أما نوري، فهو نوري السعيد السياسي العراقي العتيد وأشهر رؤساء الوزارة في العهد الملكي. برز اسمه مع بداية تشكيل الدولة العراقية الحديثة عام 1921، وسطع نجمه في ثلاثينيات القرن الماضي، وظل صاحب الدور المؤثر والشخصية النافذة في توجيه دفة السلطة ورسم سياسة العراق وعلاقاته الخارجية حتى حين يكون بعيدا عن تشكيل الوزارات الى يوم الإطاحة بالنظام الملكي في 14 تموز 1958، ليلقى السعيد مصرعه في اليوم التالي. وكان يعرف بالدهاء والحنكة، ووصف بأنه أبرز السياسيين في المنطقة العربية وأكثرهم قدرة على فهم المتغيرات الدولية وإتقان فن المناورة.

عندما يكلف نوري السعيد بتشكيل الوزارة كان يعمد الى التدقيق في اختيار أعضاء حكومته من الوزراء وبقية المسؤولين ليكونوا نموذجا للتكنوقراط والعمل الجاد والتعامل المهني الرصين في إدارة شؤون الدولة والتصدي لأعبائها.

ولو تحول أعضاء وزارته الى سماسرة ومنتفعين ممن يستمرءون السحت ويتطاولون على المال العام ويشيعون الفساد الإداري والمالي، ويجعلون البلد في مقدمة دول العالم فسادا، أو حين يقدم نوري لبطانته وأفراد عائلته المناصب والامتيازات من دون وجه حق، ويضع الجهلة في موضع أصحاب الكفاءات وينحدر بمستوى الوظيفة العامة لتصل الى حالة من التردي غير مسبوقة، وتنقلب شلة المحيطين به الى زمرة من الوصوليين والانتهازيين والمتأرجحين على الحبال، يحولون البلد ومصالحه الى كرة قدم تتلقى الركل وتتقاذفها الأرجل في كل اتجاه، لأصبح الفشل عندها إسمه نوري.

لو بدأ بتلفيق التهم واختلاق الدعاوى الجنائية لمنافسين من قادة الأحزاب والكتل والتنكيل بهم، وتلطيخ سمعتهم وتاريخهم زورا وبهتانا كسبيل للتخلص منهم والانتقام والثأر لمواقف سياسية سابقة، ولو صيّره كرسي السلطة كائنا مريضا عقده أكبر من عقله فاقدا للبصر والبصيرة منحرف الفكر ومعوج السلوك لدواعي فئوية ضيقة تتناقض مع الحقيقة الجامعة لأبناء الوطن الواحد، لقلنا إن الفشل اسمه نوري.

وحين تتحول السلطة الى غطاء لجرائم وأفعال شائنة ترقى الى مستوى الجرائم ضد الإنسانية بلا رادع، بل التمادي في استعمال القوة المفرطة بأكثر صورها رعبا وهمجية، ثم تفشل في توفير ابسط مستلزمات الحياة الإنسانية ألا وهو المأوى، وتغدو أزمة السكن كارثة حقيقية تتفاقم وتنعكس آثارها السلبية الخطيرة على المجتمع مما ينذر بأوخم العواقب، وتقوم الجهات المسؤولة عن الخدمات بتحويلها الى وسيلة لتبديد الثروة ونهب المال العام من دون إنجاز حقيقي ملموس، لقلنا أن الفشل اسمه نوري.

وعندما يفشل نوري فشلا ذريعا، وبكل ما تحت إمرته من قوات مدججة بمختلف أنواع الأسلحة والآليات، في تحقيق حد أدنى مقبول من الأمن، وحين يجعل من بغداد العرب والمسلمين معتقلا كبيرا تغزوه الكتل الكونكريتية والأسلاك الشائكة، وتجثم على أنفاسها نقاط التفتيش وتتضخم من دون مسوغ أو جدوى في كل شارع وزاوية، لقلنا أن الفشل اسمه نوري.

أما حين يجعل من القوات المسلحة منظمة هجينة تُنثر فيها الرتب العسكرية يمينا وشمالا من دون أي استحقاق وخلافا للأعراف العسكرية المعتمدة، وتعمل وفق حسابات شخصية، وتنفذ أفعالا ومهمات تسيء الى سمعتها وتاريخها، وتبتعد بها عن هدفها الأسمى ( حماية البلاد)، وتتحول الى أداة لتعزيز السلطة وإرهاب الخصوم والقضاء عليهم، وتصبح المعتقلات مطحنة رهيبة للأبرياء بوسائل التعذيب المبتكرة، يشرف عليها خبراء متمرسون في تدمير البشر والحط من كرامتهم الإنسانية واستهداف ذويهم من النساء وكبار السن كوسيلة للضغط على المعتقلين وإجبارهم على التوقيع على اعترافات معدة سلفا، لأصبح وصمة ينكر الفشل عندها أن يقال أن اسمه نوري.