; تعريف الشارع ان المفسدين ومعطلي الخدمات هم وزراء الخدمات التابعين لكتل سياسية أخرى - انجاز مؤتمر القمة العربية ndash; لعب دور الوسيط في الاحداث السورية - لعب دور الوسيط في مفوضات ايران النووية والمجتمع الدولي- تأسيس جيش قوي وقوات داخلية متمرسة- رفع دخل الفرد الشهري الى مستوى المعيشة ان لم يكن اكثر بقليل.
فكما يبدو أن مشروع سحب الثقة الغرض منه ليس الاصلاح بل لجني المكاسب، فهل سيفلح الجميع؟
التعليقات