في لقاء عابر مع أحد العراقيين في العاصمة النرويجية أوسلو أثار دهشتي تساؤل حائر أطلقه ذلك العراقي حول حضوره حفل للسفارة الإيرانية في أوسلو ضمن قطيع من العراقيين والباكستانيين بمناسبة الذكرى السنوية 23 لوفاة الخميني!

وكان مبعث التساؤل هو قيام السفير الإيراني بإلقاء كلمة بالمناسبة بالفارسية من دون وجود مترجم عربي رغم وجود مترجم للأوردو!! وقد أعرب ذلك العراقي عن تعجبه لموقف السفير الإيراني!! فأجبته على الفور : بما أنكم من أحباء إيران ورموزها القيادية رغم كونكم تعيشون في دول الغرب كان لزاما عليكم تعلم الفارسية.. فمن أحب قوم تعلم لغتهم ؟ والسفير لم يخطأ لأنه يعلم بأن الحضور هم من أحبة النظام الإيراني ومن المبايعين لقياداته الراحلة أو الباقية أو التي ستكون ؟ وهم بالتالي ملزمون بتقديس وإحترام كل ماهو إيراني أو صادر عن الولي الفقيه!!.. عندها سكت ولم يعلق..؟ والواقع إن التمدد الإيراني الإعلامي والتبشيري في دول العالم يثير أكثر من علامة تساؤل وإهتمام حول النجاح الإيراني المدهش سواءا من خلال الخلايا السرية أو البعثات الدبلوماسية فيوصل الإرتباط بين النظام وأنصاره بل وفي الهجوم لكسب مواقع وأنصار، وتشكل الحالة العراقية ميدانا عجيبا وغريبا لكل متناقضات الدنيا نظرا لإحتوائها على النقائض والغرائب، فالعراقيون هم أكثر شعوب الأرض التي تعرف طبيعة النظام الإيراني المخاتلة و أساليبه الإفعوانية المتبدلة والمتغيرة بتغير الظروف، والعراقيون والشيعة منهم بالذات الذين عاشوا تجربة الحياة في إيران يعلمون علم اليقين وبشكل مطلق بأن عنصرية النظام الإيراني وقوانينه العجيبة والعنصرية هي التي كانت سببا في تنغيص حياتهم وبما جعلهم يهربون زرافات ووحدانا من جنة الولي الفقيه، والعالم بأسره يعرف بحجم الهروب العراقي الهائل من إيران بعد نهاية الحرب مع العراق عام 1988 بغير النهاية التي أرادها النظام في إيران وهي إقامة الجمهورية الإسلامية على النمط الإيراني في العراق وتقدم الجيش الإيراني لإحتلال العراق وهو الأمر الذي لم يحصل بل كان العكس فقد تجرع الإيرانيون مرارة كأس السم الذي أجبرهم على القبول بقرار وقف إطلاق النار المرقم 598 وهو موقف كانت له ردود فعل على الجماعات العراقية المقيمة في إيران التي تعرضت لحملة إضطهاد سلطوية منظمة أجبرت الآلاف منهم على الهروب نحو الحدود الباكستانية طلبا للجوء من الأمم المتحدة فيما أختارت آلاف أخرى ركوب البحر والهروب نحو القارة الإسترالية طلبا لحياة أخرى أكثر سعادة مما أدى لنتائج مأساوية تمثلت في غرق المئات من العراقيين في بحار أسيا الجنوبية ؟ ثم جاءت مرحلة رئاسة السيد خاتمي ونائبه أبطحي ووزيره في الداخلية حجة الإسلام عبد الواحد موسوي لاري الذي إستن قوانين عنصرية عجيبة غريبة تمنع العراقيين في إيران من العمل و السفر والجواز بل أنزلتهم منزلة أقل من الحيوان!!

ومع ذلك بقي حب النظام الإيراني في قلوب بعض من العراقيين! والواقع إن السياسة العنصرية الإيرانية ضد عرب العراق لم تتغير أبدا حتى في عز سطوة الخميني القيادية فقد كانت المخابرات الإيرانية تتعمد إيقاع الصراع بين القوى السياسية العراقية المتنافسة فقد قربت في البداية مجموعة العمل الإسلامي ( الشيرازية ) ثم ضربتهم لتقرب حزب الدعوة الذي ضربته من خلال إحداث الإنشقاقات الداخلية وعلى رأسها إستقالة أحد مؤسسي الحزب من القيادة وهو محمد مهدي الآصفي الذي تحول لمستشار لعلي خامنئي وبدعوى أنه يجب الإندماج التام في القيادة الإيرانية لأنها النائبة الشرعية عن صاحب الزمان! ثم جاءت بقيادة المجلس الأعلى بقيادة المرحوم محمد باقر الحكيم لضرب حزب الدعوة وإبعاده عن الميدان بعد أن تحول لدعوات متعددة، أما التعامل مع العراقيين اللاجئين في مخيمات جهرم وخرم آباد وشيراز وكرج فقد كان مأساويا ومقرفا وحافلا بالتعديات وتلك مرحلة عايشناها شخصيا وعن كثب، وقد هرب العديد من الشباب العراقي بسببها لباكستان ثم توطنوا في أوروبا ولكن ما أن وطأت أقدامهم أوروبا حتى أعادوا الوصل والحب والغرام مع من إضطهدهم!

وتلك حالة نفسية غريبة بحاجة لتحليل من فريق من علماء النفس ويكون محور البحث لماذا يحب بعض العراقيين الذل الإيراني ؟.. اليوم وبعد المتغيرات الدولية تلعب إيران دورا مركزيا وقياديا وحاسما في العراق وباتت اللاعب الأقوى و اعادت الوصل مع القوى السياسية التي أضطهدتها سابقا كالدعوةمثلا وسحبت البساط من تحت أقدام المجلسيين فصديق إيران الدائم هو مصالحها القومية فقط لاغير، فلاصداقات دائمة لإيران سوى مصالحها القومية والسياسة الإيرانية مستعدة للتعامل مع الشيطان إن كان في ذلك مجلبة للمصالح القومية، وقد تعمدت السياسة الإيرانية إيذاء العراق واقعيا وتقديم رسائل الصداقة والدجل المنافق ظاهريا وتلك سنة إيرانية متبعة نعرف تفاصيلها وخباياها، ولكن العجيب في كل شيء هو نظرة الولاء الأعمى لبعض العراقيين تجاه إيران رغم أنهم يعيشون في دول حرة ولا يخضعون للضغوط الإيرانية ومع ذلك يصرون على الإنبطاح والذل أمام الإيرانيين ونلك وأيم الحق ظاهرة غريبة في الدونية وإستصغار النفس حتى أكاد أشبه مواقف بعض العراقيين من إيران بمواقف القط الذي يحب خناقه!!.. وتلك معضلة.

[email protected]